السلام عليكم.. أتمنى أن يكون صدركم رحباً لمشكلتي، وأرجو ألا تقسوا عليّ في الردّ؛ لأن ما حدث قد يحدث لكثيرات مثلي، يفتقدن الاهتمام والحب والحنان داخل بيوتهن. تتلخص مشكلتي في أنّ شاباً تعرّف عليّ وأعطاني ما كنت أفتقده داخل منزلي من اهتمام ورعاية، وقال لي إنه يريد خطبتي، وحدثْتُ أمي، وكنا ننتظره بعد الامتحانات.
وفوجئت به يقول إن ظروفاً طارئة قد حدثت له، ويريد أن أساعده.. ووافقت لحسن نيتي، ولثقتي الكبيرة فيه، ولقلة خبرتي في الحياة، وأعطيته أشياء مادية خاصة بي دون علم أهلي.
وبعدها اختفى، وظهر الذئب، بعد أن خلع رداء الرجل المحترم المثالي الحنون؛ ليدمّر فتاة كانت تعيش حسنة النية، كانت لا تعلم أن الدنيا قد وصلت إلى هذا الحد من الغدر.
قال لي بعد أن كشف القناع عن وجهه: إنه بلا عمل، وأنه جلس يخطط أياماً وليالي كي أثق به وأعطيه ما خطّط له.. وأحمد الله أنها أشياء مادية؛ مع أنها قد تُسبّب لي أزمة لأنها بدون علم أهلي.
وتسبب من جانب آخر في مشكلة نفسية، هي أني كرهت الارتباط، وأصبحت لا أثق في الناس مطلقاً، وبداخلي غريزة الانتقام من هذا الشاب الذي لعب بي ولأنه واثق من أني لا أستطيع فعل شيء؛ ولذا أعطاني عنوانه، وتأكّدت من صحته؛ ولكن ماذا أفعل.. أتمنى أن تجدوا لي حلاً.
Miss. r
عزيزتي لو كنت مكانك لسجدت لله حمداً وشكراً بأن ما سُلب هو أشياء مادية فقط.. حقاً لقد أخطأتِ يا عزيزتي، وسمحت لهذا الشخص أن يخدعك؛ وكان أهم مظاهر خطئك أنك فعلتِ ما فعلتِ دون عِلم أسرتك؛ فالأهل برغم اعتقاد بعض الأبناء أنهم متزمّتون وغير منفتحين ومتشبثون بآرائهم؛ فإن لهم خبرة في الحياة تسمح بأن يكتشفوا مثل هذا الشاب وخداعه، وهو ما لم يتوفّر لكِ، وتسبّب في وقوعك فريسة له.
والمشكلة أنه يوجد الكثيرات من أمثالك بالفعل -كما ذكرتِ- ليس لهن خبرة؛ ولذلك يقعن في مثل ما وقعتِ به وأكثر؛ فالأشياء المادية يمكن تعويضها بسهولة.. وحتى إن لم يستطع المرء تعويض تلك الأشياء المادية؛ فهذا أيضاً أرحم بكثير من أن يكون الضياع لكرامة المرء وشرفه.
عزيزتي، الحياة ليست ساحة للنقاء والبراءة والثقة المطلقة بالآخرين الذين لا نعرف عنهم شيئاً، وليس للإنسان أن يثق بكل الناس بهذه البساطة؛ فالحذر مطلوب؛ وخاصة فيما يتعلق بالزواج؛ فالمطلوب قبل الثقة في العريس المتقدم إلى هذه الدرجة، السؤال عنه وعن أسرته سؤالاً جيداً في جميع الأشياء؛ حتى تتأكدي أنه شاب جيد وعلى خلق ودين؛ ولكن هذه دائماً حيلة النصّاب، ليس مثل السارق يسرق أي شيء ويهرب؛ ولكن النصّاب يختار الفريسة ويدبّر لها حتى تقع في شباكه، ثم -وبدون أي مجهود- تعطيه الفريسة كل ما يريد بنفسها.
ما ألاحظه يا عزيزتي على كثير من الفتيات -بل والفتية أيضاً- هو الشكوى الدائمة من إهمال الأهل لهم، وعدم أخذهم الحب والعطف والحنان، وهذا ما يبررون به لجوءهم إلى طرف يعتقدون دائماً أنه هو من سوف يعطيهم ما فقدوه داخل المنزل؛ ولكن دائماً يكون العكس صحيحاً؛ بأنهم لا يأخذون الحب والعطف والحنان من الشخص المرجو؛ وإنما تصِل بهم النهاية إلى فَقد ثقتهم في أنفسهم أيضاً، وهكذا تصبحين فاقدة للحب ممن حولك، وفاقدة للثقة في نفسك وفي الناس جميعاً.
عزيزتي إن لم تستطيعي أخذ الحب والاهتمام؛ فابدئي أنتِ وأعطِه لمن حولك، ووقتها تأكّدي أنك ستأخذين مثل ما أعطيتِ، أما عن موضوع كُرهك للارتباط وفَقدك الثقة فيمن حولك؛ فهي فترة مؤقتة وسوف تنتهي، إن شاء الله.
وهذا ردّ فعل طبيعي لشعور المرء بأنه قد خُدع؛ بل وخدع ممن اعتقد أنه أهل للثقة؛ لذا عليكِ أن تنسي تماماً فكرة الانتقام بشخصكِ، وتأكدي أن الانتقام سوف يعود عليك بالضرر مثلما يعود عليه وأكثر؛ فلا يجب أن تلوّثي يديكِ أو حتى عقلك بفكرة الانتقام؛ هذا لو استطعت تنفيذه؛ فلا تقعي في الفخ ثانية فتحاولي الانتقام منه؛ فتجدين ذاتك قد تورّطت في كارثة أكبر من السابقة.
وأخيراً -وهو الأهم- صارحي أهلك يا عزيزتي بكل شيء؛ حتى وإن قسوا عليك بعض الشيء؛ فتحمّلي الأمر بشجاعة لأنه خطؤك أولاً، ولأن الطريق لانتقامك الصحيح يبدأ من هنا.
فعندما يعلم أهلك، يمكنكِ الإبلاغ عنه بالنصب وسرقة منقولاتك المادية، وإن لم تستطيعي حتى إرجاع ما أُخذ؛ فأنت بهذا الشكل قد أوضحتِ له أنك لست سلبية ولا جبانة -وهو ما ظنّه ويعتمد عليه- وأنكِ يمكنكِ المواجهة.
وتأكّدي أنكِ سوف تعودين إلى نفسيتك الطبيعية والراحة التامة؛ بمجرد أن تعلم أسرتك؛ لأن ما يؤرقك حقاً هو أن أهلك لا يعلمون.. وأعطِي نفسك الوقت لتستعيدي الثقة بالناس؛ فكما يوجد في الحياة السيئ يوجد الخَيّر، وعلينا ألا نظلم الجميع بذنب فرد؛ فإذا كان هو نصاباً كنتِ أنتِ حسنة النية وغيرك كثيرون، ومن واجبنا أن نساهم في حمايتهم.
عليكِ فقط في المستقبل حُسن الاختيار وعدم الثقة بأحد؛ إلا بعد التأكّد من كونه أهلاً للثقة، وبعلم أسرتك.