خالقنا عرفناه بالعقل.. الدنيا تسير وفق قواعد، يحكمها نظام، أثبت العلماء أنه يتماشى مع العقل.. كل شيء موزون.. وبالعقل.. لكل قوة قوة مضادة؛ لإحداث التوازن في الكون.. وكله بالعقل.. خالقنا أمرنا أن نعدّ لأعدائنا ما استطعنا من قوة، ومن رباط الخيل.. وهذا لا يتأتى إلا بالعِلم، والتقدّم، والتطوّر.. والعقل.. سر خلف أي شيء في الكون، وستجد أنه ينتهي عند النقطة ذاتها.. العقل.. لهذا، فقد خاطب الله "سبحانه وتعالى" أولي الألباب.. أصحاب العقول.. قوم يعقلون.. ويتفكّرون.. ويتفقّهون.. ترى ماذا نستخلص مِن كل هذا؟! ماذا نتعلّم؟! المفترض أن نستخلص ونتعلّم، وندرك، ونستوعب، أن أقوى سلاح في الكون كله، هو العقل.. حقيقة علمية.. ودينية.. وفلسفية.. وحتمية.. فلماذا إذن، نجد دوماً، في كل زمان ومكان من يرفضها.. ويحاربها.. بل ويستميت في محاربتها.. ويصرّ على إنكارها.. واستنكارها.. ورفضها.. وتسفيهها.. بل والأخطر.. تكفيرها.. لماذا؟! الواقع أن المشكلة كلها تكمن في فشل نظام تربوي وتعليمي، وفي عصور طويلة من القهر والظلام والإظلام، كانت تخشى أن يدرك الناس أو يتعلّموا التفكير واستخدام العقل، فيدركوا أنهم يعيشون تحت مظلة قهر.. سنوات طويلة، وعصور عديدة، خشيت من العقل والفكر، فجاهدت لتمنع انطلاقهما ومعرفتهما.. ومن الواضح أنها قد نجحت.. جزئياً على الأقل.. منذ بدايات عهد "معاوية بن أبي سفيان"، بدأت اللعبة.. كان أوَّل مَن انتزع الخلافة بالقوة.. وأوَّل من حارب وآذى أهل البيت.. ولو فكّر الناس فيما فعله لبغضوه.. وعادوه.. وحاربوه.. وربما أسقطوه أيضاً.. لذا، كان أكبر همومه أن يمنع الناس من التفكير، وأن يضع حاجزاً، بينهم وبين عقولهم.. ولم يكن فقط يريد هذا.. وإنما يريده بسرعة.. وبأقصى سرعة.. لذا فقد لجأ إلى أخطر سلاح في كل العصور.. الدين.. ومن وضعهم فوق الرءوس، من رجال الدين.. وفي عصره، ظهرت موجة لم تظهر من قبله قط.. موجة تُحرّم التفكير.. وتجرّم العقل.. وتكفّر المجادلة.. لم تكن مهمته سهلة أو بسيطة؛ فوضع حجاب بين الإنسان وعقله، ليس بالأمر السهل البسيط.. ولكنه كان يُؤمن بسياسة مختلفة.. سياسة الإلحاح.. فكثرة الحديث عن أمر ما تجعله يقر في النفوس، فلا يعود هناك من يمكنه حتى التشكيك فيه.. أقنع الناس بحرمانية التفكير، وخالقه وخالق الكون العظيم أخبرهم أنه قد خاب من لا يتفكرون، وأمرهم أمراً بالتفكير في خلق الله وشئون الدنيا.. أقنعهم بخطأ العقل، وخالق الدنيا يُوجّه آياته إلى قوم يعقلون.. أقنعهم بكفرانية المجادلة، وربهم جلّ جلاله يأمر بأن نجادلهم بالتي هي أحسن.. في البداية، كان يبدو وكأنه حتماً سيخسر المعركة.. فالناس لن تتبع بشرياً، على حساب خالقها سبحانه وتعالى.. ولكنه أصرّ على نظريته.. الإلحاح.. والإلحاح.. ثم الإلحاح.. ومع الوقت، ومن كثرة ترديد ما أراده، ومن كثرة ما سمعته الآذان، ولأن معظم الناس لم يعتادوا تشغيل عقولهم، فقد نجح ما تصوّره معارضوه أمراً مستحيلاً.. نسي الناس كلمات ربهم، وتذكّروا كلماته.. ورددّوها.. وكرروها.. ونقلوها إلى أولادهم.. وأحفادهم.. ومع مرور الزمن، تصوّروا أنها حقائق لا تقبل الجدل، وأمور غير قابلة لأدنى نقاش.. لم يعد منهم من يجادل.. أو يُفكّر.. أو حتى يستخدم عقله.. وليت الأمر اقتصر على هذا، وإنما صار اللجوء إلى تلك الأمور الثلاثة، هو في نظرهم دليل فجور وعصيان.. وربما كفر أيضاً.. ولأن المقولات تؤكّد أن العُملة الرديئة هي التي تطرد العملة الجيدة دوماً من الأسواق، فقد تمركزت أخطاء عصر معاوية في الأذهان، وحجبت الحقيقة عن العقول، وأرست مبدءاً ما زال مستغلاً حتى يومنا هذا.. مبدأ الإلحاح.. والتكرار.. والإصرار.. وبتلك الأمور الثلاثة، نسوا الفكر، وخاب العقل، وتوقّفت المحاورات والمجادلات، وكلها أمور كانت سبباً في إيمان الناس، منذ فجر التاريخ.. صار مطلوباً منك أن تؤمن دون مناقشة.. وأن توافق دون مجادلة.. وأن تطيع دون تفكير.. وأقنعوك أن هذا دليل الإيمان، ونسوا أن يسألوا أنفسهم: وكيف يأتي الإيمان من البداية؟! هل ستطيع أوَّلاً ثم تؤمن؟! أم تؤمن ثم تطيع؟! وكيف يكون إيمانك صحيحاً، دون عقل أو منطق، أو جدل أو تفكير؟! كيف؟! لهذا حتماً حديث آخر،،،، اقرأ أيضاً خلينا نحسبها.. لماذا أَحَلنا عقولنا للمعاش المبكّر (1) حرب العقل.. (2)