ما رأيكم لو اجتمعنا كلنا على موقف غاضب واحد؟!... ما رأيكم لو أننا اتفقنا معاً على أن نغضب... ونغضب.... ونغضب... ثم تعالوا نعبر عن غضبنا، كل منا بأسلوبه... تعالوا نحوّل الغضب إلى طاقة مدمرة.... طاقة تتفجر في كل الاتجاهات... دعونا نحوّل الغضب إلى حاجبين معقودين.... وفم مزموم.... ونظرة نارية.... وصرامة في الملامح.... دعونا نفجره في مشاجرة في البيت، أو الشارع، أو المدرسة، أو الكلية، لأسباب لا تستحق هذا دعونا نفجره في معركة مع زميل عمل... أو شخص اعترض طريقنا... أو حتى في عابر سبيل.... دعونا نعيد تشكيل حالة الغضب، ونصيغها في تعبير سياسي، أو شكل ديني، أو حتى في مباراة لكرة القدم... دعونا نطلق العنان لمشاعرنا وغضبنا وانفعالاتنا.... وكل منا لديه حتماً سبب للغضب.... سبب اجتماعي.... أو اقتصادي.... أو سياسي.... أو حتى ديني..... دعونا نفجر الغضب، أياً كانت أسبابه، في كل ما يحيط بنا، وكل من يحيط بنا.... ثم دعونا بعدها نتوقف لحظات.... ونعيد الحسابات.... ونرى إلى ماذا أوصلنا هذا الغضب؟!... وهنا، ستكون المفاجأة في انتظارنا... وهي حتماً تكشفنا أمام أنفسنا، بعد فوات الأوان.... تكشف أننا قد ارتكبنا، خلال غضبنا، ما قد لا يكفي الزمن كله للتكفير عنه، من شدة مأساويته... لقد أطلقنا العنان لمشاعرنا وانفعالاتنا، ولم نعد من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والذين يفوزون برضاء الخالق عزَّ وجلَّ.... إننا حتى لم نعد حتى ممن يملكون جهاد النفس.... لقد أسأنا حتماً إلى آخرين... وآلمناهم... وربما أصبناهم.... أو حتى قتلناهم.... دون وجه حق... صرنا أفظاظاً غلاظ القلوب... لم نكن من أصحاب الحكمة والموعظة الحسنة... نعم غضبنا... وانفعلنا.... واسانا.... وأخطأنا.... وخسرنا... هذا فقط.... وأكرر فقط، ما يمكن أن نربحه من الغضب... ولو أننا نؤمن بالله سبحانه وتعالى، وبتوزيعه الأرزاق بالعدل والقسطاط، لما غضبنا إلى هذا الحد، أو لوجهنا غضبنا الوجهة الصحيحة، ولما أطلقناه عشوائياً.... والأهم، أننا لم نكن لننساق وراء من يدعوننا إلى الغضب... إنهم يتخذون أهدافاً نبيلة، لإزكاء نار الغضب في النفوس.... يتخذون أهدافاً سامية، كوسيلة لدفع الناس إلى كل ما يعارض ويخالف تلك الأهداف، من الألف إلى الياء.... ولأننا في أعماقنا لا نؤمن حقاً.... ولأننا نختزن داخلنا طاقة هائلة من الغضب.... ولأنهم منحونا -زيفاً- ما بدا وكأنه أسلوب مشروع؛ للتنفيس عن هذا الغضب، وعن الثورة الكامنة في كل خلية من خلايانا.... ولأنهم فعلوها بذكاء خبيث، يخفي نواياهم الحقيقية... تبعناهم... وصرنا نسير خلفهم كالقطيع.... قطيع مغمض العينين، أصم الأذنين، معقود اللسان.... سرنا خلفهم طائعين، مطيعين.... وأفرغنا فيما أشاروا إليه غضبنا.... وانطلقنا... لم نفكر.... أو نراجع..... أو نتروَّى... أو نحسب.... أو نهدأ.... فقط انطلقنا.... وانطلقنا.... وانطلقنا.... وهكذا، صرنا أشبه بأجساد آلية بلا عقول، تحركها محركات خارجية، تقودها إلى أهداف تخالف تماماً ما توحي به، وتوجهنا إلى عكس ما نتصور أننا نتجه إليه.... والسؤال الآن هو: هل هناك ما يدعونا فعلاً إلى هذه الثورة، وإلى الإساءة إلى كل من حولنا، كسيارة فقدت عجلة قيادتها، وصارت تنطلق وسط المارة بلا هدف؟!... وهل هناك فكرة محترمة، أو عقيدة صحيحة، يمكن أن تدفع الناس، أي ناس، إلى مثل هذه الهمجية العشوائية؟!... الجواب هو حتماً لا... وألف لا.... وألف ألف لا... لا يوجد اتجاه فكري واحد عبر التاريخ، نجح في الانتشار، وهو يدعو إلى الهمجية والعشوائية والثورة بلا حدود... حتى الثورات الكبرى كانت لها أهداف واضحة.... واتجاهات واضحة... ونقاط وصول محددة... وكلها توقفت، عندما بلغت أهدافها... وبالطبع كل عقيدة كانت أكبر... وأعظم.... وأقوى... كل عقيدة في الدنيا جاءت تدعو إلى الحب والرحمة وهدوء النفس... كل عقيدة -بلا استثناء- دعت إلى كل ما هو عظيم وجميل... كلها دعت إلى الدعوة إلى سبيل الله عزَّ وجلَّ بالحكمة والموعظة الحسنة، مع اختلاف النصوص.... كلها طلبت من الناس أن يكظموا الغيظ، ويعفوا عن الآخرين... كلها طلبت من كل من اتبعها ألا يكون فظاً غليظ القلب.... كلها طلبت منا، على اختلاف مفاهيمنا، أن نكون أمة واحدة.... وبعضنا آمن بالعقيدة، وبرب كل عقيدة... آمن... وأطاع.... ونفذ... أما البعض الآخر، والذي لم يكن أبداً من أولي الألباب؛ فقد سمع وتصور أنه آمن؛ ولكنه أبداً لم يطع.... لقد غضب... وعصى.... و... مازال للحديث بقية.