الأصل فى البلاد الحرة، هو تداول السلطة، والديكتاتورية تكمن فى أساسها، فى رفض فكرة تداول السلطة، لأنه ما أن يعتلى الديكتاتور مقعد السلطة، حتى يلتصق به، ويرفض وباستماتة أن يتخلى عنه، باعتبار أن شهوة السلطة تفوق أى شهوة أخرى فى الوجود، ببساطة لأنها تمنحك باقى الشهوات كلها، أيا كانت. ومن الطبيعى أن يوجِد الديكتاتور لنفسه، قبل مَن حوله، ألف مبرر ومبرر لديكتاتوريته، وفكرة بقائه فى السلطة. ولقد سأم الشعب فكرة البقاء الأبدى، وثار من أجل عصر جديد، يعتمد نظام الرياسة الرئيسى فيه على مبدأ تداول السلطة. تعالَ الآن نفترض أن السلفيين هم من اعتلوا السلطة، وصاروا يمتلكون كل السلطة، وهم يؤمنون تماما بأحقيتهم فيها، باعتبار أنهم وحدهم، دون سواهم، يقيمون شرع الخالق عز وجل فى الأرض، وأن غيرهم لن يقيمه، على الأقل كما يقيمونه، فهل تتوقع والحال هكذا، أن يتنازلوا يوما عن السلطة لنظام آخر يختاره الشعب، ويرون أنه لن يقيم شرع الله سبحانه وتعالى، من نفس المنظور، الذى يرونه به؟! اليوم، ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية، قد تسمع منهم رفضا لكلامى، وتأكيدا أنهم مستعدون تماما للتخلى عن السلطة لو أن الشعب اختار سواهم، ولكن اعقلها بالله عليك، كيف يمكن لمن يرى أنه منفذ شرع الله عز وجل فى الأرض، أن يتنازل عن السلطة والقوة، لمن يرى أنه، من منظوره، لن ينفذ شرع الله جل جلاله ؟! لحظتها، وبفرض أن الشعب قد خاض فى عهدهم انتخابات حرة، واختار غيرهم، فسيقنعهم أئمتهم بإعلان الجهاد، حتى لا يضيع شرع الخالق سبحانه وتعالى، وانس لحظتها الديمقراطية وتداول السلطة... هذا لا ينطبق بالطبع على غالبية الفئات السلفية، فمنهم فئات شديدة الاعتدال والتطور، ولكن من المؤسف أن الخطاب الدعائى، لا يتركز إلا على الفئات المتشددة المتعصبة منهم، وعلى الفتاوى التى تثير دهشة الإنسان العادى، والتى يستحيل أن تتفق مع زمن الثورة التكنولوجية الرقمية، التى نحن بعيدون عنها بآلاف الكيلومترات بالفعل، التى من دونها لن يمكننا أن ننفذ أمر الله عز وجل، بأن نعد لهم ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل. والمدنية الحديثة صارت أمرا يستحيل الرجوع فيه، إلى أى دولة تنشد التطوّر صناعيا لتتمكن من صنع سلاحها على الأقل، ولابتكار أسلحة جديدة تمنحها التفوق، أو على الأقل القدرة على أن ترهب عدو الله وعدوها، ومن المستحيل أن تنجح دولة فى هذا إذا ما عزلت نفسها عن باقى الدول، حتى ولو كانت دولة عظمى، وليست صغيرة نامية بالكاد مثلنا. وللحديث بقية