بعد مرور عدة شهور من التعتيم على قضية اعتقال صحفية إسرائيلية كشفت الاغتيالات التي نفّذها الجيش الإسرائيلي ضد فلسطينيين دون محاكمة، سمحت المحكمة الإسرائيلية يوم الخميس (8 إبريل) بنشر تفاصيل اعتقال الصحفية الإسرائيلية "عنات كام" بتهمة تعريض أمن إسرائيل للخطر ونشر تفاصيل قضايا أمنية خطيرة، إلى جانب حيازة ملفات سرّية تابعة للجيش الإسرائيلي؛ وفقاً لوكالة أنباء الشرق الأوسط. تفاصيل القضية تعود بداية قصة هذه القضية إلى سنة 2008، عندما وقعت بين يدي الصحفية الإسرائيلية "عنات كام" (23 عاماً) وثائق عسكرية سرّية تكشف أن عدة عمليات قتل لفلسطينيين تمّت من دون حاجة، بعضهم مطلوبون كان في الإمكان اعتقالهم، وبعضهم مواطنون عاديون أبرياء قُتلوا لوجودهم في مكان الاغتيال بالصدفة. وأوضح موقع "وللا" الإخباري الإسرائيلي -الذي تنتمي إليه الصحفية الإسرائيلية- أن الصحفية عمِدَت لسرقة وإخفاء ملفات أمنيّة هامّة وخطيرة للغاية أثناء شَغْلها منصب سكرتيرة قائد المنطقة الوسطى بالجيش الإسرائيلي "يائير نافيه" قبل نحو أربعة سنوات؛ إذ اكتشفت الصحفية من هذه الوثائق أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "غابي أشكنازي" وعدداً من مرءوسيه في قيادة الجيش يعرفون بهذه الجرائم وصادقوا عليها. وبعدها قدّمت الصحفية هذه الملفات الأمنية إلى الصحفي "يوري بلاو" الذي يعمل بصحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، والمعروف بجرأته في الكشف عن فساد المسئولين وعن جرائم الجيش ضد الفلسطينيين. جندي إسرائيلي يُطلق النار على فلسطيني هكذا تتصرّف "واحة الديمقراطية" بالشرق الأوسط! وأعدّ "بلاو" تحقيقاً مفصّلاً عن هذه القضية عام 2008، وسلّمه للرقابة العسكرية؛ فأجازت نشره؛ ولكن تبيّن بعد ذلك أن "أشكنازي" لم يكن راضياً عن النشر؛ لذا طلب من جهاز الأمن العام الإسرائيلي أن يفحص كيفية وصول تلك الوثائق إلى الصحفي، وبالفعل تمكّنت المخابرات من الوصول إلى الصحفية (مصدر الخبر) التي كانت في تلك الفترة مجنّدة، وأرسلت للعمل في مكتب قائد لواء المنطقة الوسطى. ثم تمّ اعتقال الصحفية سراً لثلاثة أسابيع، ومُنعت من الحديث مع أهلها، وبعدها أُخضعت للاعتقال المنزلي؛ رغم تصريح معظم الساسة في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة التي تشارك الغرب قيم الثقافة والحضارة في منطقة الشرق الأوسط، والاعتقاد بأن إسرائيل هي "واحة الديمقراطية الوحيدة" في صحراء الاستبداد مترامية الأطراف. أما "بلاو" فتعرّض للتهديدات بالقتل برغم سفره إلى بريطانيا؛ حسبما ذكرت جريدة الشرق الأوسط. ويقيم "بلاو" في بريطانيا منذ عدة أشهر، تفاوض خلالها مع جهاز الأمن العام الإسرائيلي، ومع النيابة العامة؛ من أجل إعادة المستندات التي بحوزته. وحسب ادعاء جهاز الأمن العام الإسرائيلي؛ فقد تمّ التوصل إلى صيغة تفاهم؛ حتى أن "بلاو" قام بتسليم جهاز الكمبيوتر الخاص به لإتلافه؛ لكنه لم يقم بتسليم كل المستندات التي حصل عليها من "كام"؛ وفقاً لموقع العربية نت. "بلاو" تعرّض للتهديدات بالقتل برغم سفره إلى بريطانيا الوضع ليس سهلاً مع بريطانيا وتُرجّح جهات إسرائيلية أن إعادة الصحفي لن تكون سهلة؛ خصوصاً في ظل أزمة العلاقات مع بريطانيا، التي وصلت إلى حد طرد بريطانيا دبلوماسياً إسرائيلياً في الآونة الأخيرة، بعد قضية الجوازات المزوّرة التي استخدمها إسرائيليون لدخول دبي وقتل القيادي في "حماس" محمود المبحوح. وذكرت صحيفة "يدعوت أحرونوت" الإسرائيلية عبر موقعها الإلكتروني، أن النيابة الإسرائيلية امتنعت عن الإفصاح عن الخطوات التي تنوي اتخاذها من أجل إعادة الصحفي إلى إسرائيل للتحقيق معه؛ لكن الأمور قد تصل إلى حد مطالبة بريطانيا بتسليمه لها. "صهيونية.. صاحبة ضمير" وأوضح ممثّل عن الصحفية الإسرائيلية -امتنع عن ذكر اسمه- أن سلطات الأمن كانت تسعى إلى رسم صورة عن "كام" على أنها "عدوّ الشعب"؛ حسبما ذكر موقع ال"BBC" الإلكتروني. وأضاف ممثل "كام" أنها تصرّفت كما يجب أن تتصرّف مثل أي "صهيونية، صاحبة ضمير" وليس كما كان يصوّر على أنها ناشطة يسارية. تضامن إسرائيلي مع الصحفيين ورغم التُهم الموجهة للصحفيين؛ إلا أن هناك الكثير ممن تضامنوا معهما؛ حيث كتبت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية افتتاحية، يوم الجمعة الماضي، اتهمت فيها المخابرات بالمساس بحرية الصحافة، وقالت: إن هناك محاولات لإضاعة القضية الأساسية التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي بواسطة مطاردة الصحافيين: "فالقضية الحقيقية ليست في تسليم وثائق سرّيّة لمراسل هآرتس؛ بل بجريمة جهاز الأمن وقيادة المنطقة الوسطى في الجيش بشكل خاص، اللذين تجاهلا تعليمات محكمة العدل الإسرائيلية العليا، التي قضت في عام 2006 بأن تبذل الجهود للعمل على اعتقال المسلّحين وليس قتلهم، وصادقا على تصفية مطلوبين؛ حتى عندما كان ممكناً اعتقالهم، وأعطيا إذناً مُسبقاً لقتل أبرياء في إطار تصفية مطلوبين". وأضافت الصحيفة العبرية أن "هذه هي القضية الحقيقية التي ينبغي التحقيق فيها، قضية أبطالها ليس من بينهم "بلاو"، الذي قام بعمل ممتاز حين كشف للجمهور أمراض الجهاز؛ بل أولئك القادة الكبار الذين قرروا أن يركلوا تعليمات محكمة العدل العليا"، كما حذّرت هاآرتس من محاولة المخابرات التَسَتّر على القضية الأساسية. "كام" تمكّنت من "فضح" انتهاكات الجيش الإسرائيلي الوثائق تضمّنت خططاً تفصيلية لعمليّات عسكرية ومن جانبها صرّحت وزارة العدل الإسرائيلية أن القضية تعتبر "خطيرة على نحو استثنائي، وأن الوثائق تضمّنت خططاً تفصيلية لعمليات عسكرية، ووصفاً لعمليات انتشار قوات الجيش خلال الفترات العادية والأخرى الطارئة، وأن المتهمة ربما سلّمت جزءاً منها إلى الصحفي يوري بلاو". فيما برّرت وزارة العدل الإسرائيلية أن أوامر الحظر الإعلامي، التي وجدت انتقادات واسعة داخل إسرائيل، وضعت من أجل استنفاد كافة الاحتمالات لاسترجاع الوثائق المسروقة، واستبعاد أي عراقيل قد تواجه التحقيق. تمكّنت هذه الصحفية من "فضح" انتهاكات الجيش الإسرائيلي، رغم أنها تثبت ما هو معروف، وهو أن الدولة العبرية معتادة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وانتهاك القوانين والمواثيق الدولية.