السلام عليكم.. أولاً شكراً على الباب الجميل ده.. ثانياً أحب أعرض مشكلتي بإيجاز على قدر المستطاع.. أنا شاب أبلغ من العمر 22 عاماً، مازلت طالباً جامعياً، مشكلتي مع نفسي ومع والدي.. أبدأ بمشكلتي مع والدي؛ ليس لأنها مشكلتي الأساسية؛ ولكنها أكبرهم.. والدي مسافر بالخارج، هذا الوضع منذ أن كان عمري 3 سنوات، كانت إجازاته 4 أو 5 شهور كل 4 أو 5 سنين، من وأنا عمري 8 سنين وأنا أعلم أنه متزوج من أخرى، وكلنا في المنزل نعرف هذا لأنه أخبرنا بمجرد إتمام زواجه.. قَبِلنا بالأمر؛ لكي تسير السفينة؛ فهي ليست نهاية المطاف على أي حال كانت زيارات أبي لنا تقريباً كل خمس سنوات؛ معنى ذلك أنه كان يأتي ليراني من مرحلة لمرحلة؛ ولكنه لا يواكب تغيّرات كل مرحلة؛ ولذا افتقدنا التناغم، وهكذا الحال بالنسبة لي ولإخوتي؛ وأنا أصغرهم. كانت المشاكل بقدر ما هي مشاكل؛ كنا -والحمد لله- بنقدر نتعامل معها ونفوّت الأمور على خير والحمد لله، إحنا والدتي لم تقصر في تربية أي منا؛ فكنا نعامله في الله لأن التناغم والود قد غابا، ووالدتي ليست مطلقة. دارت الأيام وظل الوضع على ما هو عليه، هو مسئول عنا وعن مصاريفنا، ووالدتي عاملة وتساهم بالجزء الأكبر في البيت، والحمد لله إحنا مستوانا متوسط؛ المهم بدأ ظهور المشاكل الحقيقية عندما أعلن أخي أنه يريد الزواج من فتاة يعرفها؛ ولكن أبي لم يرضَ بهذا الوضع، وأصرّ على فتاة أخرى ولم يتفق الطرفان.. كل أقاربي كانوا في صف أخي؛ وذلك لأن مبررات والدي لم تكن قوية لعدم إتمام الزواج، وتخلى أبي عن أخي في إيجاد فرصة عمل؛ فما كان من أخي إلا أن ذهب وأتمّ الخطوبة معلماً أهلها بكافة التفاصيل، ولماذا هو هنا بدون والده؛ فقاطعه والدي لدرجة أنه كان يرفض حتى الحديث عنه؛ معتبراً إياه ميتاً. المهم شَعَر والدي بالفجوة بيننا وبينه، وشعر أنه لم يعاصرنا ولم نعاصره، وأن المودة غائبة. ولظروف صحيّة من زوجته الأخرى -فهي لا تستطيع الإنجاب- شعر أنه لابد وأن ينجب؛ فافتعل معها مشاكل وطلّقها، وتزوج من اثنتين، ورغم هذا لم أصرّح له لا أنا ولا أحد من إخوتي بجفائه إلى أن جاء وقطع كل الحبال بيننا عندما قرر مقاطعة كل من يذهب فرح أخي، وخيّرني بينه وبين أخي... القرار في حد ذاته بالنسبه لي لم يكن صعباً؛ لكن الصعوبة كانت في تبعاته؛ فذهبت إلى الفرح وقاطعني أبي عن اقتناع تام بعصياني له، كما قاطع كل بيتنا. ولا أعلم كيف أتعامل معه بعد ذلك. أما بخصوص مشكلة نفسي؛ فأنا -والحمد لله- أتمتع بذكاء جيد، وكنت من المتفوقين دراسياً في بداية دراستي إلى مرحلة 3 ثانوي بالتحديد؛ ولكني في فترة المراهقة كنت أعيش هذا المناخ؛ فتركت نفسي أحطم أحلامي باستهتاري بسبب مشكلة أبي. أعلم أن المبررات ليست كافية وأنا معترف بخطئي بنسبة 100%؛ حيث دخلت كلية غير التي كنت أرغب فيها، وابتعدت عن الله وعن الصلاة؛ ولكنني لا يمرّ عليّ يوم دون أن أتذكر أنني بعيد عن كل هذا، وتمنيت اتخاذ خطوة إيجابية؛ ولكنني للأسف أفشل لأنني أشعر بضعف عزيمتي.. أنا رسبت سنتين في الكلية بتقصير كامل مني، والآن أنا أندم عليهم، ولا أشعر بابتسامة المستقبل لي؛ ولكني أحياناً أقول لنفسي: يجب أن أتحدى كل الظروف، لن أكون مثل أبي، لن أهمل في حق زوجتي، لن أبتعد عن أبنائي.. سأنجح حتى وأنا بعيد عنه تماماً؛ ولكن سرعان ما يتبخر هذا؛ وكأنها انتفاضة أخيرة... لا أعلم من أين أبدأ ولا أين أنتهي.. أفيدوني أفادكم الله. automatically ولدي الحبيب: غياب والدك كان غياباً لاحتياجات كثيرة لديك تحتاج لإشباع؛ فتحمل معي حقيقة احتياجك؛ لأنه سيساعدك كثيراً على محاولات التخلص من مشاعر الحرمان المؤلمة؛ فالأب وجوده يجعل الابن في حالة توازن؛ حيث إن الابن في بداية عمره يكون من الطبيعي ملتصقاً بالأم؛ ولكن في مرحلة ما بعد الثلاث سنوات أو قبلها قليلاً يحتاج بقوة لوجود نموذج للرجولة يتمثل في الأب؛ حتى يتشرب منه صفات الرجولة وتحمل مسئولياتها بشكل تدريجي. ويحتاج الابن بمرور الوقت في مراحل نموّه أن يشعر بالحب والتقبل من أبيه تحديداً؛ لأنه مؤشر هام جداً له بأنه يسير في طريق الرجولة الصحيح بما تحمله من تحمل المسئوليات والتعامل مع الأزمات واتخاذ القرارات وتقوية البنية الجسدية والاختيارات المصيرية وغيره الكثير؛ فيكتسب الثقة في نفسه وفي رجولته. وغيابه كذلك يجعل مشاعر افتقاد الأمان عالية؛ لأن الأم التي يسافر زوجها -شئنا أم أبينا- تشعر بالضعف والخوف من مواجهة الحياة وحيدة بلا رجل؛ حتى ولو كان يرسل لها آلاف النقود؛ فمرض طفل فجأة في منتصف الليل، أو قرار بدخول مدرسة معينة، أو ما يتعلق بعالم الرجال؛ بدءاً من الحديث عن مرحلة البلوغ والمراهقة ومروراً بمناقشة التكتيكات والتوجيه في التعامل مع مشكلات المراهقين الشباب وانتهاءً بتشكيل ملامح شخصية الابن؛ كلها مناطق رعب مرّت بها والدتك، وبالطبع انتقلت لك دون وعي منها أو منك. حتى التواصل مع الأقارب في غيابه ومقارنة من لديهم أب يعيش معهم يسبب الكثير من المشكلات النفسية التي ظهرت آثارها بوضوح لديك، وكذلك إخوتك دون شك، والآن دعنا نتحدث حديث العقل؛ لأننا لا نملك غيره الآن، وسأجعله في شكل نقاط: - حين يفوتنا في رحلة التربية ما يؤهلنا لمعرفة أنفسنا ومواجهة تحديات الحياة، لا يجوز أن نقصّر في واجبنا نحن تجاه أنفسنا لنقترب منها ونهدهدها ونهذّبها؛ فنحن نُعلّم ونربي أنفسنا، ونبذل في ذلك جهداً ووقتاً وألماً؛ لكننا نتناغم بعد ذلك مع أنفسنا ومع من حولنا. - والدك مثل الكثير من الآباء الذين فهموا أن توفير المال هو أهم متطلبات الحياة الزوجية والأبوة؛ فلم يجد هو أيضاً من يعلّمه ما هو الزواج وما هي الأبوة، وعلى الرغم من ذلك؛ فهو"مسكين"، نعم يا ولدي مسكين يحتاج الآن للشعور بأهميته وبأبوّته بعد أن اكتشف حقيقة الجفاء بينه وبين أولاده، وعدم معرفته لهم، وقدرتهم على التخلي عن وجوده. فعليك أن تخاطب جزء الأبوة -الذي يحتاجه هو وتحتاجه أنت في نفس الوقت- بتكرار الاتصال به وإلحاحك على احتياجك لوجوده، وأنك لم تتمكن من كسر قلب أخيك؛ فيكون وحيداً بلا أب ولا أخ في يوم تحقيق حلمه، وأن يضع لك العذر ولأخيك دون تأنيب ودون اتهامات؛ ولكن برفق وحنان وصبر وتكرار؛ حتى ولو كان قاسياً. ولا مانع من أن تطلب التدخل من شخص حكيم يحبه ويحترمه من العائلة أو خارجها، واعلم أن ذلك يتطلب منك جهداً نفسياً؛ ولكن عزاءك أنك تفهم الوضع أكثر منه، وأن محاولة القرب منه هي في الحقيقة محاولة لتضميد جرحك أنت من الأيام، ومن تقصير فهمه لحقيقة الأبوة، وحين يجدك مثابراً على طلب رضاه وجدّية احتياجك لأبوّته؛ ستجد الأمر قد اختلف تماماً بعد حين، ولا تنتظر أن تقوموا جميعكم بتلك الخطوة؛ ولكن ابدأ أنت وتحدّث بالنيابة عن الجميع، وسيتحسن الوضع، وسيرضى أبوك عن أخيك بعد حين؛ شرط أن يتم التعامل كما قلنا. - حين نتورط في دراسة لا نرغب فيها؛ علينا أن نحوم حولها حتى لا نظل في حالة يأس مستمر؛ فلماذا لا تقوم بأنشطة داخل كلّيّتك ليخفّ ثقل دمها لديك؟ لماذا لا تجعل مذاكرتك وسط زملاء؛ حتى لا تكون وحيداً مع كتاب تكرهه؟ لماذا لا تربط الدراسة التي تكرهها بهدفك الأكبر، الذي يجب تحقيقه وهو"الشعور بالإنجاز"؟ وتأكّد أنك كلما تمكّنت من تحقيق إنجاز مع أبيك ستحقق إنجازاً مع نفسك، وستجد حينها أن الدراسة وسيلة لهدف لا أكثر؛ فتعمل تحت شعار "إن لم تعمل ما تحب فأحب ما تعمل"؛ فلا تختبئ من مواجهة مشكلاتك بعدم التعرّف عليها، أو بعدم حلّها، أو بالدخول في دائرة الاكتئاب؛ فلا تحقّق سوى المزيد من الإحباط ولوم النفس؛ فانفض عن نفسك غبار الماضي بمعالجته رويداً رويداً؛ حتى تفتح لنفسك نافذة للنجاة.