وصلتني رسالة من صفاء- 62 سنة- تخرجت في معهد الخدمة الاجتماعية.. هي كبري إخوتها الأربعة.. والأب عامل في مخبز، والأم متوفاة.. تعلق صفاء علي موضوع "الباحثات عن الرزق الشريف لا البرستيج".. الذي نُشر العدد الماضي في جلسة مغلقة.. والذي ناقشنا فيه ضرورة أن تعمل الفتاة الباحثة عن الرزق بالعمل المناسب المتاح لها.. ولا تنتظر المهنة التي توفر لها "البرستيج والمظاهر" وتعرضنا لقصص فتيات محتاجات ويعانين الفقر.. ومع ذلك يرفضن العمل لبساطته أو لاسمه أو لأنه "مش قيمة".. رغم أن كل عمل شريف هو قيمة كبيرة. تقول صفاء: "أخي الذي يصغرني بأربعة أعوام هو سبب مشكلتي في الحياة فهو ينطبق عليه المثل "لا يرحم ولا يسيب رحمة ربنا تنزل"!! نحن أسرة بسيطة ولي أخ وأخت توأم في المرحلة الإعدادية، وأخي الأوسط يعمل في تركيب وتصليح الدش.. وأنا الأخت الكبري وأقوم بدور الأم- رحمها الله- ولقد وهبني الله بموهبة "التجميل".. ببساطة أعرف أعمل تسريحات شعر ووضع الماكياج وكذلك لف إيشاربات الحجاب. واكتشفت هذه الموهبة مع جاراتي وقريباتي.. واقترحت علي جارتي أن أعمل في محل كوافير أو أعمل بشكل فردي، أي بالطلب، عندما تطلبني فتاة لتزيينها يوم زفافها، أو أضع الماكياج لبنات "رايحين فرح" بحيث تساعدني وتعرفني بقريباتها وصديقاتها ومعارفها اللاتي تثق بهن. ووجدتها فكرة رائعة وستكون مربحة وتساعد في مصروفات المنزل، ووجدت العمل الحر أفضل من العمل في محل كوافير يتطلب غيابي عن البيت طوال اليوم. اقترحت الفكرة علي والدي فوافق بل كان مرحباً ودعا الله أن يوسع في رزقي، ولكن أخي اعترض بشدة وأشعل خناقة كبيرة وأقسم بالله أنه سيترك المنزل ولن نعرف له طريقا لو قمت بهذا العمل الذي وصفه بالخلاعة والانحلال.. وألفاظ أخري جارحة. والمشكلة أن والدي تراجع عن موافقته.. وقال لي: "اعملي اللي أخوك يقولك عليه"!! ماذا أفعل؟! أنا لا أخجل من العمل، وسعيدة بموهبتي وأريد أن أمارسها خاصة أنها ستكون مربحة وستساعدني علي الأقل في تجهيز نفسي إذا تقدم لي أحد.. ثم إنني غاضبة من أخي، فأنا الأخت الكبري.. وفجأة يعاملني هو ووالدي علي أنني قاصر.. فماذا أفعل؟! بمنتهي الحسم والصدق أقول لكِ يا صفاء: "يبدو أن أخاك من النوع المتسلط الذي يريد أن يفرض سيطرة لمجرد أنه "ذكر" ولأنه يريد أن يمارس رجولته عليك.. والتي لا أراها "رجولة" علي الإطلاق.. لأن الرجولة هي أنه يشجعك علي كسب الرزق بالحلال، وإن كان خائفاً عليك، فالموقف الرجولي الصحيح هو أنه يرافقك في مهام عملك إذا أراد حمايتك خاصة أنك لن تذهبي إلي أي "زبونة" غير معروفة بالنسبة لكِ.. ولكن وصفه لهذا النوع من العمل بالانحلال شيء غريب وغير مقبول، وبما أنك متعلمة وهو متعلم.. فالحوار بينكما قد يفيد.. فأنصحك بالخطوة الأولي وهي اتباع الحسني حفاظاً علي الرابط الأخوي بينكما.. ناقشيه وتحدثي معه بالمنطق واطلبي منه أن يخبرك بأسباب رفضه، وإذا كان الرفض بسبب مخاوفه اقترحي عليه الذهاب معكِ والانتظار بالخارج حتي تنتهي من تزيين الفتاة.. وإن لم تشعري أن أسباب رفضه منطقية فقط لأنه يريد فرض سيطرته عليك، فلا تقبلي بهذا الوضع وعليك أن تحسمي الأمر مع والدك، لأن أخاكِ لا يحترمك ولا يحترم والده، ويبدو أنه شخص مدلل خاصة أن والدك خضع لتهديده بترك المنزل، وتراجع عن موافقته لكِ بالعمل، لهذا أصري علي موقفك وعلي عملك الشريف.. ولكن احرصي أن يكون والدك علي علم بكل تحركاتك ولا تذهبي لأي مكان دون علمه، ويفضل دائماً أن تختاري زبائنك بشكل جيد.. فإذا كنت واثقة من نفسك ومن رغبتك في كسب الرزق الحلال وواثقة من أنك ستحمين ذاتك.. توكلي علي الله.. واعملي ولكن الأمر يتطلب بعض الذكاء والمجهود لإقناع أخيك.. ولكن إذا تمسك بأنانيته.. فهذا أمر غير مقبول.. ولعلك تدركين وتفهمين أن رأيي هذا ليس لعمل خلاف بينك وبين أخيك ولكن هذا لمصلحة أخيك أيضاً لأن الرضوخ له يعني إفساده وتشجعيه علي التسلط والتحكم في مصائر الآخرين، واتخاذ قرارات عنهم والتحكم في أرزاقهم بدون سبب منطقي واحد.. وليعلم أنك فتاة مسئولة وأخت تكبره وليس من اللائق أن يضرب بكم جميعاً عرض الحائط.. ولا يفكر سوي أن يريد أن يكون سي السيد ويقول له الجميع بما فيه والدك "سمعاً وطاعة".. فلا يصح إلا الصحيح.