فإن هذا لا ينفي وجود حالة من الاحتقان وتنامي متزايد للتعصب والطائفية في كلا المعسكرين الإسلامي والقبطي ساهم في ذلك حالة الجمود وعدم التطور التي يمر بها الخطاب الديني سواء الصادر عن المنبر الأزهري أو المهيمن عليه الكرسي البابوي. وفي الوقت ذاته أشار عدد غير قليل من علماء الدين بأصابع الاتهام في تأجيج الفتنة الطائفية إلي بعض الفضائيات الدينية سواء التي تكفر الأقباط وتتهمهم بعبادة الصليب أو التي تشكك في القرآن الكريم والأحاديث النبوية ولا تعترف بنبوة سيد الخلق وخاتم المرسلين. يقول د. جعفر عبد السلام أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية: إن أحداث الفتنة الطائفية التي تندلع من حين لآخر تؤكد أن الخطاب الديني سواء الإسلامي أو المسيحي لم يتطورا حيث مازال بعض الدعاة يركزون علي موضوعات هامشية مثل النقاب والختان أما القضايا الأساسية فتم إغفالها وتحمل المؤسسة الدينية مسئولية ما يحدث.. مؤكدا أن المواطنة لا يمكن غرسها في نفوس المصريين بموجب دستور أو تشريع وإنما لابد من غرس ثقافة مجتمعية لا تفرق بين مسلم أو مسيحي في الحقوق والواجبات.. لافتا إلي أن أسلوب المسكنات لا يحل مشاكل الفتنة ولا حالة الاحتقان وإنما يزيد من استمرارها. وعاب الشيخ فرحات المنجي أحد علماء الأزهر علي بعض رجال الدين المسيحي والإسلامي جهلهم بأمور الدين وتشددهم في أفكارهم وبث أفكار مسمومة ضد الطرف الآخر بدعوي أنها تعاليم دينية.. لافتا إلي أن بعض القنوات الخليجية تقوم ببث أفكار مغلوطة تشوه صورة الأقباط وتتهمهم بأنهم كفرة وعبدة الصليب وعلي الجانب الآخر قنوات مسيحية تبث ليل نهار اتهامات ضد الإسلام وتشكك في القرآن الكريم وتعتبر أن الأحاديث النبوية فيها أخطاء كثيرة لا يصح الأخذ بها ودعا إلي ضرورة إصدار ميثاق شرف بين وسائل الإعلام يحث علي الالتزام به حتي لاتكون مثار فتنة بين أبناء الشعب الواحد.. مشيرا إلي أهمية عقد اجتماع موسع بين رجال الكنيسة وقيادات الأزهر والأوقاف وبعض أنصار السنة للوقوف علي أساليب معالجة تلك الأزمات وأن يكون اجتماعاً يتسم بالشفافية والمودة والرغبة في مصالحة الآخر. فيما يري الشيخ يوسف البدري أن الأقباط والمسلمين عاشوا في مصر منذ قرون طويلة جنبا إلي جنب وكان الأقباط يمثلون معظم سكان البلاد إلي أن دخل الإسلام مصر وهذا يدل علي أن الأصل واحد. وأرجع البدري جذور الفتنة إلي أقباط المهجر فيري أن بعض الأقباط لما ذهبوا إلي أمريكا حاولوا بدسائس استعمارية جعل الصعيد مملكة قبطية مؤكدا أن أقباط المهجر يتحايلون علي الأمور ويتحرشون بالأقباط في مصر بدفعهم إلي مواجهة المسلمين وتساءل كيف يقوم أحد أقباط المهجر وهو مايكل منير بالدعوة إلي شطب اسم مصر من الأممالمتحدة ؟! فكيف يعقل هذا ؟! علاوة علي أن هناك أسبابا تعرفها الدولة ولا تقوم بالإعلان عنها بسبب بعض الحسابات الخاصة بها ومتعجبا كيف تكون هناك أي عداءات ضد الأقباط في مصر؟! فكيف ننسي أن الرسول صلي الله عليه وسلم تزوج مارية القبطية وأوصي بأقباط مصر ويقول مرحبا بكم نحن حماة البلد وأنتم سادتها ؟ أما عن علاج تلك المشكلة فقد طالب بضرورة تعديل بعض القوانين التي يشكو منها بعض الأقباط مثل إنشاء الكنائس إلي جانب محاولة ايجاد مراكز مشتركة تضم رجال دين مسلمين ومسيحيين في كل مركز أو محافظة تحاول أن تتعامل مع أي مشكلة من بدايتها وتقوم بالتهدئة وأن تقوم وسائل الإعلام بتقديم برامج ونشر مقالات تعبر عن التسامح والمواطنة ومحاولة تضميد الجروح ونشر ثقافة التسامح والإيخاء الإنساني بين الناس وعلي الأقباط أن يتفهموا حقيقة الأمر ويكونوا أكثر ثباتا وعلي رجال الدين الأقباط وعلماء الدين المسلمين أن يجتمعوا كل شهر ويصدروا بيانا لتهدئة أي أمور قد تحدث. ويؤكد د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية أن ما يحدث بين المسلمين والمسيحيين من أحداث وآخرها أزمة نجع حمادي ليست فتنة وإنما احتقان هذا الاحتقان أسبابه مشتركة بين المسلمين والمسيحيين فلا يحمل أي طرف المسئولية كاملة وإنما كلاهما يحمل وزر هذا الاحتقان من مفاهيم مغلوطة تنسب إلي الإسلام والمسيحية من بعض المتعصبين المتشددين فحينما يطل علي الناس من الفضائيات المنسوبة إلي الدين بعض الدعاة للافتاء بأن تهنئة المسلم للمسيحي حرام وأن التعامل معهم حرام واصدار تفسيرات وتأويلات مغلوطة عن بعض النصوص الدينية وترويج أحاديث موضوعة ومغلوطة علي خلاف الواقع والحقيقة. أما عن علاج تلك المشكلة فشدد كريمة علي أهمية القضاء علي منابع المفاهيم المغلوطة من القنوات الفضائية الدينية للمسلمين والمسيحيين ومراجعة أعمال الجمعيات الأهلية لكلا الطرفين وإنزال العقوبات الرادعة لكل من يحاول اشعال نيران الفتنة والكف عن الخضوع والخنوع الذي يمارس من بعض الرموز هنا وهناك وإنشاء مركز حكماء في كل قسم شرطة أو وحدة محلية يضم دعاة الوسطية من الجانبين مع مستشار قانوني لتدراك أية مشكلة طارئة في بدايتها. أما جمال قطب رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر فيري أن حل المشكلة يحتاج إلي صدور قوانين موحدة للشئون الدينية توضح الحقوق وواجبات المسلمين والمسيحيين وضرورة استصدار قانون دور العبادة الموحدة .. مشيرا إلي أن هذه القوانين تجفف منابع الفتنة الطائفية. بينما قالت د. سعاد صالح عميد كلية الشريعة والقانون الأسب: إن الفتنة لها جذور عميقة نشأت منذ أن سمح الرئيس السادات بظهور الجماعات الإسلامية ، وكانوا متأثرين بفكر مستورد من الخارج يكفر كل ما هو غير مسلم وقاموا بعمليات إرهابية وقتل وإعتداء علي أموال غير المسلمين ، وتم اشعال الموضوع عن طريق أقباط المهجر وجمعيات حقوق الإنسان ولم تدر الأزمة حتي الآن إدارة حقيقية واكتفي بعلاج القشور وذلك بعقد اجتماع يلتقي فيه أحد رجال الدين الإسلامي والمسيحي يعانق كل منهما الآخر ويجلسون بجوار بعضهما أمام وسائل الإعلام علاوة علي أن برامج التوك شو ساهمت في تأجيج نيران الاحتقان. أما الداعية صفوت حجازي فقد حدد أسباب الفتنة في عدة نقاط أولها الإعلام ويشمل الصحافة والقنوات التليفزيونية وما تحويه من برامج غير مسئولة فيأخذ كل منها إحدي القضايا مثل برامج التوك شو تأخذ حدثا صغيرا وتعتبره حدثا قوميا وبعض القنوات الفضائية وما تقدمه من مواد إعلامية تحث علي الفتنة أما ثاني تلك الأسباب فيمثل في الدولة وأداء الحكومة التي جعلت من الشعب أداة للمعاناة إلي جانب عدم الاهتمام بالصعيد وعدم الاهتمام بالتنمية في هذا القطاع بالمقارنة بما تفعله الحكومة في مناطق أخري مثل القاهرة والدلتا. مطالبا بضرورة أن تكون هناك رقابة علي الإعلام لمنع بث موضوعات تؤدي إلي تشنجات وحساسية بين الطرفين وعلي مشايخ الإسلام والقساوسة أن يراعوا كل ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال وقد قال صلي الله عليه وسلم: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، فيجب تطوير الخطاب الديني وأن يتقي الله هؤلاء القائمون علي أمر الفضائيات في كلا الجانبين، وأن تهتم الدولة أكثر بالصعيد حيث ثبت من كل الأحداث السابقة أن فتيل الأزمة تنطلق شرارته غالباً من الصعيد حيث العصبية القبلية البعيدة تماماً عن أي دين.