دفعت ضبابية المشهد السياسي الذي يعيشه المصريون نتيجة الأحداث والصراعات السياسية الساخنة التى تشهدها الساحة، إلى حدوث ارتباكًا سياسيًا في الكثير من القطاعات الاقتصادية وخسرت البورصة ما يقرب من 40 مليار جنيه من قيمتها السوقية، فضلًا على أن القطاع المصرفي منح قروضًا قصيرة الأجل، وفضل الابتعاد نسبيًا عن نظيرتها الطويلة، وذلك لعدة أسباب، أهمها ارتفاع مخاطر القروض الطويلة، وضرورة دراستها بشكل مستفيض، بالإضافة إلى احتمال سن قوانين جديدة خلال فترة التمويل تحد من قدرة الشركات والأفراد على السداد، ذلك يسهم فى فهم وتحليل البيانات التي من شأنها اتخاذ القرار الائتماني السليم، وذلك ما أكده عدد من المصرفيين. ويرى فريق آخر أن نوع التمويل لا تحدده البنوك وإنما طلب الشركات الذي يختلف تبعًا لحاجتها، ففي حال تمويل دعم المبيعات وزيادتها فإنها تلجأ إلى القروض القصيرة، أما الطويلة فتطلبها عند الرغبة في التوسعات الإنتاجية، لذا فلا يقع العبء على المصارف في منح التمويل الطويل أو القصير. وقال عادل قابيل مدير عام إدارة المراجعة والتدقيق بالبنك العربي الأفريقي الدولي: إن الارتباك السياسي الداخلي في مصر كان أحد أهم العوامل التي دفعت المصارف لتجنب الموافقة على التمويل طويل الأجل، موضحاً أنه من الضرورى على البنوك التأكد من مصادر سداد القرض وتوقيت بدء المؤسسة أو المصنع في العمل وتسويق المبيعات لتمكينهم من السداد، كما أن طبيعة اتجاهات الحكومة تلعب دورًا مهمًا في تحليل البيانات، خاصةً أن الفترة الراهنة تجعل البنوك غير قادرة على معرفة الإطار الاقتصادي التي ستنتهجه الحكومة في المستقبل، متوقعًا أن تتركز التمويلات الطويلة خلال الفترة المقبلة على مشروعات البنية التحتية والبتروكيماويات. وأكد أن فكر البنوك العامة لا يختلف كثيرًا عن الخاصة والأجنبية، إلا أنها قد تكون الأقرب في منح التمويل الطويل في حال أصبح ذلك توجهًا من الدولة من خلال تحفيزها بضمانات إضافية أو ضخ ودائع تمكنها من التوسع في هذه القروض. ولفت إلى أن المنافسة الشديدة لجذب مزيد من السيولة من خلال رفع العائد على الودائع والشهادات الادخارية أدت إلى توافر نسبة عالية من الأموال لدى البنوك في ظل انخفاض الطلب من الشركات مما دفعها لاختيار مصدر تمويل مناسب والذي يتضح في الأذون والسندات. بينما يرى أشرف عبد الغني مدير منطقة الائتمان بالبنك الوطني المصري، أن البنوك بصفة عامة تفضل منح القروض القصيرة؛ نظرًا لعدة عوامل أهمها أن نظيرتها الطويلة تعتبر مرتفعة المخاطر، مما يسلتزم ضرورة دراستها بصورة مستفيضة للتأكد من جدوى المشروع وقوة المركز المالي للشركة. وقال: إن البنوك في الظروف العادية لا تتوقع استقرار الأوضاع المالية للشركة، من حيث طول مدة هذه القروض التي قد يصاحبها ظهور سلعة جديدة تنافس منتجات الشركة مما يعوق قدرتها على السداد، أو أن يتم حدوث تغيير كبير في بعض القوانين الحالية وسن قوانين جديدة، وهذا يرجع إلى غياب دور الدولة في وضع الأطر الاقتصادية التي من خلالها تضع البنوك سياستها المالية، ضاربًا المثل بقرار الحكومة رفع الدعم عن المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة، كالأسمنت والحديد. وأضاف أن دراسة الجدوى في هذه الحالة اعتمدت على أسعار محددة للمنتج وتوقعات معينة في الأرباح تمكن الشركة من السداد، إلا أن سن هذه القوانين أدت إلى تغيير جذري في الدراسة، كما أن تعديل القوانين قد تجعل البنوك غير قادرة على حساب مخاطر التمويل والظروف المحيطة بدقة. ولفت إلى أن القطاع المصرفي لا يتجنب الدخول في تمويلات طويلة إلا أن الاضطرابات السياسية المتتالية منذ صعود الرئيس محمد مرسي على كرسي الحكم دفعت البنوك للتروي في الموافقة على القروض؛ لأن مصيرها يعتبر مجهولًا خلال هذه الفترة. وأشار إلى أن سعر الفائدة ليس العامل الفاصل في منح التمويل؛ نظرًا لأن الفائدة قد تكون أقل في حال القروض المشتركة نتيجة توافر عدد من العوامل أهمها الجدارة الائتمانية المرتفعة للعميل، ووجود ضمانات جيدة للقرض، وتوزيع حجم المخاطر على البنوك المشاركة، فضلًا عن وجود مرتب للقرض تتمثل وظيفته في الحصول على جميع الضمانات. ولفت إلى أن البنوك الحكومية هي المرشحة للدخول في التمويلات الطويلة؛ نظرًا لاتجاهاتها القومية نحو تنمية الاقتصاد مع السعي نحو تحصيل نسبة مناسبة من الربحية، عكس نظيرتها الأجنبية التي تهدف للربح في المقام الأول. ومن جانبه أكد أحمد جلال مدير الائتمان ببنك بيريوس، أن البنوك لا تفضل نوعًا محددًا من التمويل، حيث إنه يعتمد في المقام الأول على طلب الشركات، فقد ترددت الكثير من المؤسسات في الحصول على قروض طويلة؛ نظرًا لأن هذه القروض تمول استثمارات جديدة وتوسعات جغرافية وزيادة وتحسين جودة المنتجات، إلا أن عدم الاستقرار دفعها لتترقب الأحداث وعدم البدء في مشروعات جديدة. ولفت إلى أنه نتيجة انخفاض الطلب على الائتمان الطويل أدى إلى توافر سيولة نقدية كبيرة لدى المصارف، مما يشكل عبئًا عليها لذا اتجهت لتشغيل أموالها وودائعها في استثمارات منخفضة المخاطر ومضمونة من جانب الدولة. وأشار إلى أن إحدى الصعوبات التي تواجه هذا النوع من التمويل تتضح في عنصرين، الأول هو ضرورة مواءمة آجال الودائع والشهادات الادخارية مع القروض الممنوحة، فلا يمكن منح قرض طويل الأجل تصل مدته إلى 10 سنوات ومدة آجال الودائع والشهادات لديه لا تتعدى 5 سنوات، إلا أن هذا العنصر لا يمكن تعميمه على جميع البنوك حيث تختلف آجال أمواله تبعًا لسياسة كل بنك. أما العنصر الآخر فيتمثل في التدفقات النقدية التي تأثرت بشكل كبير تبعًا لاضطراب الأوضاع السياسية والاقتصادية الذي أدى إلى تراجع حجم أعمال بعض الشركات وتأجيل العديد من خططها التوسعية، الأمر الذي أثر على رؤية القطاع المصرفي بشأن الحكم على التدفقات النقدية المستقبلية للمشروعات الأخرى، على عكس التمويلات قصيرة الأجل التي تنخفض نسبة مخاطرها وتتسم دراستها بالسير وقيمة التمويل فيها صغيرة مقارنة بطويلة الأجل. ولفت إلى أن البنوك العامة تعتبر الأقدر على منح التمويل الطويل مقارنة بمثيلاتها، الخاصة والأجنبية؛ نظرًا لأن العامة تتمتع بقوة رأسمالها ومساندة الدولة لها، ما يمكنها من الدخول في مشروعات عملاقة. وأشار أحمد مجدي محلل ائتماني بأحد البنوك العامة، إلى أنه كلما هدأت الأوضاع السياسية نسبيًا ترتفع العمليات النقدية في البنوك أو البورصة، ولكن توتر الأحداث يصيب القطاع المالي والمصرفي بانهيار في لحظات معدودة، ولذلك تجنبت البنوك منح القروض متوسطة وطويلة الأجل نظرًا لعدة أسباب، أهمها ضبابية الرؤية التي تتسم بها الفترة الحالية ومن الأفضل عدم خوض المغامرة، بالإضافة إلى احتياج البنوك للأموال بصورة سريعة لاستثمارها في تمويل بديل منخفض المخاطر كأدوات الدين الحكومية التي جعلت البنوك تتجه إليها بشراهة بعد ارتفاع عائدها بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية. ولفت إلى أن القروض طويلة الأجل المطلوبة خلال الفترة الراهنة غير مضمونة السداد إلا في حالات محدودة تتمثل في مشروعات البنية التحتية كقروض الكهرباء، مؤكدًا أن العزوف عن القروض الطويلة بشكل عام قد يؤدي إلى ضياع العديد من الفرص الجيدة التي ستؤثر بالتبعية على تراجع أرباح المصارف. وأوضح أن الشركات قد تتجه إلى إطلاق السندات كأحد البدائل لجمع سيولة مناسبة إلا أن كثيرًا من الشركات تتجنب طرحها خلال الفترة الراهنة؛ نظرًا لأنها غير مضمونة التغطية؛ نظرًا لارتفاع درجة المخاطر التي قد تجعل العملاء يتخوفون من استثمار أموالهم فيها.