ارتفعت حدة الاتهامات المتبادلة بين رجال الأعمال والبنوك حول منح القروض خلال الأسابيع المقبلة، فبينما يطالب المستثمرون بتقليل الشروط والمطالب التي حددتها البنوك لمنح الائتمان في ظل تعثر مشروعاتهم، تؤكد البنوك أنها زادت من مخصصاتها لمواجهة القروض المتعثرة علي حساب الأرباح التي تحققها وأنها تعاني من ندرة المشروعات الجادة للتمويل وعجز المقترضين عن سداد الأقساط المستحقة عليهم. في البداية ، يؤكد علي حمزة ، رئيس لجنة تنمية الاستثمارات بمحافظات الصعيد، أن ارتفاع معدلات المخاطر يضطر البنوك إلي وضع إجراءات تعسفية وطلب ضمانات مفرطة مما يجعل المستثمرون يحجمون عن مواصلة السير في استكمال إجراءات صرف القروض. وأشار إلي أن البنوك لم تعد تعترف برهن المعدات والآلات الخاصة بالمصانع وتصر علي طلب ودائع نقدية تساوي قيمة القروض التي يطالبون بها، مؤكداً أن طلبات البنوك غير منطقية، ولافتًا إلى مشروعات تعثرت بسبب تداعيات الثورة ولا تزال متوقفة حتى الآن لاحتياجها إلي سيولة نقدية ترفض البنوك منحها لها. وأوضح أن الكثير من الشركات بدأت تخفيض مخزونها من الخامات ومستلزمات الإنتاج مما يهدد بتوقفها بينما لجأت أخرى لتقليل العمالة، حيث إن توقف البنوك عن تمويل المشروعات أجبر الشركات على إلغاء البيع بالآجل وتفضيل البيع بالكاش، وسط مخاوف من تصاعد الأزمات الاقتصادية والسياسية، موضحًا أن البنوك تصر علي رفع أسعار الفائدة والعمولات التي تصل إلي 18 أو 20% في وقت تعاني فيه السوق من ركود حاد لتسويق المنتجات . ويضيف المهندس يسري قطب ، عضو مجلس إدارة جمعية المستثمرين بالسادس من أكتوبر ورئيس شركة " يونيفرسال " للصناعات المعدنية، أن البنوك تتعسف في منح الائتمان كإجراء احترازي تتبعه خوفاً علي أموال المساهمين والمودعين ، إلا أنها تؤثر بالسلب علي جميع القطاعات الاقتصادية. وأشار إلي أن مدير إحدى إدارات الائتمان ببنك حكومي كشف عن تلقيه تعليمات شفهية بمنح الائتمان في أضيق الحدود مع تنوع الضمانات المقدمة من العملاء، بجانب تعليمات أخرى بالتوقف عن منح رجال الأعمال المتورطين في قضايا الفساد وإيقاف جميع القروض التي تعاقدوا عليها أو طلب ضمانات إضافية علي رأسها الودائع النقدية التي يتم تجميدها لصالح البنك المانح للقروض . ويري قطب أن البنوك تتجه حاليًا لإقراض البنك المركزي والحكومة من خلال أذون وسندات الخزانة ، لأن هذه القروض مضمونة والمخاطر فيها منخفضة بخلاف إقراض المشروعات الإنتاجية والخدمية التي ترتفع معها نسبة المخاطرة ، الأمر الذي يشكل خطورة علي الاقتصاد الوطني. ونوه إلى أن إجراءات البنوك التعسفية عند منح الائتمان تكشف نقص خبرتها الواضحة في مجال متابعة المشروعات حيث ينتهي دورها عند منح الائتمان فقط ، وهذا خطأ كبير لأن العملاء قد يتلاعبون في التشغيل ، معتبرًا أن الإجراءات التي تتبعها البنوك حاليًا عند منح الائتمان "عشوائية" ، لأن الضمان الوحيد للمشروع هو جديته وقدرته علي إدرار السيولة وسداد الأقساط المستحقة خلال فترة منح القرض فالعلاقة بين صاحب المشروع والبنك "شراكة" . في المقابل ، قال حسن عبد المجيد رئيس بنك الشركة المصرفية العربية إن تداعيات ثورة 25 يناير فرضت علي البنوك إعادة النظر في القروض التي وافقت عليها خصوصاً لكبار رجال الأعمال الذين تورطوا في قضايا الفساد وتم حبسهم علي ذمة هذه الاتهامات ، بل إن البعض صرف جزء من هذه القروض وقام بتجميد الجزء الباقي واشترط ضمانات إضافية حال اطمئنانه من استمرار المشروعات الممولة للسيوله النقدية . وأضاف أن الفترة من يناير وحتي شهر أبريل الجاري لا تزال تسيطر عليها عدم الاستقرار وغياب الرؤية ، مما دفع بعض البنوك التي كاتنت تعتزم إطلاق صناديق استثمار والتوسع في مشروعات التجزئة المصرفية وافتتاح فروع جديدة الانتظار والتروي لحين استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية . وأشار إلى أن بعض العملاء عجزوا عن سداد الأقساط المستحقة عليهم، وطالبوا إدارة البنك بتأجيل سدادها فاستجابت لهم بل وألغت الغرامات المقررة علي هذا التأخير، خصوصاً أصحاب المشروعات الصغيرة . أما حسام ناصر ، نائب رئيس بنك التنمية الصناعية، فيؤكد أن إدارة البنك وافقت علي تأجيل سداد الأقساط المستحقة لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة لفترات زمنية تتراوح بين شهر و3 أشهر نظراً للأحداث الجارية مع إعفائهم من أية غرامات تأخير، موضحًا أن عدد تلك الطلبات يزيد عن 50% من إجمالي عملاء الإدارة . وأضاف أن البنك زاد قيمة القروض المخصصة لهذه المشروعات إلي 400 مليون جنيه، رغم ارتفاع معدلات المخاطر خلال الفترة الحالية ، وفي ظل ثبات أسعار الفائدة علي القروض كما هي دون تغيير، موضحًا أن شروط منح الائتمان محددة كما أنها لا تتحفظ إلا على تمويل المشروعات ذات دراسات الجدوي العشوائية, لكن بالطبع إذا كان المدير التنفيذي للمشروع أو صاحبه يخضع للتحقيقات في قضايا الفساد فإن البنك لابد أن يتحوط في منح شركته أي ائتمان لأن سير العمل في هذه الشركات سيعاني من الارتباك، فسمعة الشركات تتعرض للضررر كما يحجم عملائها عن سداد ما عليهم من أقساط أو قيمة البضائع التي حصلوا عليها. ويضيف أحمد قورة رئيس بنك التنمية الوطني الأسبق أن البنوك في حيرة بين أمرين كلاهما مٌر ، حيث تحجم عن منح الائتمان إلا في أضيق الحدود خشية التعثر في الوقت الذي تتصاعد فيه تكلفة الوديعة ، موضحًا أن الربع الأول من العام الحالي يشهد زيادة المخصصات بالبنوك علي حساب أرباحها لمواجهة عمليات التعثر خصوصاً بين كبار رجال الأعمال الذين هربوا للخارج أو الذين دخلوا السجن مما يعيد هوجة التعثر في الجهاز المصرفي أوائل الألفية الجديدة وهروب كبار المتعثرين للخارج حيث بلغت هذه القروض المتعثرة أكثر من 100 مليار جنيه .