في عيد الحب "فالنتين" كانت قد نشرت "التايمز" البريطانية رسما كاريكاتيريا يظهر فيه قائد عربي ولي هاربا، وآخر أزيح عن كرسيه فطار في الجو، وأربعة آخرون لا يزالون يجلسون علي كراسيهم، وإن تفاوتت درجات القلق والخوف علي وجوههم وفي عيونهم. وفي الوسط رسم لقلب كتب بداخله كلمات قصيدة قصيرة تقول كلماتها: "ذبلت الزهور سحق الحضوم ولم يعد هنالك طاغ مستبد إن الشعب إليكم آت .... " فكلمة "التغيير" أصبحت تخيف زعماء ورؤساء وملوك العالم العربي الآن(!) فتلك الجمرات التي تضطرم تحت جلودهم السميكة، جعلت استنساخ الديكتاتوريين في العالم العربي يلوذون باستخدام القوة القصوي بالسرعة الممكنة كي لا ينتهوا كما انتهي مبارك ومن قبله بن علي الذي يقال إنه يصارع الموت الآن! اسموه الرجل الfox؛ فهو يمارس العمل السياسي والشعبي علي طريقة دهاء ومكر "الثعلب"، وقد ارتدي أقنعة "الطهر"، ومسوح "الدفاع عن الغلابة".. رجل صاحب المقولة الشهيرة: "فساد المحليات وصل الي الركب"، انخدع الكثيرون في كلمات الرجل الذي أصبح مرادفًا حقيقيًا للفساد، والذي يمارس دوره ببراعة شديدة، وضحك علي ذقون 86 مليون مصري، اعتبروه رمز "الكرامة" و"الشهامة" المصرية، حتي سقط الBIONIC MAN، او الرجل الخارق "زكريا عزمي"، والذي وضع رهن الاقامة الجبرية في احد القصور منذ ما يقرب من اسبوعين بعد ان طلب جهاز الكسب غير المشروع تحريات الرقابة الادارية في بلاغات لعدد من كبار الفاسدين، والذين من بينهم عزمي وآخرون بتضخم الثروة . فقد كان يمارس دوره في الخفاء وينفذ الأجندة السياسية خلف الأبواب المغلقة حتي تحول بمرور الوقت إلي الجسر الذي يعبر منه الجميع إلي الرئيس؛ فهو الوحيد الذي يملك بين يديه مفاتيح قلبه وعقله وخزائن أسراره، بل إن عزمي هو وسيلة اتصال الرئيس بالعالم الخارجي، فهو عينه التي يري بها فإذا ارتدي عزمي نظارة سوداء فالصورة قاتمة عند الرئيس وإذا تكلم انطلقت صافرات الإنذار، باختصار: هو الذي يرسم للرئيس ملامح الصورة اليومية لأحوال البلد وأوضاع المواطن وهو أخطر الرجال حول الرئيس، حيث يلعب أهم الأدوار من خلف الستار في المشهد السياسي . لعب عزمي دور الحاوي في الحزب الوطني؛ فسعي الي ملء الفراغ الموجود في مجلس الشعب بعدما ورط أحمد عز النظام الحاكم وأسقط كل رموز المعارضة، فارتدي عزمي ثياب المعارض في محاولة منه للإبقاء علي المسافة الفاصلة بينه وبين المعارضة وليحافظ في الوقت نفسه علي ودها ليبقي بعيدا عن النقد وحتي تكتمل الصورة في المجلس بعدما تحول الي مجلس منزوع المعارضة . ونجح عزمي منذ مجيئه إلي ديوان رئيس الجمهورية في أن يتحول إلي الشاطئ الذي ترسو عليه دائما سفن المعارضة وتتكسر عنده موجات الغضب من النظام، وتحول الركن الذي يجلس فيه داخل مجلس الشعب الي أهم ركن سياسي؛ فمن خلاله تصل رسائل المعارضين والغاضبين الي الرئيس، ومن خلاله يحاول عزمي تنفيذ وصايا الرئيس السابق اليومية وأوامره . ورغم ان مضمون وظيفة عزمي الرئاسية يجعله فقط مسئولا عن شئون مؤسسة الرئاسة، إلا أنه حقق طفرة كبيرة في المنصب مقارنة بمن سبقوه إلي حد أن الرئيس السابق بات متمسكا به، ولا يستطيع بسهولة الاستغناء عنه بل انه أجبر الجميع علي ان يبقيهم خارج الصراعات الحزبية؛ فهو لا يملك أي طموح أكثر مما وصل إليه ويرتضي بالصورة التي يرسمها لنفسه . اشتهر عزمي ببراعته في اختيار التعبيرات واللزمات التي يطلقها داخل مجلس الشعب كممثل بارع، وأصبحت تمثل جزءا من تركيبة هذا الرجل فهو صاحب أفضل وأدق تعبير لحالة الفساد التي وصلت اليها المحليات عندما وصفه بأنه "للركب "وهو الذي يهاجم الوزراء بتعبيرات ساخرة كان آخرها التي وجهها الي وزير الصحة عندما انتقد لائحة المستشفيات الجديدة قائلا: "هو المريض هيدخل سيما ولا مستشفي" . تعبيرات استعراضية دأب عليها عزمي لتمرير مؤسسة الرئاسة بحكم كونه امينا لها، إلي قلوب المواطنين، وربما لهذه الأسباب بقي بعيدا عن الهجمات التي تعرض لها الحرس القديم رغم انه يعتبر أحد أبرز وجوههم؛ لهذا لم يكن غريباً أن يتم استثناء منصبه كرئيس لديوان رئيس الجمهورية من سن الإحالة للتقاعد عبر قانون أقره مجلس الشعب حتي لا يغادر منصبه إلا بمغادرة مبارك شخصيا . عزمي أحد أهم اركان النظام السياسي الحالي وهو ضلع تستقر عليه خططه وسياساته حتي وان حاول ان يختفي خلف الدور المعارض الذي يرسمه لنفسه فإن غموضه انكشف، فما يفعله هو نوع من الاستعراض السياسي المطلوب أحيانا لتجميل وجه رجل يعمل في نظام قبيح وإلا فلماذا يرفض أن يمارس هذا الاستعراض في تصحيح الأخطاء المستمرة للحزب الوطني؟ ولماذا يستعرض فقط علي المغضوب عليهم من النظام؟ بدأ عزمي حياته العملية ضابطاً بسلاح المدرعات بعد حصوله علي بكالوريوس العلوم العسكرية في العام 1960 ثم انتقل إلي الحرس الجمهوري عام 1965 وهو العام الذي حصل خلاله أيضاً علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، وتمت ترقيته ليصبح قائداً لإحدي الكتائب المدرعة في الحرس الجمهوري للرئيس الراحل جمال عبدالناصر وعقب ترقيته حصل علي دبلوم العلوم الجنائية من كلية الحقوق عام 1970 ثم دبلوم القانون الدولي عام 1972 والدكتوراة في القانون الدولي العام . وفي العام 1973 انتقل رئيساً للشئون السياسية بمكتب رئيس الجمهورية لشئون الأمن القومي ثم عضواً بسكرتارية الرئيس للمعلومات في العام نفسه، وعام 1974 تم انتدابه مديراً لمكتب رئيس ديوان رئيس الجمهورية . وكان المقدم زكريا عزمي يعمل مديرا لمكتب حسن كامل كبير الأمناء برئاسة الجمهورية أيام الرئيس السادات وعندما تولي مبارك منصب نائب رئيس الجمهورية سرعان ما حدث تجاذب بين الشخصيتين وتقارب بينهما، وعندما تولي الرئيس مبارك الحكم عينه كبير الأمناء في القصر الجمهوري وإلي الآن مازال زكريا عزمي يتمتع بثقة الرئيس السابق الي الدرجة التي جعلته الوحيد من بين رجالاته الذي رافقه خلال رحلة علاجه الأخيرة الي ألمانيا بل إنه الوحيد الذي كان يعلن أخباره الصحية علي الرأي العام . بدأ عزمي صعوده السياسي منذ انضمامه للحزب الوطني عام 1978 وبعدها بعام واحد تولي موقعه أميناً للحزب بمنطقة الزيتون وهو في الوقت نفسه نائب عنها ثم أصبح أميناً مساعداً للحزب في القاهرة في يناير عام 1987 وتم اختياره عضواً بالأمانة العامة للحزب في ديسمبر عام 1993، حتي استقر في موقعه في الحزب الوطني كأمين مساعد للتنظيم والشئون المالية والإدارية . يبقي عزمي شاهدا فضلا عن تورطه في مختلف التحولات السياسية والحزبية في عصر مبارك، بل وكثير من التحولات في نفسية الرئيس ومنطقه لإدارة الأمور، ولو أنه أقدم علي كتابة مذكراته - أو أجبر علي إخراج محتوياتها- لكانت وثيقة اتهام متكاملة الأركان علي عصر مبارك . وطبقا لرواية د. أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية، فإن هناك أسبابا عديدة يراها منطقية تدفع الرئيس مبارك إلي التمسك بهذا الرجل طيلة 30 عاما، في مقدمتها خلفيته العسكرية والقانونية، وامتلاكه - في السابق طبعا - علاقات منضبطة ومنطقية مع المعارضين، استطاع من خلالها طويلا توصيل رسائل إلي القوي السياسية والمعارضة كما أنه يوصل رسائل الرئيس بالطريقة التي يريدها فهو يوصلها بغضب إذا كان الرئيس غاضبا والعكس صحيح تماما . زكريا عزمي كان ذكيًا بالدرجة التي جعلته يطلق عبارات هلامية يقترب من خلالها من المواطنين حتي يجبر مبارك علي التمسك به علي اعتبار أنه يمسك بجميع الخيوط في يديه، غير أن أخطر الأدوار السياسية التي لعبها عزمي هو أنه كان شريكا في معظم القوانين "المشبوهة" التي قدمت كما أن هجومه المستمر علي الوزراء أو بعض النواب او مشروعات القوانين انما هي في الأساس رسائل خفية يحملها من الرئيس مبارك ولا يجرؤ أن يقوم بذلك من تلقاء نفسه فمثلا عندما هاجم الخصخصة واصفا البعض بأنهم "حرامية الخصخصة "كان الهجوم مجرد رسالة من مبارك الي عاطف عبيد، فعزمي هو سيف الرئيس الذي يقطع به يريد في المعارضة في حق الحكم . غير أن ثمة مواقف عديدة تعرض لها الرجل كشفت عن حقيقة الدور الخفي الذي يقوم به فلا أحد ينسي المشهد الذي جرت وقائعه تحت قبة مجلس الشعب عام 2006 عندما رفض المجلس طلبا مقدما من 21 عضوا بإحالته للمدعي الاشتراكي لصداقته بممدوح إسماعيل صاحب شركة السلام والعبارة الغارقة يومها قال فتحي سرور: إن صداقته بممدوح اسماعيل لا تعد اتهاما له وأنه ليس مسئولا عن أعمال غيره.. لكن تكشف صداقته فيما بعد بنائب القمار ياسر صلاح طبيعة العلاقات الخلفية بين رجل الرئيس القوي وأغلب رموز الفساد في البلد . منير فخري عبد النور سكرتير عام الوفد كان قد فجر مفاجأة من العيار الثقيل بتأكيده ان زكريا عزمي هو من أمر بتسليم وفاء قسطنطين إلي البابا شنودة، وهذا الاعتراف الذي سبب حرجا بالغا له وأدي الي اتهامه بالمسئولية عن حوادث العنف الطائفية، فرئيس ديوان رئيس الجمهورية يتدخل بشكل كبير في إدارة الأزمات السياسية التي تعيشها مصر إلي الآن . وبتأكيدات بهي الدين حسن رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، فإن 90% من مهام ووظائف زكريا عزمي يؤديها في الظل، بينما يمارس النسبة الباقية في البرلمان، كما أنه يقوم بأداء أدوار خفية لصالح النظام ويتدخل في العديد من القضايا المصيرية برأي يؤخذ به غالبا.. حسن يسخر من دور المعارض الذي كان يؤديه زكريا عزمي في الحياة الساسية لأنه ببساطة "لزوم الوجاهة والديكور السياسي وغير مقنع علي الإطلاق".. ويتساءل: كيف يهاجم وزراء مثلا في حكومة الحزب الذي ينتمي إليه دون ان يكون مبارك نفسه علي علم بذلك فهو مساعده وخطواته محسوبة عليه، إذ يبقي عصا مبارك المشهرة دائما . تداعات الأحاديث حول زكريا عزمي والمتمثلة في العديد من الحكايات منها أنه اصدر فرمانا بمنع الصلاة الجماعية داخل مقرات رئاسة الجمهورية وامر الحرس بالابلاغ عن اي صلاة تقام بفردين واكثر . ومن الرويات الخاصة ايضا لزكريا عزمي والتي يرويها موظفون في قصر الرئاسة انة شاهد ذات مرة موظفًا به علامة (زبيبة) صلاة واضحة فأمره علي الفور بإزالتها وأجبره علي اجراء عملية تجميل علي حساب الموظف للتخلص من علامة الصلاة . ولم تتوقف تصرفات زكريا عزمي عند هذا الحد، بل ان العقاب السائد والمعروف بين الموظفين هو الحرمان الجماعي بمعني أنه لو اخطأ موظف او حتي عامل عادي يقوم بمعاقبة الجميع بالحرمان من الحوافز والعلاوات لمدة أربعة اشهر كاملة ولايحصلون طوال هذه الفترة الا علي رواتبهم الاساسية . وهناك بعض السخط الذي صدر ضد زكريا عزمي من الشارع المصري بعد طلب زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية رفع سعر أنبوبة البوتجاز من 4 إلي 10 جنيهات بشرط أن تكون متوفرة وذلك أثناء هجومه الحاد علي وزارتي البترول والتضامن الاجتماعي بسبب النقص الواضح في أنابيب البوتاجاز وبيعها في السوق السوداء. وطهروا البلد منه ومن أمثاله ..صفوت الشرى وفتحى شرور...هذا الفاجر عزمى ...الماكر والمراوغ كان بيمثل علينا ويلبس ثياب المعارضة وهو وأمثاله نهبوا ثروات البلد وجوعوا أولادها وشردوهم فى بلاد العالم أذلاء ...اللهم ذلهم كما أذلوا وعذبوا شبابنا