أصبح ميدان التحرير في القاهرة رمزا للتغيير، فبات كلا الطرفين يسعى للسيطرة عليه. في ميدان التحرير، وبعد صلاة الجمعة، سيواجه نظام الرئيس المصري حسني مبارك اليوم اختبار حسن النوايا. فسيكون بإمكانه كبح جماع القوات الموالية للنظام، وضمان عمل وسائل الإعلام بحرية، وإيقاف الألعاب الخطيرة التي بدأ يمارسها من خلال محاولات تقويض المعارضة. بهذا السيناريو المتفائل تختتم صحيفة الجارديان البريطانية افتتاحيتها الرئيسية في عددها الصادر اليوم، والتي جاءت تحت عنوان: "الألعاب الخطرة". تبدأ الصحيفة افتتاحيتها بالحديث عن البدائل المرَّة، فتقول: "إن الدم ليس هو المادة المثالية لتشحيم آلية الانتقال المنظَّم للسلطة، الأمر الذي تزعم القوى السياسية المختلفة في مصر أنها تنشده. وكذلك ليست المخادعة بديلا". وهل هنالك من طريق ثالث؟ تسارع الصحيفة للإجابة عن هذا التساؤل بالقول إن هنالك ثمة خطر بيِّن قد يجمع بين طياته الخيارين معا: أي الدماء والخدعة. تقول الصحيفة إنه بدا واضحا أن النظام في القاهرة يلتف ويناور بغرض الحصول على أكبر قدر من المزايا والمنافع في لعبة الشد والتجاذبات مع المتظاهرين المسيطرين على ميدان التحرير. وتمضي الافتتاحية إلى القول إن المسؤولين المصريين قد يفهمون من جهة أن الأمور لا يمكن أن تسير كما كانت عليه من ذي قبل، وإن تصرَّف البعض منهم على الأقل وكأن تطويق الخصم هو الهدف الرئيسي. مفاقمة الأوضاع وهنالك أيضا ثمة دليل آخر يتمثَّل بمفاقمة الأوضاع التي يعمل الصحفيون الأجانب في ظلِّها، إذ يشير هذا إلى أن "النظام يريد أن ينهي لعبته هذه في ميدان التحرير دون أن تكون الصحافة العالمية شاهدا على فعلته". تقول الصحيفة إن جلَّ مناورات السلطات تلك تتركز وتجري في ميدان التحرير وتهدف للسيطرة عليه، وذلك نظرا لما يحمله المكان من قيمة رمزية. ورمزية المكان اكتسبت زخما جديدا عندما تحول إلى ميدان للتغيير والمواجهة بين المتظاهرين وأنصار مبارك الذين حاولوا ليل الأربعاء الماضي قمع المحتجين بالقوة. وعن الألعاب التي تسعى السلطات المصرية أيضا لممارستها بغية إرغام المحتجين على مغادرة الميدان، نقرأ في الافتتاحية أيضا كيف يجرى تصوير المتظاهرين على أنهم يهددون بأعمالهم تلك الاقتصاد الوطني، وبالتالي هم يشكلون خطرا على حياة المصريين العاديين من خلال التأثير على لقمة عيشهم. صورة المعارضة وتورد الصحيفة دليلا على ممارسة المسؤولين المصريين للعبة الاقتصاد هذه للتأثير على صورة المعارضة بما قاله كل من نائب رئيس الجمهورية، عمر سليمان، ورئيس الحكومة، أحمد شفيق، واللذين حمَّلا المتظاهرين الأربعاء مسؤولية تدهور الاقتصاد المصري خلال الأيام القليلة الماضية. ومع الإقرار بأن تلك الحركات والمناورات التي يمارسها نظام مبارك للالتفاف على حركة الاحتجاجات هي مجرَّد "ألعاب خطرة"، فإن الصحيفة ترى أن لا بد من وصول الطرفين في نهاية المطاف إلى فهم مشترك للأزمة، وإن كان لا يرقى ذلك إلى حد التسوية. تقول الافتتاحية: "على الطبقات التي استفادت أكثر من غيرها من النظام أن تكون مستعدة للتخلي عن معظم الأشياء التي كانت تنعم بها في السابق، وذلك من أجل حماية ما تبقى. أمَّا أولئك الذين تحدّوا النظام، فعليهم، من جهة أخرى، قبول حقيقة أن عناصر النظام القديم ستركب رؤوسها وتحاول التمسك بموقفها". تخندق وبالإضافة إلى الافتتاحية، تفرد الجارديان اليوم مساحة واسعة لعد من التحقيقات والتقارير التي ترصد آخر تطورات الوضع في مصر، وتلقي الضوء على آثارها وتبعاتها المحتملة على بقية دول المنطقة. فعلى صدر صفحتها الأولى، تنشر الصحيفة صورة كبيرة لرجل مصاب، وقد غطَّت الدماء وجهه ورأسه، بينما بدت علامات القلق والغضب جليَّة على وجوه وفي عيون رفاقه من النشطاء الخارجين لتوِّهم من مواجهة مع أنصار مبارك في أحد ميادين القاهرة. وفوق الصورة تنشر الصحيفة تقريرها الرئيسي لمراسليها في كل من القاهرة والاسكندرية بعنوان: "النظام المصري يواصل تخندقه مع ارتفاع عدد القتلى في ميدان التحرير". وعلى الصفحة التاسعة والثلاثين من الصحيفة نفسها، نطالع رسما كاريكاتيريا ساخرا يُظهر دبابة مجنزرة وقد راحت تجوب طريقا مقفرة، وعلى متن العربة المصفَّحة تظهر صرَّة نقود عملاقة تحمل صورة لوجه الرئيس مبارك وعليها علامة الدولار الأمريكي. وعلى القمة يتربَّع نائب الرئيس عمر سليمان. أمَّا في التعليق المرفق، فنقرأ: "يدا بيد، لكي نحمي الشعب، فسوف نعاقب أولئك الذين يقفون وراء العنف". أوباما والأوروبيون ومن الجارديان إلى الفايننشال تايمز، حيث نطالع على الصفحة الحادية عشرة من الصحيفة رسما كاريكاتيريا ساخرا آخر يظهر فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقد وقف على متن سفينة ومن ورائه زعماء كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا. بدأ الزعماء الغربيون الأربعة مندهشين وقد راحوا يراقبون من على متن سفينة، وكمتفرجين، ينظرون لمدينة تحترق وتتصاعد منها سحب الدخان. إنها العاصمة المصرية القاهرة التي بدت مآذان مساجدها وقبب متاحفها وجامعاتها وشوارع اختلط فيها الحابل بالنابل، وقد رفع فيها متظاهرون يافطات كتبوا عليها كلمات من قبيل: "الديمقراطية"، "الحرية"، ...". طريق الشرق الأوسط ومع الرسم تنشر الصحيفة مقالا تحليليا لفيليب ستيفينز جاء بعنوان: "الشرق الأوسط يرسم طريقه الخاص به". يسعى الكاتب من خلال مقاله إلى لملمة خيوط المشهد، علَّه يرسم صورة ولو تقريبية لمنطقة الشرق الأوسط التي لا تزال في أول طريق إعادة التشكيل. فالكاتب يرى أن التطورات الأخيرة في المنطقة فاجأت الغرب الذي كان حتى الأمس القريب يعيش في وهم أن العرب قد ألفوا العيش تحت نير أنظمة حكم مستبدة، ولم يعودوا يأبهون لأشياء مثل الحرية والديمقراطية. لكن ما حدث في تونس مؤخرا، حيث أطاح شباب غاضبون بنظام الرئيس السابق زيد العابدين بن علي، وما تشهده مصر حاليا من احتجاجات تطالب بإسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، أدهش الجميع. يقول ستيفينز أنه يتعيَّن على الغرب أن يهتف مشجعا لأصوات الحرية وسيادة القانون، بدل أن يقف موقف المتفرج غير المبالي على ما تشهده المنطقة من تحولات تاريخية كبرى. أنصار مبارك وعلى الصفحة الأولى من الفايننشال تايمز، نطالع اليوم أيضا تقريرا مشتركا لمراسلي الصحيفة في بريطانيا ومصر جاء بعنوان: "أنصار مبارك يكثِّفون هجماتهم". وترفق الصحيفة التقرير بصورة كبيرة يظهر فيها جمهور غاضب من أنصار مبارك الذين راحوا يهيلون الحجارة في ميدان التحرير على المتحتجين الذين يطالبون برحيل مبارك. وفي الصورة نرى أيضا جنودا من الجيش المصري، وقد تصدوا للمهاجمين وحاولوا ثنيهم عن استهداف خصومهم من المتظاهرين على الطرف الآخر من الميدان