بقلم محمد الحنفي [email protected] ذلك، أن ما يجريحتى الآن، في كل بلد من البلاد العربية، أن المعرفة القانونية، تكاد تكون غائبة فيصفوف الأعضاء الجماعيين، وأعضاء البرلمان، على حد سواء، مع أنهم يتحملون مسؤوليةالتشريع، والتنفيذ، على المستوى المحلي، ومسؤولية التشريع، على المستوى الوطني. ولذلك، لا بد من تنظيم دورات من التكوين القانونيللأعضاء الجماعيين، وأعضاء البرلمان، وبصفة دورية، تأتي قبل، أو بعد عقد المجالسالمحلية، والوطنية، ويكون الحضور فيها ملزما لجميع الأعضاء، وعلى المستوى الوطني،حتى يتأتى لكل عضو أن يتحمل مسؤوليته تجاه الشعب، وفي كل بلد من البلاد العربية،إذا كان يعتبر نفسه ممثلا للشعب. وإلا، فإن التكوين القانوني غير مجد، إذا كانالعضو يعتبر نفسه غير ممثل للشعب. والتكوين القانوني يقتضي اعتماد الأولويات. فلا يعقل،أبدا، أن يكون الأعضاء الجماعيون جاهلين بالميثاق الجماعي، أو ما في حكمه، في كلبلد من البلاد العربية، ومضامينه، التي تهم الجماعات المحلية، والإقليمي،ةوالجهوية. وما هي المهام الموكولة إلى كل مجلس؟ وهل هي مستقلة عن أجهزة السلطة؟ أم أنها تعمل تحت وصايتها؟ كما لا يعقل أن يجهل الأعضاء الجماعيون، وأعضاءالبرلمان، قوانين الحريات العامة، في كل بلد من البلاد العربية. وهل هذه القوانين متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان؟ وهل هي في متناول جميع أفراد الشعب؟ أم أنها في متناول نخبة معينة فقط؟ هذا بالإضافة إلى ضرورة العلم بمضامين قوانين الانتخابات، في مراحلها المختلفة، وفي مستوياتها المختلفة، من أجل توعية أفرادالشعب بتلك المضامين. وهل هي متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوقالإنسان؟ وهل تضمن عدم التلاعب بنتائج الانتخابات؟ وهل تضع حدا لكافة أشكال إرشاء الناخبين في المحطاتالانتخابية المختلفة؟ أم أنها تبقى إطارا لممارسة كافة أشكال التزوير،والالتفاف على نتائج الانتخابات، التي يتم إخراجها على هوى السلطة الوصية، من أجلأن تصير المجالس المنتخبة في خدمة مصالحها؟ وإلى جانب ذلك، لا بد من دورات تكوينية، تخص الأنظمةالداخلية للمجالس المحلية، والوطنية، كما تخص كل المساطر الإدارية المتبعة، التيتنظم العلاقة بين أفراد الشعب، وبين المجالس المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية. والغاية من طرحنا لمشكل التكوين القانوني، هي الوصول إلى القول: بأن ممثلي الشعب، في مختلف المجالس، يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه الشعب. وتحمل المسؤولية يقتضي العلم بالوسائل المختلفة المساعدةعلى ذلك، كما هو الشأن بالنسبة لمنظومة حقوق الإنسان، ومنظومة القوانين المعمولبها، في كل بلد من البلاد العربية. وهكذا يتبين أن إيجاد أجهزة للمراقبة الشعبية، لتتبع عملالمجالس المحلية، والوطنية، وممارستها اليومية، وممارسة أعضائها، وأن التصريحبممتلكات الأعضاء، وأقاربهم، قبل الترشيح للانتخابات، ومحاسبة الأعضاء قبلمغادرتهم للمجالس، أو قبل انتهاء صلاحيات قيام تلك المجالس، وتنظيم دورات للتربية،والتكوين على حقوق الإنسان، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان،والتربية والتكوين على القوانين الوطنية، وخاصة منها تلك المتعلقة بالحرياتالعامة، وبالتنظيم الجماعي، وبقوانين الانتخابات، وبالأنظمة الداخلية لمختلفالمجالس، تعتبر ذات أهمية خاصة، بالنسبة لأعضاء مختلف المجالس، باعتبارهم ممثليالشعب، في كل بلد من البلاد العربية. وبما أن ضمانات قيام المجالس المختلفة بدورها كاملا تجاهالشعب غير وارد، فإن المجالس، القائمة لحد الآن في البلاد العربية، هي مجالس لاتخدم إلا مصالح الحكام، وأذنابهم، فإنها تتحول إلى وسيلة من الوسائل التي تصيرموضوعا لنهب ثروات الشعب، في كل بلد من البلاد العربية. وهو ما يجعل الثورة ضدها،وضد ممارستها المشبوهة، ضرورة تاريخية، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، كنتيجةلقيام ديمقراطية حقيقية، من الشعب، وإلى الشعب، خاصة وأن ثورة الشباب، في كل بلدمن البلاد العربية، كما يتضح ذلك من خلال شعاراتها المرفوعة، باعتبار تلك المجالسجزءا لا يتجزأ من الفساد القائم في كل بلد عربي. أما ضمانات عدم تزوير الانتخابات، في كل بلد من البلادالعربية، بعد نجاح ثورة الشباب في كل منها، فتتمثل في: 1) وضع دستور ديمقراطي شعبي، تكون فيه السيادة الكاملةللشعب، الذي يصير، بذلك، مصدر كل السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، لأنهبدون دستور ديمقراطي، وبدون أن تكون فيه السيادة للشعب، وبدون أن يصير الشعب مصدركل السلطات، فإن الأمور ستبقى مفتوحة على المجهول. ) إيجاد قوانين انتخابية، تقطع مع الفساد السياسي، ومعكل الممارسات، التي تؤدي عادة إلى تزوير الانتخابات، في كل بلد من البلاد العربية،حتى يتأتى للانتخابات أن تكون حرة، ونزيهة، وحتى يتأتى إفراز مؤسسات تمثيلية حقيقية، من الشعب، وإلى الشعب. 3) تطهير الإدارة في كل بلد عربي، من كل أشكال الفساد،ومن المفسدين، حتى لا تستمر في إنتاج الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي،والسياسي، ومن أجل أن تنتج ممارسات تخدم الشعب، في كل بلد من البلاد العربية، ولاتضره، مع إعادة النظر في القوانين الإدارية، من أجل أن تمنع إنتاج الفساد، في مستوياته المختلفة، ومن أجل أن يتطهر المجتمع، كذلك، من كل أشكال الفساد الإداري،والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، وفي كل بلد من البلاد العربية. 4) محاكمة منتجي الفساد في الإدارة، وفي المؤسسات المنتخبة، وعلى جميع المستويات، حتى يتأتى ردعهم، وإيقافهم عند حدهم، وإعفاءالمجتمع من الأمراض التي يلحقونها به، ومنعهم من الترشيح لعضوية المجالس المختلفة،نظرا لما أنتجوه من فساد، وللأضرار التي ألحقوها بالمجتمع، ومن أجل أن يصيروا عبرةلكل من يتحمل المسؤولية في الإدارة، وفي المؤسسات المنتخبة، وسعيا إلى أن يكتشفالشعب الممارسات التي تسيء إلى واقعه، وإلى مستقبله، وماذا يجب أن يقوم به تجاهالفاسدين، المنتجين لتلك الممارسات. 5) تمتيع جميع أفراد المجتمع، بالحقوق الاقتصادية،والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى يتأتى لهم امتلاك الوعيالحقوقي، من خلال التربية على حقوق الإنسان، التي تصير ممارسة اجتماعية يومية،تحول المجتمع من مجتمع الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، إلى مجتمع الحرية،والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، التي تضمن تحقيق إنسانية الإنسان، في ممارسةجميع أفراد الشعب، وفي كل بلد من البلاد العربية. 6) ملاءمة جميع القوانين الخاصة، بكل بلد من البلادالعربية، مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان العامة، والخاصة، حتى تتحولالقوانين الوطنية، إلى وسيلة لتمتيع جميع أفراد الشعب بحقوق الإنسان العامة،والخاصة. ومن القوانين التي يجب أن تحظى بالملاءمة الدقيقة، قوانين المؤسساتالمنتخبة، وقوانين الانتخابات الوطنية، وقوانين الحريات العامة، وقوانين الأحزاب،وقوانين الجمعيات، والنقابات، وقوانين الإضراب، إضافة إلى قوانين التنميةالاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية في القطاعين: العام، والخاص... إلخ. 7) التنصيص في قوانين العقوبات، وقوانين الأسرة، على أنخرق حقوق الإنسان، يعتبر جريمة ضد الإنسانية، تجب معاقبة مرتكبيها، بعقوبات تتناسبمع حجم الجريمة المرتكبة، سعيا إلى استحضار احترام حقوق الإنسان في الممارسةاليومية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؛ لأن ذلكالاستحضار، في حد ذاته، يعتبر وسيلة لتثبيت احترام حقوق الإنسان في النسيجالاجتماعي، في كل بلد من البلاد العربية. 8) إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، انطلاقا من القوانينالانتخابية المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، في ظل توفرشرطين أساسيين: الشرط الأول: منع ممارسي الفساد الإداري، والسياسي،ومرتكبي الانتهاكات الجسيمة ضد الإنسانية، من الترشيح لعضوية المؤسسات المنتخبة:المحلية، والوطنية. والشرط الثاني: أن تجري تلك الانتخابات تحت إشراف هيأةمستقلة، لا شك في نزاهتها، كما هو الشأن بالنسبة لهيأة القضاء، إذا كانت مستقلة،ومطهرة من الفساد. وهذان الشرطان يضمنان شيئين أساسيين كذلك: الأول: إجراء حملة انتخابية نظيفة، لا وجود فيها لشيءاسمه الفساد السياسي، المتمثل، بالخصوص، في شراء ضمائر الناخبين، كما تعودنا علىذلك من ممارسي الفساد السياسي. الثاني: إبعاد أجهزة وزارة الداخلية، في كل بلد منالبلاد العربية، من أعلى مسؤول، إلى أصغر مسؤول، عن مراقبة الشأن الانتخابي؛ لأنالفساد الانتخابي، الذي كان يؤدي إلى إجراء الانتخابات المزورة، كان يجري تحتإشراف وزارة الداخلية، في كل بلد من البلاد العربية، والتي كانت تغير نتائج صناديقالاقتراع، لصالح من تراهم مناسبين لها، من أجل أن تكون المجالس في خدمة مصالحالحكام، وأذنابهم، الذين ينهبون ثروات الشعوب. 9) إيجاد حكومات من أغلبيات البرلمانات المنتخبة فيالبلاد العربية، حتى تصير الحكومات نفسها من نتائج صناديق الاقتراع، مما يجعل منهاحكومات شعبية، تنطلق في عملها من البرنامج الانتخابي، الذي اختاره الشعب لخدمةمصالح الشعب، في كل بلد من البلاد العربية. 10) قيام الحكومة في كل بلد من البلاد العربية،بالمعالجة السريعة، للمشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتىتعمل على تحقيق مطالب الشباب الثائر: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية،والمدنية، والسياسية، لضمان وجود استقرار دائم، يمكن المؤسسات المنتخبة انتخاباحرا، ونزيها، أن تعمل على خدمة مصالح أفراد الشعب على المستوى المحلي، والوطني،وتحت إشراف، ومراقبة الشعب في نفس الوقت، حتى لا يتم إعادة إنتاج نفس الممارساتالمنتجة للفساد الإداري، والسياسي، الذي ثار ضده الشباب. وبذلك تكون ضمانات عدم تزوير الانتخابات، في كل بلد منالبلاد العربية، قائمة في الواقع، مما يجعل الانتخابات، مستقبلا، قائمة على أساساحترام إرادة الشعب، الذي يتمتع بحقه في الحرية، والديمقراطية، والعدالةالاجتماعية، كضمانات كبرى، لحماية مستقبل الشعب من الانحراف. فثورة الشباب، إذن، هي ثورة من أجل مؤسسات تمثيليةحقيقية، لا يعرف التزوير إلى انتخابها سبيلا، في كل بلد من البلاد العربية، إذاعرفت الأنظمة في هذه البلاد تغييرا جوهريا، بعد إنضاج شروط قيام ديمقراطية حقيقية،عن طريق وضع حد للاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، والقطع النهائي مع شروطالتأزيم العميق للمجتمع، والمصحوب بالقمع الذي تمارسه الأجهزة القمعية علىالكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة. وقد استعرضنا في أفق ذلك، سبل الوصول إلىإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تصير في خدمة مصالح الشعب، في كل بلد من البلادالعربية، والشروط الموضوعية التي يجب أن تتوفر لإيجاد تلك المؤسسات، والدور الذيتقوم به لصالح الشعوب في البلاد العربية، لضمان احترام كرامة المواطن، مشيرين إلىأن غياب هذه المؤسسات التمثيلية الحقيقية، في واقع الشعب، في كل بلد من البلادالعربية، التي حلت محلها مؤسسات مزورة، لا تخدم إلا مصالح الحكام، الذين يفرضون بقوةالحديد والنار، الاستعباد في مقابل الحرمان من الحرية، والاستبداد في مقابل غيابالديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية،والاستغلال في مقابل غياب العدالة الاجتماعية، القائمة على أساس التوزيع العادلللثروة، يعتبر من الوسائل التي أدت إلى قيام الثورة، التي تلعب دورا كبيرا،وأساسيا، في أفق إيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تصير في خدمة الشعب، في أي بلدعربي. والمؤسسات التمثيلية الحقيقية، في حالة قيامها، تحتاجإلى ضمانات قانونية، وإجرائية لضمان عدم تزويرها من جديد، وعدم تسخيرها لخدمة مصالحالحكام، ومصالح العاملين في أجهزة الدولة المختلفة. فهل تستمر ثورة الشباب في كل بلد من البلاد العربية، إلىأن يتم القضاء على الأنظمة الفاسدة، كما حصل في تونس، وفي مصر. هل ترتقي ثورة الشباب، في حال انتصارها، إلى مستوى الحرصعلى حماية ما تحققه الثورة. هل تتحصن ثورة الشباب ضد الاختراقات التي تستهدفها؟ هل تحرص ثورة الشباب على تحقيق وحدة الشعب حول مطالب محددة؟ هل تعمل على توعيته بتلك المطالب، وبأهمية النضال من أجلتحقيقها، لتوسيع دائرة المشاركة في النضالات الثورية؟ فنحن أمام ثورة شبابية حقيقية، تعمل من أجل الوصول إلىتغيير الواقع، في كل بلد من البلاد العربية، والعمل على إيجاد مؤسسات تمثيليةحقيقية، تعكس احترام إرادة الشعب، وتترجم الالتزام بالممارسة الديمقراطية علىالمستوى السياسي، في أفق العمل على تحقيق المضامين الاقتصادية، والاجتماعية،والثقافية، بالإضافة إلى السياسية، من أجل القطع النهائي مع ماضي استعباد الشعوبالعربية، والاستبداد بها، واستغلال كادحيها.