بقلم محمد الحنفي [email protected] ومعاناة الشعوب العربية من مشاكل التعليم، والصحة،والسكن، والشغل، هو الذي يجعل هذه الشعوب فاقدة لكرامتها الإنسانية. وحكامها،وحكوماتها، هم الذين يذيقونها آلام الوضاعة، والتخلف، وكل الكوارث التي تنزل بها؛لأن هؤلاء الحكام، لا يفكرون إلا في نهب خيرات الشعوب، وتهريبها إلى الأبناكالخارجية، واستهلاكها في الولائم الفاخرة، وفي رفع قيمة العقار، الذي صار، بسببذلك، بعيدا عن متناول ذوي الدخل المحدود. وهكذا، يتبين أن الحكومات المنفرزة عن انتخابات حرة،ونزيهة، لا يمكن أن تكون إلا في خدمة الشعب اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا،وسياسيا، لضمان تمتع الجميع بالحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية،باعتبارها أهدافا كبرى، يسعى الشعب العربي، في كل بلد من البلاد العربية، إلىتحقيقها، لضمان تمتع الجميع بالكرامة الإنسانية، التي هي الهدف الأسمى من وراءنضالات الشعوب، التي لا تتوقف أبدا. ونظرا لغياب المؤسسات التمثيلية الحقيقية، وما ينفرزعنها من حكومات، تكون مسؤولة أمامها، فإن المؤسسات التشريعية، والتنفيذية القائمةفي البلاد العربية، هي مؤسسات مزورة، وما ينفرز عنها، لا يكون إلا مزورا، نظرالكون سلطة الشعب غير حاضرة في المؤسسات المزورة. والحكومات القائمة في البلادالعربية، لا تخدم إلا مصالح الجهات التي قامت بعملية التزوير، أما الشعوب التي تزورإرادتها فلا قيمة لها. وغياب المؤسسات التمثيلية الحقيقية، في كل بلد من اليلادالعربية، جعل من المؤسسات القائمة، مجرد مؤسسات مزورة، لا تخدم إلا مصالح الحكام،ومصالح التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، ومصالح الأجهزة القمعية المختلفة،وكل السماسرة، والوصوليين، والانتهازيين، وناهبي الثروات الوطنية، والمهربين،وتجار المخدرات، وغيرهم ممن يلحقون الأضرار، التي لا تنتهي عند حدود معينة ،بالشعبفي كل بلد من البلاد العربية، وعلى جميع المستويات، وفي مختلف المجالات:الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وهو ما ترتب عنه استفحال أمرالفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي وقف وراء شدة الاحتقان،الذي أصبح يعرفه الشعب، في كل بلد من البلاد العربية، وشدة الاحتقان لا يمكن أنتقف إلا وراء المزيد من التأزيم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي وخلق استعدادلدى المتضررين من الشعوب العربية، وخاصة فئة الشباب، الذين يعانون من العطالة، ومنالتخلف، الذي يعيشونه، من أجل مواجهة ما يمارس على الشعوب في البلاد العربية،بالخروج إلى الشوارع، والاحتجاج السلمي على الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية،والثقافية، والسياسية، سعيا إلى فرض تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للكادحين،عبر إيقاف الفساد المتجدد، والمختلف، والمتفشي في البلاد العربية، ثم إلى المطالبةبالإصلاحات الدستورية، ثم إلى المطالبة بإسقاط النظام المستبد القائم، الذي يلجاإلى العنف، ويرفض تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للكادحين، ويتحايل علىالإصلاحات الدستورية، فكانت شرارة قيام البوعزيزي بإحراق نفسه في سيدي بوزيدبتونس، التي وقفت وراء تحرك الشباب في تونس، إلى درجة إسقاط النظام، وإيصال الرئيسوولديه إلى السجن في مصر، في أفق محاكمتهم، إلى جانب مجموعة من الوزراء السابقين،ورئيس ما كانوا يسمونه ظلما بمجلس الشعب، ليخرج الشباب إلى الشارع في الأردن، وفياليمن، وفي البحرين، وفي ليبيا، وفي الجزائر، وفي المغرب، وفي لبنان، وفي سوريا،وفي العراق، وفي السعودية، وفي عمان، ويرتعب جميع الحكام العرب، الذين شرعوا فيممارسة عملية التقتيل، في حق الشعوب في البلاد العربية، كما يفعل القذافي، وكمايفعل بشار الأسد، وكما يفعل علي صالح، وكما فعل أمير البحرين، بدعم من السعودية،وكما قد يفعل غيرهم؛ لأن فضح أشكال الفساد، التي تتفشى في البلاد العربية، التييحكمونها لا يرضيهم، كما أن الكشف عن كميات الثروات التي تنهب على أيدي الحكام،صار يرعبهم، ويثير حفيظة الشعوب التي تعاني من الظلم، والقهر، والاستبداد،والتخلف، والجوع، والمرض، والبطالة، وانعدام الأمن الاقتصادي، والاجتماعي،والثقافي، والسياسي، إلى جانب انعدام الأمن الجسدي. وما جرى في تونس، وفي مصر، ثم ما يجري في مختلف البلدانالعربية، ما هو إلا نتيجة لفرض الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وتغييب الحرية،والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. وهو ما يعني أن الأنظمة القائمة في البلادالعربية، لا ترعى إلا تنظيم عملية النهب اللا محدود لثروات للشعوب في البلادالعربية، كما توضح ذلك كل الوقائع التي تجري هنا، أو هناك. وما دامت الأنظمة المتبقية في البلاد العربية، لا تستجيبلإرادة الشعوب، فإن الثورة سوف تستمر إلى أن تتحقق مطالبها، وفي أعلى سقف ترفعه،وبالطرق السلمية. وإلا فإن المواجهة الثورية، لا بد منها، كما جرى في ليبيا. والدور الذي تلعبه ثورة الشباب، في أفق إيجاد مؤسساتتمثيلية حقيقية، كما يجري في تونس، وفي مصر، هو أن هذه الثورة السلمية، التي لاتلجأ إلى العنف أبدا، إلا في إطار الدفاع عن النفس، كما حصل في ميدان التحرير فيمصر، وكما حصل في تونس قبل ذلك، تلجأ إلى: 1) الاستمرار في التظاهر السلمي، وفي مختلف المدن،والقرى، حتى تحقيق المطالب المطروحة، وفي أعلى سقفها. 2) التدرج في المطالب المطروحة من مرحلة إلى أخرى،وانطلاقا من الشروط الموضوعية القائمة، ومن درجة تعبئة الشعب في كل بلد من البلادالعربية. 3) إسقاط كل مظاهر الفساد الاقتصادي، والاجتماعي،والثقافي، والإعلامي، والسياسي، إذا رضخ النظام إلى ذلك. 4) إسقاط النظام، إذا لم يرضخ للمطالب الهادفة علىاجتثاث كافة أشكال الفساد، كما حصل في تونس، وفي مصر. 5) تشكيل هيأة حماية الثورة، كما حصل في تونس، وفي مصر. 6) انتخاب مجلس تأسيسي، انطلاقا من قانون متوافق عليه،وتحت إشراف هيأة مستقلة، ومن أجل إيجاد دستور ديمقراطي شعبي، ترضى عنه الأطرافالمساهمة في إنجاح الثورة، ويصادق عليه الشعب. 7) إيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، عن طريق إجراء انتخاباتحرة، ونزيهة، وتحت إشراف هيأة مستقلة. 8) تشكيل حكومة من الأغلبية البرلمانية، تكون مسؤولةأمام البرلمان، المنفرز عن انتخابات حرة، ونزيهة، من أجل أجرأة البرنامجالانتخابي، الذي صادق عليه الشعب، والعمل على تحقيق الحرية، والديمقراطية،والعدالة الاجتماعية. 9) العمل على ملاءمة القوانين الوطنية، مع المواثيقالدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، لضمان تمتيع جميع أفراد الشعب، بحقوقهمالاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. 10) إلزام الحكومة بمحاربة كل أشكال الفساد المتوقعةمستقبلا، لإكساب الشعب مناعة ضد الفساد، ولتمكين أفراده من التمتع بكافة حقوقهم. وبذلك، يتبين أن دور ثورة الشباب لا يكون إلا لصالحالشعب، في كل بلد من البلاد العربية، وهو ما يعني ضرورة وعي الكادحين بهذه الثورة،وضرورة التفافهم حولها، من أجل: أولا: حمايتها من هجوم الأنظمة المستبدة عليها. ثانيا: تقويتها، حتى تتحول إلى قوة مؤثرة في الواقعالاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. ثالثا: تحويلها إلى ثورة دائمة، تكون مهمتها حمايةالمكتسبات المتحققة، وفرض تحقيق مكتسبات جديدة، لصالح الشعب في كل بلد من البلدانالعربية. وفي حلة قيام مؤسسات تمثيلية حقيقية، فإن ضمانات عدمتسخيرها لخدمة المصالح الخاصة للحكام، ولأجهزة الحكم، وللطبقات المستغلة، المتمثلةفي التحالف البورجوازي الإقطاعي، ولصالح المستفيدين من كل أشكال الاستغلال المادي،والمعنوي للشعب، في أي بلد من البلاد العربية، تتمثل في: 1) إيجاد أجهزة المراقبة الشعبية، على مدى الترابالوطني، تكون مهمتها رصد ممارسة المؤسسات المنتخبة، وممارسة المنتخبين محليا، أوإقليميا، أو جهويا، ورصد علاقاتهم مع أجهزة السلطة، ومع المستثمرين، وتسجيل مايلاحظونه، والتبليغ عنه إلى الجهات المعنية، التي تكون ملزمة بإجراء بحث في الموضوع،والقيام بالإجراءات الضرورية، لإيقاف ممارسة المؤسسة التمثيلية، أو ممارسة أي شخصينتمي إليها، لوضع حد لخدمتها، أو لخدمته لجهة معينة، غير الشعب، الذي أنتجها، أوأنتجه، من أجل التمثيل في المؤسسات المنتخبة: المحلية، والإقليمية، والجهوية،والوطنية، ومن أجل القيام باتخاذ القرارات، والإشراف على تنفيذها محليا، وإقليميا،وجهويا، وإصدار التشريعات الضرورية، والمناسبة، وإعادة النظر في التشريعات المعمولبها وطنيا. ذلك أن الشعب في أي بلد عربي، عندما ينتخب مؤسسات معينة،لا ينتخبها من أجل التفرغ لخدمة مصالحها، ونهب الثروات العمومية، كما هو حاصلالآن، وكما يظهر ذلك من خلال ممارسة الأعضاء، المنتمين إلى مختلف المؤسساتالمنتخبة، الذين ينتخبون، وهم لا يملكون أي شيء، ثم يتحولون، وبالسرعة الفائقة،إلى ذوي ثروات هائلة، ينهبونها من الجماعات المحلية، أو الإقليمية، أو الجهوية، أوعن طريق الامتيازات التي تقدم لهم، وعن طريق ما صار يعرف باقتصاد الريع، حتىيصيروا في خدمة مصالح الحكام، وأزلامهم، والمنتفعين من العمالة للحكام. ولذلك، نجد أن إيجاد أجهزة المراقبة الشعبية، لتتبعممارسات الأجهزة المنتخبة، والأعضاء المنتخبين، يعتبر ضروريا، حتى تتجنب الأجهزةالمنتخبة أن تكون في خدمة غير الشعب، الذي انتخبها. 2) أن يكون التصريح بالدخل، وبالممتلكات،من شروط الترشيح للانتخاب في المؤسسات التمثيلية، والمرور إلى المحاسبة، بعدمغادرة المؤسسة المنتخبة، أو عند انتهاء المؤسسة التمثيلية، أو عندما يرغب العضوفي إعادة ترشيح نفسه، لأن عدم التصريح بالممتلكات، وعدم المحاسبة، هو الذي يجعلالتواجد في المؤسسات مناسبة للاغتناء السريع، عن طريق نهب الثروات الجماعية،والاستفادة من الامتيازات التي تقدم كرشوة للأعضاء، كأعضاء، ولمسؤولي المجالسالمختلفة، من أجل أن يصيروا في خدمة الحكام، وأذنابهم، وعملائهم، مهما كانمستواهم. فالتصريح بالممتلكات قبل الترشيح المجالس المنتخبة،والمحاسبة قبل مغادرتها، أوقبل انتهاء مهامها يعتبر مسألة أساسية لتحصين المؤسسات المنتخبة حتى لا تنحرف فياتجاه التنكر لخدمة مصالح الشعب. 3) تنظيم دورات للتربية على حقوق الإنسان: الاقتصادية،والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، لأعضاء المؤسسات المنتخبة فيمستوياتها المختلفة، حتى يكون جميع الأعضاء واعين بحقوق الإنسان، وبدورهم فيالمحافظة على تمتيع جميع أفراد الشعب بها، من خلال القرارات يتخذونها، ومن خلالالتشريعات التي يصدرونها، ومن خلال العمل على ملاءمة القوانين الوطنية، معالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. فتنظيم الدورات التكوينية، ودورات التربية على حقوقالإنسان، بالنسبة لأعضاء المؤسسات الجماعية، والبرلمانية، يجعل الأعضاء على بينة ممايصدر عن المؤسسة المنتخبة، التي هم أعضاء فيها. وهل يحترم تمتيع أفراد الشعب بالحقوق الإنسانية:الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؟ أم أنه يؤدي إلى مصادرة تلك الحقوق، حتى لا يتناقض أعضاءالمجالس المنتخبة مع كونهم يمثلون الشعب في المؤسسات المنتخبة؟ وبالتالي، فإن قيام التناقض بين تمثيل الشعب، وبينالوقوف وراء مصادرة مختلف حقوق أفراده، يؤدي إلى نتيجة أساسية، ومهمة. وهي أنممثلي الشعب في المؤسسات المنتخبة، لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا يرعون إلا مصالحهم،ولا يخدمون إلا مصالح الحكام، وأذنابهم، ومن يدور في فلكهم على جميع المستويات،كما هو حاصل الآن في كل بلد من البلاد العربية. ذلك ان المؤسسات الجماعية، والبرلمانية القائمة الآن، هيمؤسسات مزورة، لا تمثل الشعب أبدا، ولا يمكن أن نقبل كونها تمثل الشعب؛ لأن الشعبلم يختر أعضاءها، بقدر ما تم تصعيدهم إلى مختلف المجالس عن طريق ممارسة التزويرالمكشوف، الذي تشرف عليه وزارة الداخلية في كل بلد من البلاد العربية، وهو ما يعنيأن الشعب لا يد له في اختيار من يدعون أنهم يمثلون الشعب في المجالس المذكورة،وكما يؤكد الواقع ذلك، فإن أعضاء مختلف المجالس لا يعرفون: ما هي حقوق الإنسان؟ وما هي آليات تفعيلها من خلال المجالس التي يتواجدونبها؟ وما العمل من أجل صيرورتها محترمة في المجالاتالاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؟ وكيف نجعل تلك الحقوق في متناول جميع أفراد المجتمع؟ وعدم معرفتهم تلك، هي التي تجعل ما يصدر عن المجالسالجماعية، ومجلس البرلمان، يقف وراء مصادرة حقوق الإنسان المختلفة، مما يجعل جميعأفراد الشعب محرومين منها. ولذلك، كانت دورات التربية على حقوق الإنسان، بالنسبةلأعضاء المجالس الوطنية، والمحلية، ضروريا؛ لأنه يضع هؤلاء الأعضاء أماممسؤولياتهم التاريخية، فإما أن يكونوا فعلا ممثلين للشعب، في كل بلد من البلادالعربية، وإما أن لا يكونوا كذلك؛ لأنه في حال قيام انتخابات حقيقية، سوف يحاسبهمالشعب على ما قاموا به في حقه. وإلا فإن مصيرهم السجن، على ما اقترفوه في حقه. 4) تنظيم دورات تكوينية على المستوى القانوني، حتى تصيرلهم معرفة محملة بالقوانين المعمول بها، في كل بلد من البلاد العربية، ومن أجلمعرفة: هل القوانين المعمول بها متلائمة مع المواثيق الدوليةالمتعلقة بحقوق الإنسان، أم لا؟ ومن أجل أن يسعوا إلى ملاءمتها مع تلك المواثيق، حتىتتحول إلى وسيلة لتمتيع جميع الناس، بجميع الحقوق.