استنكر المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية التركية إلى ليبيا، أمر الله إيشلر، مقتل 21 مصريًا، ذبحًا، على يد عناصر تنظيم "داعش" في ليبيا، وقال: "إن هذه الجريمة النكراء ضد الإنسانية جمعاء، أظهر تنظيم داعش الإرهابي من خلالها مرة أخرى، حقيقة أنه مشكلة تواجه العالم بأسره، ذلك العالم الذي يجب عليه التعاون لإيجاد حلول فاعلة، تضع حداً لمشكلة الإرهاب". جاء ذلك في لقاء أجراه إيشلر، مع مراسل الأناضول في العاصمة التركية أنقرة، وأضاف: "إن نشوء تنظيم إرهابي كتنظيم داعش، يعود إلى السياسات الخاطئة التي انتهجتها الدول الغربية في العالم الإسلامي، كما أن الأحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا والدنمارك أخيراً، تدل على امتداد مشكلة الإرهاب بشكل فعلي إلى الدول الغربية، لذا على الدول الغربية التعاون والمساهمة بغية إيجاد حلول لهذه الظاهرة. كما ينبغي على تلك الدول ترك السياسات المبنية على أسس المصالح والفوائد المحضة جانباً، والعمل على تحقيق توافق يؤدي إلى جمع الجهود الرامية لمكافحة الإرهاب، وجميع مموليه وعلى رأسهم نظام الأسد، وإلا فإن المنطقة لن تتخلص من تجدد ظهور تنظيمات جديدة أخرى على غرار داعش، وستبقى الشعوب الغربية تستشعر دنو خطر إرهاب محتمل في كل لحظة". وشدد إيشلر على أن تركيا، تقف دائماً إلى جانب الشعب الليبي بشرائحه كافة، وأنها لا تفضل أبداً أي جماعة أو طرف في ليبيا على أيّ جماعة أو طرف آخر، لأنها عندما تنظر إلى ليبيا، لا ترى أنها عبارة عن آبار من النفط، بل نرى فيها وشائج الأخوة والتاريخ والدين والثقافة المشتركة، التي تربط الشعبين التركي والليبي، فضلاً عن أن تركيا تعمل بكل جهدها في سبيل تحقيق الاستقرار والرخاء في ليبيا من خلال ترسيخ دعائم الحوار السليم والشامل، وستواصل العمل في هذا الصد. ولفت إيشلر إلى وجود بعض الأطراف الساعية لاستغلال الأحداث الجارية في الشارع الليبي، وتحقيق أجنداتها والتدخل في الشأن الليبي، مؤكّداً على أن تركيا لن تقبل أبداً بذلك النهج، وستواصل وقوفها إلى جانب الشعب الليبي، وستواجه جميع المحاولات الرامية لإجهاض الدور البناء والإيجابي الذي نقوم به في الملف الليبي، وستواصل مد جسور التواصل مع جميع الأطراف في ليبيا، لأن وحدة ليبيا واستقرارها أمر أساسيٌّ بالنسبة لها، وقال: "إن أي تدخل عسكري خارجيّ في المسألة الليبية، سيتولد عنه تعميق للأزمة القائمة، وتوسيع لرقعة المشاكل في عموم البلاد". وتابع إيشلر: "إن دور تركيا في الملف الليبي يواجه حملة تضليل خطيرة، من بعض وسائل الإعلام، التي تقوم بنشر أنباء تدّعي من خلالها وجود دعم تركي لجماعات متطرفة، إن تركيا وحزب العدالة والتنمية لم يقدم أي دعم لأي من الأحزاب التي تأسست في الدول العربية، والعلاقات القائمة بين حزب العدالة والتنمية مع جميع الأحزاب الموجودة في العالم العربي لا تختلف عن العلاقات التي يقيمها الحزب مع بقية الأحزاب الموجودة في مختلف بلدان العالم، فضلاً عن أن تركيا، لا تُظهر تقارباً من أي حزب سياسي أو جماعة، استناداً إلى أيديولوجية دينية معينة، كما أن العلاقة التي أقمناها مع النظام السوري قبل مرحلة الربيع العربي خير دليل على ذلك". وحول الإدعاءات التي تناولت وجود علاقات خاصة بين حزب العدالة والتنمية في تركيا وجماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي، قال إيشلر: "إن جماعة الإخوان المسلمين لا تمتلك وجوداً في تركيا باستثناء بعض المتعاطفين. ومع لأسف، فإن قسماً من الصحافتين العربية والغربية على حد سواء، سعى من خلال عمليات التضليل الإعلامي لإظهار جماعة الإخوان المسلمين كجماعة تمتلك ثقلاً كبيراً في الشارع التركي، وحزب العدالة والتنمية، على أنه امتدادٌ لجماعة الإخوان المسلمين في تركيا، إن ولادة حزب العدالة والتنمية جاءت استجابة للتطورات الديناميّة الداخلية في تركيا، وقدرة الحزب على زيادة أصواته الانتخابية في مختلف الانتخابات التي شهدتها الساحة السياسية في تركيا، ما هي إلا إشارة إلى أن الحزب تمكن من تلبية الاحتياجات والمطالب الشعبية. فضلاً عن أن الحزب تكوّن استناداً إلى أفكاره وخبراته الخاصة، لذلك لا يمكن ربطه بأي حزب سياسي أو اعتباره امتداداً أيديولوجياً لأي حزب في تركيا أو العالم، وكل ما يساق بخلاف ذلك فهو يندرج ضمن عمليةٍ ل"إدارة وتوجيه الرأي العام" التي تشن ضد تركيا "لإفشال دورها، الذي يستند في سياساته إلى تفعيل جميع الوسائل والآليات الديمقراطية في تداول السلطة، وتوفير الإمكانات الكفيلة بتفعيل العمل الديمقراطي، والخروج من إطار الشعارات، وترجمة الأقوال إلى أفعال على أرض الواقع". واستطرد قائلاً: "لقد واجه حزب العدالة والتنمية خلال تجربته مشكلة تتعلق بتعريف العلمانية، نحن كحزب ليس لدينا أي مشكلة حول المعنى الحقيقي للعلمانية، حيث تمكنّا عبر سياساتنا التي انتهجناها، من وضع تعريف دقيق للعلمانية، ولأسس التوازن العلماني – الديمقراطي، مظهرين أن العلمانية ليست ديناً أو عقيدة، إنما هي مفهومٌ يعلي من سيادة القانون، عندما يذكر مصطلح العلمانية اليوم في تركيا، يتبادر فوراً إلى الأذهان مبدأ وقوف الدولة على مسافة متساوية من جميع الأديان. هكذا ينظر إلى العلمانية في تركيا، وهذا هو مفهومنا تجاهها أيضاً، أما إذا تم تناولنا هذا المفهوم على أنه الدنيويّة (التي تنفي وجود الميتافيزيقيا والدين)، فلن يكتب له النجاح، ولن يشهد النور في الشرق الأوسط، الذي يعد مهبط جميع الأديان السماوية، الذي تُولي شعوبه قدراً كبيراً من الاحترام للدين. وفيما يتعلق بقضية تنظيم داعش الإرهابي، أضاف إيشلر: "أود في البداية التأكيد على أن تنظيم داعش، ما هو إلا نتيجة للسياسات الخاطئة والمنحازة، التي انتهجتها الولاياتالمتحدة الأميركية ومن تلبّد بها من القوى المؤثّرة في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، فإن ما تشهده المنطقة من أحداث لا تعتبر الأولى عبر التاريخ، فالقوى التي أتت إليها حاملة معها وعود تحقيق الديمقراطية، لم تجلب إلى المنطقة ما وعدت به من تحول ديمقراطي، بالرغم من السنوات العشر العجاف التي مرت، تلك السنوات التي لم تهدأ فيها حالة اللا استقرار، ولم يغب عنها شبح الموت. لقد لفتت تركيا انتباه العالم مراراً وتكراراً وفي جميع المناسبات ومن على جميع المنابر الدولية، نحو تنامي الجماعات المتطرفة في المنطقة، إلا أن العالم الغربي لم يعر أي انتباه لتلك الجماعات، طالما أنها لا تشكل أي ضرر على مصالحه، وذلك ينطبق على مسألة داعش أيضاً، أما اليوم فأظهرت الوقائع أن داعش ليست مشكلة تتسبب بالضرر لتركيا فقط، بل هي أزمة تلقي بظلالها الثقيلة على العالم أجمع، والخطر المتولد عنها، يهدد العالم الغربي بنفس القدر الذي يهدد فيه تركيا. ثم من الذي يستطيع ضمان عدم قيام داعش بعملياتٍ تتسبب بمقتل عدد كبير من المدنيين، أسوة بعمليات تنظيم القاعدة، خصوصاً أن عمليات قتل الصحافيين الغربيين على يد داعش كانت تحتوي على رسائل موجّهة تشير إلى ذلك، وفي هذا الإطار ينبغي علينا أيضاً عدم إغفال قضية سفر الكثير من مواطني الدول الغربية نحو الشرق الأوسط، بهدف الانضمام إلى تنظيم داعش، في ظل ما سبق من معطيات، ينبغي على العالم الغربي ترك سياساته المبنية على أسس المصالح والفوائد المحضة جانباً والعمل على تحقيق توافق يؤدي إلى جمع الجهود الرامية لمكافحة الإرهاب، وجميع مموليه وعلى رأسهم نظام الأسد، وإلا فإن المنطقة لن تتخلص من ظهور تنظيمات جديدة أخرى على غرار داعش، كما أن الشعوب الغربية ستبقى تستشعر دنو خطر إرهاب محتمل في كل لحظة". وحول مرحلة الربيع العربي، نوه إيشلر إلى أن مرحلة الربيع العربي التي فاجأت العالم تم تحويلها في سوريا إلى "أزمة يمكن التحكم بها"، وذلك بعد التدخل في مساراتها على صعيد الملف الليبي، لأسباب دولية وإقليمية، وقال: "ينبغي علينا إجراءُ تشخيصٍ للأحداث التي تشهدتها المنطقة، وأنا شخصياً أرى أن المعضلة الأكبر التي تقف وراء الأحداث الجارية في العالم العربي تكمن في التقييمات السياسية الظرفية". حيث إن الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية خلال ثلاث سنوات ونصف مضت، امتلكت خلفيات تاريخية، وجاءت نتيجة لتفجر ديناميات تراكمت عبر سنين طويلة، فقد سبق اندلاعُ أحداث الربيع العربي، مجموعة من الحوادث التي كانت بمثابة نذير لاقتراب مخاض عسير، نستطيع القول إن حركات مثل "انتفاضة الخبز"، التي شهدتها مصر قبل أكثر من ثلاثين عاماً، بسبب صعوبة العثور على مادة الخبز، التي تعتبر المادّة الغذائية الأساسية للسكان. وانتفاضة الأكراد السوريين عام 2004 وما عرف آنذاك ب"أحداث القامشلي"، كانت بمثابة تحذيرات أنذرت بقدوم الربيع العربي، وقال: "إن التعليقات والأطروحات التي تتحدث عن دعم تركي للحركات الإسلامية، لا تعدو كونها محاولة حرف لمسارنا المتجه نحو الهدف، وعملية إيهام تستند إلى أدلّة واهية. إن دعم تركيا للمطالب الديمقراطية في المنطقة، تم إظهاره كما لو أنه دعم لجماعات ذاتِ خلفيات إسلامية، برزت في أعقاب مرحلة الربيع العربي. وبالتالي عملت بعض الأطراف على خلق تصور بعيد من الواقع، يظهر أن تركيا، خصوصاً حزب العدالة والتنمية، تعمل على تأسيس علاقات تستند إلى وشائج أيديولوجية مع الأحزاب الوليدة في دول الربيع العربي".