ساهمت أحداث قتل صيدلانية مصرية شابة تبلغ من العمر 32 عامًا على يد مواطن ألماني بسبب ارتدائها للحجاب. ورفض النقاب في فرنسا بلد الحريات وحقوق الإنسان، وإلغاء المآذن في سويسرا، وغيرها من مظاهر الرفض والممانعة الأوروبية لكل ما هو إسلامي في تكوين صورة سلبية لدى المثقف العربي عن الثقافة الاوروبية ومدى استيعابها للآخر الديني . وفي هذا الكتاب: ما وراء الحرب الأوروبية على الحجاب والنقاب، الصادر عن مكتبة بيروت يحاول الباحث المصري ممدوح الشيخ أن يحلل الثقافة الغربية من منظور نقدي حضاري مشيرا إلى أصوليتها العلمانية المتعصبة، وتشنجها وعدوانيتها التي تصل إلى حد ممارسة كافة أشكال الإرهاب المادي والمعنوي إزاء الآخر الديني والثقافي والحضاري. ويرى الشيخ أن الزي الإسلامي أصبح رمزاً من رموز المواجهة بين العالم الإسلامي وأوروبا، "حيث كشفت التجربة عن أن المحيط الأطلنطي أصبح يفصل بين تشكيلين حضاريين تزداد المسافة بين موقف كل منهما من الدين، فبينما تزداد أميركا تديناً تزداد أوروبا ابتعاداً عن الدين وتقييداً لدوره في الشأن العام". وأوضح أن الشجب والغضب تعبيران عاطفيان – وهما يستحقان التقدير – لكن الفهم قد يكون أعمق أثراً، وبخاصة بالنسبة إلى المستقبل، لافتا إلى أهمية تقصي جذور الأزمة في موقف الثقافة الأوروبية، من الآخر الديني وبخاصة الثقافة الفرنسية التي وضعت الثورة الفرنسية حجر أساسها . المسلمون واليهود في سلة واحدة!! وأشار المؤلف إلى أن الحرب على الحجاب والنقاب هي إعادة إنتاج ل "المسألة اليهودية"، ولتاريخ عنصري قديم كان الإسلام واليهودية فيه يشكلان في الوعي والوجدان الأوروبي عدوا دينيا، مشيرا إلى أن أزمة الثقافة الأوروبية مع الدين بدأت في عصر التنوير الذي ظهر فيه مفهوم جديد للدين سرعان ما أصبح جذراً لسلسة من التعريفات التي لا ينطبق أي منها على الأديان السماوية، وبخاصة الإسلام واليهودية. وأكد أن العلمانية الأوروبية تحولت إلى أصولية تتشابه في ممارساتها وطقوسها إلى حد كبير مع بعض الممارسات الدينية حتى أن بعض علماء الأديان الأوروبيين – بحسبه - اقترح النظر إلى العَلمانية على أنها دين غير سماوي !! وقال: "تستند العَلمانية إلى مسلمات عن الخير والشرّ وتُعلي خيارات أخلاقية مثل تأكيد النفعية أو نفيها، وهذا موقف فلسفي واختيار ثقافي لا تُجلب إليه الأدلة، بل يقبل أو يرفض وليس له دليل عقلي أقوى من الأدلة العقلية على غيره من المعطيات الفلسفية. وأضاف: تتضمن العَلمانية مسلّمات حول وظيفة الإنسان في الكون ودوره، وحول طريق السعادة الأمثل، وحول طريقة العيش الرغيد، وكل هذه مسبقات مفترضة يمكن أن تُستجلب إليها الأدلة ولكن لا تُبنى على الأدلة. وتابع: تشمل العَلمانية الحديثة إيماناً بنوع من الغيب الأرضي، فمفهوم الندرة الاقتصادي أو مفهوم البقاء للأشرس الاجتماعي أو مفهوم نهاية التاريخ، إنما هي غيبيات تُصاغ بشكل علمي وتُستدعي إليها الدلائل بشكل انتقائي. ويرى المؤلف أن العَلمانية ليست أقل تدخلاً من الدين في حياة الناس الخاصة، لافتا إلى أن النظم العلمانية لم تحقق سلاماً أكثر من غيرها، حيث تؤكد التجربة التاريخية أن الحروب الحديثة التي خاضتها الدول تحت رايات غير دينية وعدد الضحايا التي أسقطتها يفوق ما راكمته البشرية في عصور طويلة. ويقول: "حين نقارن بين الحرية في النظم المتعسفة الدينية والحرية في النظم المتعسفة العلمانية أو اللادينية، والحرية في النظم الدينية المتسامحة ربما يجب علينا الكفّ عن إلصاق العناوين الكبيرة التي تستعمل عبارات "علماني" و"ديني" في وصفٍ شمولي غير دقيق، فكل ديني فيه إجراءات عَلمانية، وكل علماني فيه مسلّمات ميتافيزيقية" !! وفي هذا السياق يشير المؤلف أن معظم المؤسسات الحقوقية الدولية، والأمم المتحدة، وبعض العواصم الإنغلوسكسونية، وبعض كنائس أوروبا، وبعض جهات التمثيل الديني اليهودية في أوروبا، كانت خلال الأزمات المتكررة للإسلام في أوروبا أكثر احتراماً وتعاطفا مع المسلمين من كثير من العلمانيين العرب!!