تلقيت رسالة عتاب من القارئ " رامى مصطفى " لامنى خلالها بشده على عدم تطرقى لاولاد الشوارع فى المقالات الاربع ، التى افسحت بوابة الوفد صدرها لنشرها على التوالى بهذا المكان خلال الاسابيع الماضية حول الاسرة المصرية ، والمخاطر الاجتماعية التى باتت تهدد اسرتنا المصرية بالتفكك والضياع ، وقال لى " لقد اسقطت اطفال الشوارع من حسابات الاسرة المصرية ، وكان يجب ان تركزى على هؤلاء لما لهم من حق على المجتمع وهم يعيشون على هامش الحياة ولا يكاد يذكرهم احد " . ورغم انى تناولت كارثة اولاد الشوارع فى اكثر من مقام ومقال ، كما تناولها عشرات الكتاب غيرى ، وكانت الوفد من اوائل الصحف الرائدة التى ركزت على اولاد الشوارع وطالبت بحل مشكلتهم بصورة جذرية فى صفحات التحقيقات والحوادث وغيرها ، الا انى اقف بجانب القارئ العزيز رامى ، بان قضية اولاد الشوارع لا يجب ان نتوقف ابدا عن تناولها ودراستها وطرح الحلول للقضاء عليها ، حتى تنتهى تماما تلك الظاهرة المرعبة التى تهدد اجيالا متتالية بالانحراف وتدفع بهم الى عالم الجريمة . وقد تلاحظ لنا جميعا ان اولاد الشوارع اختفوا تقريبا من الطرقات واشارات المرور فى ايام الثورة والايام التالية لها ، بصورة لم نعرف اسبابها ، ولا اجد لها تفسيرا ، سوى انه تم تأجير هؤلاء لاثارة الخوف والبلطجة والرعب فى بعض الاماكن بمصر خاصة القاهره ، وان تأجيرهم كان من قبل فلول الحزب الوطنى واذناب النظام البائد . لذا كنت اجد جماعات من الصبية ابان الثورة فى مناطق البساتين ، مصر القديمة ، الدويقة ، عزبة خير الله ، جزيرة الدهب ، الساقية ، منشية ناصر وغيرها من المناطق التى تضج بالمقابر والعشوائيات ، وهم يسيرون جماعات مسلحين بالهروات والعصى والاسلحة البيضاء ، لاثارة الرعب وشن الهجمات على المناطق الآمنه ، وعلمت انه كان يتم منح كل منهم وجبة دجاج " لم يذوقوا طعمها من قبل " وخمسون جنيها يوميا من اجل حمل السلاح ، والسير جماعات واثارة الرعب والبلطجة ورغم صغر سن هؤلاء ، الا ان سيرهم فى ميليشيات مسلحة كان امرا مثيرا للرعب بكل الاحوال . ثم بعد ان هدأت البلطجة نسبيا ، وتراجعت ميليشيات الاطفال والمراهقين ، بدأت تعود ظاهرة اطفال الشوارع تدريجيا ، لذا لم تقض الثورة على وجود هؤلاء ، بل تم توجيههم وجهة اخرى بفعل انعكاسات الثورة ، ومحاولات فلول النظام اجهادها واجهاضها ، وتحويل مسارات اهتمام الشعب الى مناحى اخرى كالتصدى للعنف والبلطجة وغيرها . لذا ظاهرة اطفال الشوارع قائمة ولم تتراجع او تنتهى ، فما هو الحل ، الحل ليس فى القبض على هؤلاء وايداعهم مؤسسات رعاية الاحداث ليخرجوا منها اشد اجراما واشد نقمة على المجتمع ، الحل هو فى تأهيل هؤلاء ليصبحوا عناصر مفيده وفعاله فى المجتمع ، لا عناصر هامشية ضارة ومهددة لامن المجتمع . الحل فى تكاتف المؤسسات الاجتماعية والاهلية المعنية بالطفولة والمساعدات الانسانية فى تبنى حالات هؤلاء ، تصنيفهم فى فئات او مجموعات لتدريبهم عن حرف مختلفه ، نجاره ، حداده ، ميكانيكا السيارات ، تصنيع الاثاث والسجاد ، وغيرها ، مع فرز من لديه رغبة حقيقية فى التعليم ، والحاقة بالمدارس او بفصول خاصة تكون فرعية وتابعة لمدارس قومية بعينها ، وذلك ليبقى هؤلاء الاطفال تحت رقابة ورعاية المؤسسة الاجتماعية الخيرية ولا يعودوا للشارع . الحل فى ان نبادر بعمل حملة المليار من اجل اطفال الشوارع ، على غرار الحملة التى اعلن عنها الفنان محمد صبحى من اجل العشوائيات ، فاطفال الشوارع اغلبهم سكان العشوائيات ، وان تكون حملة التبرعات من اجل اولاد الشوارع موجهة فى طريقين ، الاول مساعدة اسر هؤلاء الاطفال ماليا حتى لا تدفعهم اسرهم الى الشارع ليتلقفهم الانحراف ، ثانيا ، مساعدة الطفل نفسه لتعلم حرفة او مهنه او استكمال التعليم . واطالب هنا المصريين المهاجرين الاثرياء ، ورجالات الاعمال فى مصر ، واصحاب الشركات والمؤسسات التجارية الكبرى ، ان يخصصوا شهريا ولو مبلغ بسيط لحملة انقاذ اولاد الشوارع ، وان يتم تسمح الدولة باستقطاع مبالغ المعونات من الضرائب السنوية المستحقة على هؤلاء من رجالات الاعمال وغيرهم . الحل ان يتم عمل اسواق شعبية او معارض خاصة باولاد الشوارع ، اى ان يتم تجميعهم ، وارشادهم لبيع منتجات بعينها فى هذه الاسواق المحدده ، وان يقصد المواطنون هذه الاسواق من اجل الشراء ومساعدة الاطفال على الكسب الحلال ، اى بدلا من تحويل مصر كلها الى سوق مشاع يبيع فيه اطفال الشوارع المناديل والسلع التافهة ، نحدد لهم اسواق او معارض دائمة او حتى سرادق بسيط ، يبيع فيه هؤلاء سلعهم التى ينتشرون بها فى الشوارع ، او ما ينتجونة بايديهم من اعمال ، على غرار مشروعات الاسر المنتجه ، وان يكون هذا المعرض او السوق بالتالى نواة تسترشد بها المؤسسات الاجتماعية الخيرية فى حصر هؤلاء والوصول اليهم لمساعدتهم بصورة حقيقية . فالماذ لا يقام مثلا بكل حى من الاحياء الفقيرة سوق شعبى صغير يبيع فيه هؤلاء الاطفال سلعهم ، ويقصدهم الناس بدلا من ان يقوم هؤلاء بمطاردة المارة فى الشوارع ، الحل ايضا فى ان يبادر كل مواطن مصرى ، بجوارة اسرة فقير معدمة ، لديها حفنة من الاطفال الجوعى ، ان يبادر بمساعدة تلك الاسرة بكل ما يقدر عليه ، وان يدعو الاخرين ممن يعرفهم لمساعدتها ، حتى تتمكن من رعاية اطفالها ، لو فعل كل منها ذلك ، لتراجعت بل اختفت ظاهرة اولاد الشوارع . الحل فى ان تسعى الاسر الثرية او القادرة التى لم يكرمها الله بانجاب طفل ، ان تسعى لتبنى اى من اولاد الشوارع ، تحتضنه ، تعلمه لوجه الله ، تكسب فيه الثواب ، فهو لا يقل حاجة عن الرعاية والعناية التى يحتاج اليه ويجدها الاطفال الايتام فى دور الايتام العديدة بمصر ، والتى يتم انفاق الملايين عليها من التبرعات والعونات الخيرية ، فكم من طفل يتيم رغم بقاء والديه على قيد الحياة ، يتيم من الرعاية و الحماية والحنان. الحلول كثيرة ، ولكن المهم من يقرأ ويسمع ويبدأ فى التنفيذ ، وانا من موقعى هذا فعلت ما يمكننى فعله طرح الافكار والحلول القابلة للتنفيذ ، فهل من منفذ ، ان لم نبادر جميعا كل فى موقعة بالاسهام فى حل مشكلة اطفال الشوارع ، ستظل تلك الظاهرة وصمة عار فى جبين الوطن فى جبين الثورة ، فى جبيننا جميعا ، وسيسألنا الله عن هؤلاء جميعا فى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .