بقدر ما كانت «لهفة» المصريين بادية على تصرفاتهم «الرسمية» الخاصة باسترداد مصر لأموالها التى خرجت منها لتستقر فى بنوك دول أجنبية تخصص البعض منها فى تبنى إخفائها لحقيقة الثروات التى نزحت من مصر، ووثوب مصر «الرسمية» لاستردادها كون انها تخص الحكام وأتباعهم ممن أطاحت بهم تغيرات الأوضاع المصرية فى عام 2011 وانتهت إلى الإطاحة بالنظام السياسى المصرى كله برئاسته ورموزه، بقدر ما كانت هذه اللهفة قد واكبها انفلات لا يقل عما عانته مصر فى مختلف شئونها الأمنية والسياسية والاجتماعية التى استهلكت منا ثلاث سنوات من المعاناة التى لم تخف حدتها كثيراً إلا بعد أن أخذ النظام السياسى الجديد فى الاستقرار بدستور جديد ورئاسة جديدة على الطريق نحو انتخابات نيابية جديدة ندخل فيها خلال الشهور الثلاثة القادمة، وقد أخذ الانفلات الذى أحاط بالرغبة المصرية فى استرداد أموالها ألواناً شتى ارتبطت فيما بينها لتنتهى بنا فى نهاية ثلاث سنوات إلى اننا لم نستطع استرداد مليم واحد مما شاع ان هذه الأموال الضخمة بالعملات الحرة التى سربها أصحابها إلى البنوك الأجنبية!، وقد تمثل هذا الانفلات المتلهف فى أن أرقام هذه الأموال قد وصلت إلى أسقف فلكية فى تقديره، ويكفى فى هذا العودة إلى من روجوا فى أعقاب تخلى الرئيس السابق مبارك عن حكم مصر إلى أن هذا الرئيس قد بلغت ثروته المهربة إلى خارج مصر 70 مليار دولار!، وتلقف المجلس العسكرى الذى حكم البلاد مؤقتاً بعد غياب «مبارك» الأرقام التى شاعت حول ثروة الرئيس وتبعتها شائعات أخرى عن ثروات معاونيه ليشكل المجلس العسكرى لجنة قضائية مكونة من قضاة جهاز الكسب غير المشروع ولتبدأ هذه اللجنة علي الفور عملها- الذي استمر ثلاث سنوات- بحصر الأموال بأرقامها المعلنة، وترحال أعضاء هذه اللجنة إلى العواصم التى اقتنت أموال مصر المهربة لإجراء مفاوضات شاقة - أثبتت عدم جدواها فيما بعد - حيث رأت الدول التى حازت بنوكها هذه الأموال فى وضع شروط قاسية - وبعضها تعنت- لكى تفرج عن الأموال المصرية، وكان ضمن هذه الشروط أن تقدم مصر أحكام قضائية بإدانة الذين هربوا هذه الأموال، وأن تكون هذه الأحكاما نهائية وباتة، وهو الأمر الذى لم يتحقق حتى الآن على الأقل بالنسبة لرأس الدولة مبارك!، ولم يكن ذكر لجنة استرداد الأموال الذى بدا مشتعلا إلا أن تخمد ناره، بتوارى سيرة اللجنة وأعمالها إلى حد الاختفاء!، كذلك اختفى ذكر اللجنة الشعبية- أظن أن هذا كان اسمها - للنضال من أجل استرداد هذه الأموال!. حتى فقد الشعب المصرى أمله تماما فى استرداد أية أموال لمصر!. وقد نشرت جريدة الشروق الصادرة أمس فى صفحتها الأولى أن مصادر بوزارة العدل قد صرحت بأن هناك مشروع قانون لاسترداد الأموال المهربة إلى خار ج مصر يجرى إعداده حاليا، وبهدف تشكيل لجنة جديدة بصلاحيات موسعة وهيكل مؤسسى واضح، وأن وزارة العدل قد أرسلت المشروع إلى مجلس الدولة لمراجعته فى قسم التشريع، فإذا كنت قد أحسنت الظن بما طالعته فى جريدة الشروق، فإننى أهيب بوزارة العدل التركيز أولا على تقديرات حقيقية ينبغى التوصل إليها لما جرى تهريبه من الأموال، وأن تكون هذه التقديرات موثقة، كما أن وزارة العدل يمكن لها أن تجعل عمل اللجنة الجديدة يتزامن مع صدور أحكام نهائية تحسم أمر الأموال المهربة وعما إذا كانت نتاج كسب غير مشروع من عدمه، ثم لابد من الانتهاء من حسم أمر عروض بعض رجال الأعمال الهاربين خارج مصر برد بعض الأموال التى فى حيازتهم مقابل عدم ملاحقتهم قضائيا فيما بعد فى إطار اتفاق شامل ملزم لهم وللدولة المصرية، وأتصور أن التوصل إلى تقديرات حقيقية للأموال المهربة إلى خارج مصر سيقوى من موقف مصر ولجنتها الجديدة فى مواجهة الدول التى تقتنى بنوكها أموالا مصرية، فلا تبدى هذه الدول أو تستمر فى تعنتها الحالى على الأقل!، على أن تكون اللجنة الجديدة هى صاحبة الحق وحدها فى الإعلان عما لنا من أموال!.