الموسيقي الجيد تقاس موهبته بمدي التغيير أو النقلة التي يحدثها في عالم الموسيقى، والتأثير الذي يطرأ علي الساحة بمجرد أن يضع أولي بصماته، من هذه الأسماء التي أحدثت فارقاً كبيراً بمجرد احترافها التوزيع الموسيقي الفنان عماد الشاروني الذي أحدث ضجة كبيرة، خاصة بأغنية «كوكب تاني» من كلمات مدحت العدل وألحان سامي الحفناوي وغناء مدحت صالح، وأهمية ما قام به عماد الشاروني أن هذه الأغنية أنتجت عام 1988 ووقتها كانت الأغنية الشبابية في ذروتها، ففي هذا العام أيضاً أنتج ألبوم «لولاكي» الذي باع وقتها ما يقرب من 7 ملايين نسخة، ومعني أن تخرج أغنية مثل «كوكب تاني» عكس التيار الموجود حيث أغنية كلماتها جديدة بلغة هذا العصر، وحيث العمق والموضوع والمفردات غير المتداولة في هذا الوقت الذي كان الاعتماد فيه علي الكلمات البسيطة ولا موضوع ولا قضية، وكان اللحن لسامي الحفناوي، وهو بالمناسبة أيضاً ملحن أغنية «لولاكي» يساوي عشرات الألحان من التي كانت تتداول في ذلك الوقت بتوقيع حميد الشاعري ومجموعته الموسيقية.. وجاء التوزيع الموسيقي لعماد الشاروني ليأخذ الأغنية إلي عالم آخر من النضج الفني حيث التوزيع الأوركسترالي من آلات نفخ ووتريات، كل العائلات الموسيقية تقريباً كانت حاضرة في وقت كان «الكي بورد» و«الرتم بوكس» هما نجوم الأغنية إلي جانب السقفة والصاجات.. لكن الشاروني كان له وجهة نظر أخري جعلت الأغنية المصرية وقتها تستعيد كبرياء مفقوداً، وذهب فريق العمل إلي مهرجان بتركيا وحصلوا علي البرتقالة الفضية، ومن هذا اليوم أصبح ينظر لعماد الشاروني علي أن الشاب المهيأ لتقديم شكل جديد ومحترم للأغنية المصرية مع مجموعة أخري من نفس جيله تقريباً مثل الموسيقار الكبير ياسر عبدالرحمن، وبالفعل قدم عماد تجارب أخري جيدة كثيرة، ثم كان الاختفاء الكبير الذي مثَّل لغزاً لكل الموسيقيين وفوجئنا بخبر سفره إلي استراليا قبل 20 عاماً من الآن وانقطعت أخباره عن الوسط الفني، حتي فاجأتنا دار الأوبرا المصرية بحفل له أقيم مساء الأربعاء الماضي علي خشبة المسرح الكبير قدم فيه مجموعة من أعماله إلي جانب أعمال لعبدالوهاب وعمل للرحبانية وأعمال عالمية لبرامس وبيتهوفن والبيتلز وريكي مارتن بمصاحبة أوركسترا يضم مجموعة من أهم العازفين منهم ماجد سرور عازف القانون وماجد عرابي عازف الجيتار وآخرون. الموسيقي التي قدمها عماد تنقلك إلي عالم آخر، وأتضح ذلك في الأعمال الشرقية التي قدمها تحديداً، لأن الأعمال العالمية نسمعها كثيراً بأشكال مختلفة مع فرق وأوركسترات مختلفة كل فرقة علي حسب رؤية القائد. لكن عملاً مثل «كوكب تاني» علي سبيل المثال قدمه مدحت صالح في مناسبات وحفلات كثيرة مع عشرات الفرق، لكن العمل لم يخرج بالشكل الذي يرضي متذوقي الموسيقي بصفة عامة، ولكن في الحفل الأخير لعماد الشاروني حضر مدحت كضيف شرف لكي يغني «كوكب تاني» وجاء الأداء مختلفاً تماماً عما كان يقدمه مدحت صالح مع فرق الموسيقي العربية، «كوكب تاني» التي استمعنا إليها بمصاحبة أوركسترا عماد الشاروني هي الأغنية الحقيقية التي استمعنا إليها عام 1988 عندما كنا في مرحلة المراهقة، وهذا يعني بالنسبة لي أن هذا العمل الغنائي الفريد من كل الوجوه عاد ليولد من جديد. أوركسترا مصاحب يعي كل جملة موسيقية مكتوبة حتي أداء مدحت صالح كان به قدر كبير من الثقة يعكس مدي تفهمه وثقته بهذا الفنان إلي جانب «كوكب تاني» الأعمال الأخري مثل «كان أجمل يوم» تشعر بمذاق مختلف وأنت تستمع إليها، الموسيقي تقدم كما يجب أن تقدم عازفون علي أعلي مستوي مع صياغة موسيقية جديدة وضعها الشاروني تؤكد أن موسيقانا العربية في حاجة لمن يهتم بها ويقدمها بالشكل الذي يتناسب مع عراقتها وثرائها ونبوغها، فأعمال عبدالوهاب توضع في صياغة جديدة جنباً إلي جنب أعمال أهم مؤلفي الموسيقي العالمية ولا تشعر بفارق، اللهم إلا أن كل واحد يقدم مخزونه الثقافي وبيئته التي خرج منها. الحفل لم يحظ بالإقبال الجماهيري، وبالمناسبة فهذا الأمر يجب ألا يشعر الشاروني بالإحباط لسبب بسيط هو أن الموسيقي الجادة في مصر لا تجد الدعم الجماهيري، كما أن قلة الحضور لا يجب أن تمنع الأوبرا المصرية من تقديم هذه النماذج من الحفلات لأن دورها ليس الربح، الأوبرا وكل مسارح الدولة أنشئت لسبب واحد هو دعم الفنون الجادة، وبالمناسبة هذا الدعم يحدث في أكبر الدول الأوروبية، وبالتالي أي كلام حول خسائر الحفلات فهو لا يخرج سوي من فئة جاهلة حاقدة لا تعي معني الفنون الرفيعة، ولو بحثنا خلف تلك الأسماء التي تروج للربح والخسارة فسوف نكتشف أنهم من أصحاب المصالح. يحسب للأوبرا بقيادة إيناس عبدالدايم تبنيها حفل عماد الشاروني وفي انتظار المزيد من الأسماء الأخري مثل ياسر عبدالرحمن، وكذلك أعمال الراحل عمار الشريعي، خاصة أن الأوبرا قدمت منذ أيام حفلاً لراجح داوود وهو فنان كبير أيضاً، لذلك فالأوبرا في عصرها الحالي تعيد اكتشاف هذه الأسماء التي تعرضت لظلم كبير، وسنوات طويلة من التجاهل. حفل الشاروني، وقبله راجح يؤكدان أن الموسيقي المصرية لديها الكثير لكي تقدمه، ويؤكد أن الأوبرا تعيد تغيير جلدها من الأسماء المكررة، بالفعل الأوبرا ترتدي ثياب المغامرة، وهذا ما تحتاجه مصر الآن.