من الحقائق الواضحة ان مهرجان الموسيقي العربية في الأوبرا يحدث انتعاشة في الساحة الموسيقية والغنائية ودائماً هناك بعض الحفلات تستحق إلقاء الضوء عليها ليس فقط للإقبال الجماهيري الذي تشهده ولكن لأنها تحمل تجديداً ما في برنامجها أو في فقراتها أو قد تظهر بعض المواهب من خلالها كما سوف يتضح في السطور القادمة. لأن المهرجان منذ عدة سنوات أصبح يعتمد علي النجوم الجاهزة وتخلي عن صناعة النجم سوف تكون بدايتنا مع مدحت صالح أهم نجوم هذا المهرجان والذي أحيا الليلة الثانية وكعادة حفلاته احتشدت الجماهير التي تأتي له لا لتستمع لأغانيه الشهيرة وحدها ولكن لأغاني الرواد من الأجيال السابقة عليه والتي تميز بأدائها ويحسن دائماً اختيارها ورغم ان مدحت منذ فترة طويلة لم يجدد في برامجه إلا أنه هذه المرة فاجأنا بالجديد منه غنائه لأغنية كوكب الشرق "أنت عمري" ألحان محمد عبدالوهاب والذي يؤدي ألحانه لأول مرة وقد قدمها بتوزيع جديد للبيانو دور بارز فيه وجاء أداؤه بارعاً حافظ فيه علي تفاصيل اللحن بدقة وأري أنه هنا لم يكن مقلداً بل أعاد اكتشاف هذا اللحن الذي أكد عبقرية محمد عبدالوهاب وتطوره ومرونة ألحانه وثراء نغماته.. ومن الأغاني التي له الفضل في احيائها أغاني محرم فؤاد "سلامات يا حبايب" و"الحلوة داير شباكها" كما شدا بأغنية محمد رشدي "طاير يا هوا" وأغنية محمد عبدالمطلب "يا أهل المحبة" وأغنية "تملي في قلبي" للفنان محمد فوزي. مدحت قدم في الحفل 10 فقرات منها 4 ألحان فقط من أعماله الخاصة منها "كوكب تاني" و"زي ما هي حبها".. أما الأغنيتان اللتان تستحقان التوقف أغنية "بأحلم علي قدي" وأغنية "أكون أو لا أكون" الأولي للبيانو دور أساسي فيها أما الثانية يؤديها بمصاحبة البيانو فقط بأسلوب أغاني "الليد" الكلاسيكية ولكن قيمتها انها بدون تغريب بل بلمحة شرقية أكدها عزف الفنان عمرو سليم الذي يعد من أسباب نجاح حفلات مدحت صالح. بدأ الحفل بعزف أغنية "العوازل ياما قالوا" بمصاحبة الفرقة حيث جعل البيانو هذه الآلة الغربية تغني بالعربي وطوال الحفل نجده يمهد للحن عن طريق البيانو أو نجد اللحن بتوزيع جديد للبيانو دور بارز وأساسي فيه وهذا كله جعل حفلات مدحت مميزة سواء في أداء ألحانه الخاصة أو في تقديمه لأغاني التراث ناهيك عن لمحة الصداقة والود التي تظهر بوضوح بين عمرو ومدحت وتضفي علي الحفل لمحة من المشاعر الانسانية الجميلة.. ولكن هناك ملاحظة انها المرة الأولي التي نري مدحت يضع أمامه ورق للكلمات حيث كان من اهم ميزاته القدرة الكبيرة علي الحفظ والتي نتمني ان تستمر.. قبل مدحت كانت المطربة مي فاروق والتي إلي حد ما حاولت التجديد في رصيدها الفني حيث قدمت أغاني أدتها لأول مرة مثل أغنية وردة وحشتوني ألحان بليغ حمدي وأغنية فريد الأطرش بقي عايز تنساني وأغنية شادية يا حبيبتي يا مصر وغنت لأم كلثوم "شمس الأصيل" ألحان السنباطي و"غداً ألقاك" لمحمد عبدالوهاب.. مجموعة أعمال متنوعة في اللحن وفي أسلوب غنائها وهذا عكس رفيقتها ريهام عبدالحكيم التي أدت أغاني سبق لها اداءها ولم تقدم أغنية جديدة لجمهور هذا المهرجان السنوي المتخصص وذلك في الليلة الخامسة للمهرجان ولكن هذا لا يمنع ان الاثنتين من أهم الأصوات القادرة والجميلة علي الساحة ولهذا يجب ان تضيفا لرصيدهما الفني أعمالاً جديدة أسوة بأصحاب الفرق أمثال أحلام أحمد وريم كمال وإيمان عبدالغني. من الفنانين العرب الذين ظهروا بعد غياب عدة سنوات الفنان التونسي لطفي بوشناق والذي يعد من النجوم التي صنعها هذا المهرجان وكان موفقاً في تعريفنا لألحانه التي غلب عليها الطابع السياسي حيث أدي حوالي 9 أعمال من ألحانه الحديثة التي نستمع إليها لأول مرة منها لحنه الشهير "أنا مواطن" الذي تعرف عليه الجمهور من اليوتيوب ومن ابن الأوبرا إبراهيم راشد الذي سبق ان غناه في احدي حفلات الدار واللحن أشعل الصالة بالحماس وعامة جميع أعماله تفوقت فيها الكلمة وختم فقرته بالتراث التونسي "لاموني اللي غاروا مني" الذي يعشقه المصريون وينتظرونه منه لكن أيضاً افتقدنا أداءه الجميل للتراث المصري وغنائه للألحان التي يستثمر فيها طبقات صوته القوي والذي يصل فيه لأعلي النغمات وهذا أيضاً انطبق علي الفنان السوري صفوان بهلوان الذي لم يمتعنا برحلته الشهيرة والسلسة في الانتقال بين النغمات واكتفي بفاصل غنائي قصير من أهم اضافاته ألحانه الخاصة وأشعاره العروبية الجميلة ويبدو ان إدارة المهرجان فرضت للأسف علي هؤلاء النجوم فترة زمنية قصيرة جعلتهم يميلون للاختصار.. ولكن كان واضحاً ان هذين النجمين حرصا علي ان يقدما للجمهور المصري ألحانهما الجديدة وإبداعاتهما الخاصة وهذا أمر جيد يحسب لهما.. سبق صفوان عازف الكمان اللبناني جهاد عقل والذي يتميز بتقديم "شو" موسيقي تساعده فيه الفرقة الموسيقية المصاحبة له. الفرق الموسيقية الفرق الموسيقية المصاحبة للمطربين الذين تناولناهم كانت فرقة عبدالحليم نويرة التي أضيف لها آلة الأكورديون وهذا من الأمور الجيدة وقادها المايسترو المخضرم صلاح غباشي وصاحبت مدحت صالح ومي فاروق وريهام عبدالحكيم وصفوان بهلوان أما لطفي بوشناق صاحبته مجموعة الحفني والتي تضم أمهر العازفون يتوسطهم عازف أوركسترا القاهرة السيمفوني المتميز أحمد عاطف وبدون شك ساهمت هذه الفرق وهؤلاء العازفون المهرة في إثراء الحفلات ومساعدة المطربين علي نجاح فقراتهم. ليالي المهرجان مستمرة حيث تختتم اليوم في القاهرة بفاصل غنائي للفنان هاني شاكر وابتداء من بعد غد السبت تعاد بعض الحفلات في دمنهور والاسكندرية.