تجاهلت حكومة الببلاوى جميع الدعوات التى طالبت على مدار الأسابيع الماضية، بالدعوة إلى حوار مجتمعى حول قانون التظاهر، وأرسلته إلى عدلى منصور، رئيس الجمهورية المؤقت للتصديق عليه وإصداره. وكانت الأحزاب السياسية والحركات الثورية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدنى والنقابات المهنية والعمالية والعديد من الشخصيات العامة، قد عبرت فى رفضها لهذا المشروع الذى وصفته بأن يشكل قيداً كبيراً على الحق يف التظاهر والتجمع السلمى. وكان حزب الوفد قد طالب فى بيان رسمى له بإدخال تعديلات على المشروع بما يتوافق مع المعايير الدولية فى حماية الحق فى حرية التجمع، داعياً رئيس الجمهورية إلى طرح المشروع لحوار مجتمعى عاجل ينتهى فى خلال شهر تجنباً لأى تداعيات. بينما وصفه التيار الشعبى ب«قانون تقييد» التظاهر، واعتبره حزب الدستور غير ملائم من حيث موضوعه وتوقيته، بينما أشار حزب النور إلى أنه قانون مشبوه، واعتبره حزب التجمع انتهاكاً لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية. وأشارت الجماعة الإسلامية إلى أنه يقضى على السلمية ويصنع الإرهاب، وشدد الحزب المصرى الديمقراطى على أن إصداره دون مراعاة لموقف الرأى العام يعد تصرفاً أحمق. واعتبرت لجنة الحريات بنقابة المحامين، أن إصدار هذا القانون يعد بمثابة وأد لثورة 25 يناير، ووصفه ائتلاف مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بأنه يسير على الفلسفة التى اتبعها قانون المظاهرات رقم 14 لسنة 1923، والذى وضعه الإنجليز لمواجهة الحركة الوطنية. وكان مشروع التظاهر الذى أعدته حكومة الببلاوى، ولاقى معارضة شديدة، قد اعتبر فى نظر أوساط عديدة مخالفاً لالتزامات مصر الدولية المتعلقة بكفالة حرية التعبير والحق فى التجمع السلمى، والتى صدقت ووقعت عليها مصر وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من القانون الداخلى. وكان المقرر الخاص للأمم المتحدة والمعنى بالحق فى التجمع السلمى قد أشار فى تقرير له فى أبريل الماضى إلى أن السلطات الحكومية فى بلدان عديدة قوضت فى حالات كثيرة القدرة على تنظيم التجمعات السلمية، منتهكة بذلك قواعد حقوق الإنسان الدولية ومعاييرها. مشيراً إلى التعليق الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان برقم 25 لسنة 1996 الذى يقضى بأن الدول ملتزمة بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان التزاماً إيجابياً بتوفير حماية فعالة للتجمعات السلمية، وتيسير ممارسة الحق فى حرية التجمع السلمى، وأن القانون لا يحمى سوى التجمعات غير العنيفة التى يبدى فيها المشاركون نوايا سلمية ينبغى افتراضها، ولا يحرم الفرد من حقه فى حرية التجمع السلمى بسبب ما يقترفه أشخاص آخرون من أعمال عنف متطرفة أو غيرها من الأفعال المستحقة للعقاب. وكان سياق صياغة المشروع قد تعرض لهجوم بسبب ما سمته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بأنه عودة إلى عهد ترزية القوانين الموروث من نظام الديكتاتور مبارك، حيث قام مجلس الوزراء بعد تلقيه المشروع من وزارة العدل والموافقة عليه بإرساله إلى قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لمراجعته، حيث أبدى القسم العديد من الملاحظات حول نصوص القانون، وهو ما رفضته الحكومة، وقررت إعادته بالمخالفة للسياق الطبيعى لوزارة العدل مرة أخرى. ويتضمن مشروع القانون المثير للجدل والمرفوض شعبياً وسياسياً، العديد من القيود على الحق فى التجمع والتظاهر السلمى، حيث نص المشروع فى المادة الثانية على أن الاجتماع العام هو كل تجمع لأفراد فى محل عام أو خاص أو كل مكان يستطيع أى فرد دخوله دون دعوة شخصية، ومنح لرجال الأمن حق حضور هذه الاجتماعات وحق فضها، وهو ما ينطبق على اجتماعات ومؤتمرات الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية. كما حظرت الاجتماع العام فى دور العبادة لغير غرض العبادة، ومن المعروف أن دور العبادة فى مصر تشهد مناسبات اجتماعية عديدة مثل مناسبات الزواج أو الوفاة، وهى ليست أغراضاً أو اجتماعات للعبادة، وكان يجب النص على حظرها لأغراض سياسية فقط. وحظرت المادة السابعة حق المتظاهرين فى الاعتصام أو المبيت بأماكن التظاهر، واشترطت المادة الثامنة على ضرورة إخطار قسم الشرطة قبل بدء الاجتماع أو الموكب أو المظاهرة بسبعة أيام على الأكثر، وأتاحت المادة الحادية عشرة للجهات الأمنية منع الاجتماعات أو المواكب أو المظاهرات إذا توافرت لهم معلومات جدية عن انصراف «نية» المشاركين إلى ارتكاب مخالفة وفقاً للمادة السابعة، كما حظرت الاقتراب من جميع مؤسسات الدولة لمسافة لا تقل عن مائة متر. وطبقاً هذه النصوص، فإن الحق فى التظاهر قد تم تفريغه تماماً من محتواه ومعناه وهدفه ليصبح قانوناً يصادر عملياً حق المصريين فى التظاهر والاجتماع السلمى. كما نص القانون على فرض عقوبات بدنية ومالية مشددة تصل إلى خمس سنوات حبساً، وإلى ثلاثمائة ألف جنيه غرامة فى حالة مخالفة المادة السادسة أو السابعة من القانون. وكان المجلس القومى لحقوق الإنسان قد أبدى أكثر من أربع عشرة ملاحظة على مشروع القانون على مواده التى لم تتجاوز أربعاً وعشرين مادة؟! ويرى عبدالغفار شكر، نائب رئيس المجلس، أن القانون خلط بين مسائل متعددة، فعلى سبيل المثال قطع الطرق والمواصلات وخلافه هى أفعال مجرمة وموجودة فى قانون العقوبات ولا محل لها فى قانون ينظم الحق فى التظاهر. كما أن المجلس يطالب بأن يحاسب المواطنون على الأفعال لا على النوايا، لذلك فإنه أوصى فى حالة توافر معلومات جدية حول انحراف المظاهرة عن مسارها وأهدافها لدى جهات الأمن، على هذه الجهات اللجوء للقضاء لإلغاء الاجتماع أو المظاهرة فى ظل رقابة قضائية تتأكد من جديدة المعلومات. كما أشار إلى مطالبة المجلس بتحديد فترة الإخطار بثلاثة أيام على الأكثر بدلاً من سبعة أيام، ومطالباً بإلغاء عقوبة الحبس وأن تقتصر العقوبة على الغرامة وعما يتناسب مع حجم المخالفة. وشدد «عبدالغفار» على أن المجلس سيلجأ إلى الرأى العام لاتخاذ موقف ضد مشروع القانون إذا صدر دون الالتزام بتوصيات المجلس. ويتطلع رهانات الجميع إلى المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية المؤقت، بأن ينزع فتيل الأزمة التى ستنفجر فى حالة إقرار المشروع المقدم من حكومة الببلاوى، وأن يعيده إلى المناقشة من جديد من خلال حوار مجتمعى، يكفل قانوناً يتفق وثورتى 25 يناير و30 يونية، والتى أتت مظاهرات الأخيرة بالببلاوى وحكومته إلى الحكم.