لا أعرف كيف لحكومة تأتى بعد ثورة شعبية هائلة قضت على الظلم والفساد والإستبداد وقمع الحريات وتقييد الحقوق أن تفكر مجرد التفكير فى اصدار قوانين سيئة السمعة تعرقل وتحرم بدلا من أن تنظم وتحمى. أتحدث عن مشروع قانون التظاهر الذى أعدته حكومة الدكتور حازم الببلاوى – بالرغم من معارضة بعض الوزراء فى هذه الحكومة له كالدكتور زياد بهاء الدين - ويبقى فقط التصديق عليه من السيد رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلى منصور. مشروع القانون فى مجمله لا يختلف كثيراَ عن سلفه الذى أعده مجلس الشورى المنحل ذو الأغلبية الإخوانية، ومن شأنه أن يقوم بتقييد الحق في التجمع السلمي، ويسمح للشرطة باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، ويعامل المتظاهرين السلميين كمجرمين وقتلة يجب القبض عليهم، فينص مشروع القانون على السجن لمدة تصل إلى 15 عامًا والغرامة بمبلغ يصل الى 300 الف جنيه لكل من يقوم بخرق مواده. كما ينص فى المادة السادسة منه على سبيل المثال على : يجب على منظمي الاحتجاج إخطار الشرطة قبل التظاهر، ويجب أن يسلموا أسمائهم إلى الشرطة، وأن يوضحوا مسار التظاهر أو الاحتجاج، والوقت وأهدافه، وأن يعطوا تقديرًا لعدد الأشخاص الذين سيشاركون ويقيد القانون حرية التجمع بإحكام، ويحظر استمرار الاعتصام أكثر من يوم واحد، كما أنه يحظر الاحتجاجات في أماكن العبادة. مشروع القانون لا يتسق مع المعايير الدولية الخاصة بحرية الرأى والتعبير وحق التجمع السلمى ولا مع التزامات مصر لحقوق الإنسان، كالإعلان العالمى لحقوق الإنسان و العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الذى ينص فى مادته رقم 21 على : يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به، ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. كما أنه يقضى على مكتسبات ثورة 25 يناير 2011 وكذلك ثورة 30 يونيو 2013 اللتان رفعتا شعارات الحرية على جميع الأصعدة ورفض الإستبداد والقمع. الفوضى التى تجتاح الشارع المصرى منذ ما يقرب من ثلاث سنوات وتحديداَ منذ قيام ثورة 25 يناير 2011،وقيام العديد من المواطنين – وللأسف الشديد – بالتظاهر فى أى مكان وفى أى وقت بالإضافة الى قطع الطرق وتعطيل المرور والتعدى على المنشآت العامة والممتلكات الشخصية يحتم سرعة اصدار قانون ينظم المظاهرات "السلمية بالطبع" بدون التعدى على حق كل انسان فى ابداء رأيه أو التعبير عن وجهة نظره، ويوائم بين حق التظاهر من ناحية وحق الدولة فى التدخل بشكل ملائم ووفقاَ لمعايير حقوق الإنسان فى حالة حدوث ما يعكر صفو المظاهرات ويخرجها عن سلميتها أو يشكل تهديداَ للأمن والسلم العام. ويجب على رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء طرح مشروع القانون لحوار مجتمعى شامل وعرضه على المتخصيين من أساتذة القانون والعلوم السياسية وكذلك المنظمات الحقوقية والمجلس القومى لحقوق الإنسان لإبداء رأيهم فيه وازالة ما به من عوار، كما أنه من المهم والضرورى الإستعانة بالخبراء الدوليين فى هذا المجال كخبراء الأممالمتحدة، وكذلك التعرف على قوانين تنظيم التظاهر فى البلدان المختلفة كالولايات المتحدة وفرنسا.