دخل تنظيم القاعدة على خط الأحداث في مصر، يسعى جاهداً لزرع ألغام الفتنة الطائفية، الأجواء سانحة للغاية لضرب الوطن في مقتل، والأرض أكثر خصوبة الآن للعزف على وتر «العاطفة الدينية» جراء أزمة سياسية طاحنة «إخوانية النشأة» يأتي الغباء السياسي لجماعة الإخوان المسلمين على رأس أسبابها. من خارج الرقعة السياسية التي تشتبك في محيطها كافة الأطراف في أعقاب 30يونيو، تمكنت جهات خارجية من قراءة المشهد بما يضمن لها تحقيق قدر أوفر من مصالحها إزاء الوضع القابل للاشتعال، الألفاظ التي تستميل شباب التيار الإسلامي جسراً يمهده - أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة - ليعبر به متطرفون إلى وضعية «حرق مصر» على حساب إدخال الصراع السياسي إلى منعطف ديني، أبرز تلك المصطلحات التي استعملها المصري المقيم في أفغانستان جاء في «الصليبيون» ذلك الذي يعرف تاريخياً في وصف حملات المستعمر الأجنبي، دون أن يؤثر على مسار العلاقة الحميمية التي تجمع أقباط مصر ومسلميها. وظف زعيم القاعدة في بيان تناقلته صحف ووكالات عربية وأجنبية أول أمس تحريضه ضد الأقباط، على أنه رد فعل إزاء مشاركة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في 30 يونيو التي تستهدف - حسب زعمه - إسقاط الرئيس لإقامة دولة في جنوب مصر. مسار الاعتداءات الطائفية التي تلتصق بمؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي، دون إدانة واضحة من التحالف الوطني لدعم الشرعية لأحداث العنف الطائفي تبشر بنفق مظلم للبلاد، وتنسف مساعي «المصالحة الوطنية» التي تسعى لها مؤسسة الرئاسة حالياً وفقاً لخارطة الطريق ،حتى مع إنهاء الأزمة السياسية الراهنة الكائنة في اعتصامي «رابعة العدوية والنهضة». الكنائس التي اعتادت مثل هذه التهديدات، رفضت التعقيب على مزاعم الظواهري، في الوقت الذي رأت فيه أن استهداف الأقباط على هذا النحو يخرج عن إطار الدين والشرع، ولايقبله منطق. وأعرب د. القس صفوت البياضي، رئيس الطائفة الإنجيلية، عن أسفه إزاء ما يجري حاليا من اعتداءات ممنهجة على الكنائس، واصفاً الأحداث المتلاحقة تجاه الأقباط بأنها تستهدف «لي ذراع الدولة». وأضاف البياضي ل «الوفد» أن هناك دخلاء على القواعد الشعبية في البلاد، لافتاً إلى أن الشعب المصري لم يفكر على مدار تاريخه بهذه الطريقة التي نراها الآن. واستطرد قائلاً: «أدعو رجال الدين إلى تعليم أتباعهم الأخلاق أولاً، مشدداً على حاجة المجتمع إلى وقفة مع النفس». على الصعيد ذاته، قال المفكر السياسي جمال أسعد، عضو مجلس الشعب السابق: إن جر الأقباط إلى منعطف «طائفي» لن ينجح انطلاقا من أن الأقباط ليس لديهم ما يمكن أن يدخلوا به «صراعاً طائفياً». وأعرب أسعد عن استيائه من ربط الاعتداءات المتكررة حيال الأقباط والكنائس بمشهد ظهور البابا تواضروس الثاني في مؤتمر خارطة الطريق - 3 يوليو الماضي - لافتاً إلى أن تيار الإسلام السياسي يتحدث دائما بتصريحات نظرية وردية، في الوقت الذي يكشف واقعه تناقض تلك التصريحات. ووصف «أسعد» المناخ العام الذي يحتضن تلك الأحداث الطائفية بأنه يختلف تماما عن أجواء 25 يناير التي أظهرت التحام المسلمين والأقباط، مشيراً إلى أن الإخوان جاءوا إلى الحكم على أرضية انتخاب الأقباط للفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي السابق وبدأت العلاقة تزداد توتراً بين الإخوان والأقباط خلال عام من حكم «مرسي» تحمل الأقباط خلاله تبعات أغلب الفعاليات الجماهيرية «المليونيات». وفسر المفكر السياسي – الاحتقان الدائر حالياً بين تيار الإسلام السياسي والأقباط انعكاس لما اعتبروه مشهد «ذبح المشروع الإسلامي» – على حد وصفهم في 3 يوليو بمشاركة البابا، مستنكرا محاولة تلبيس الأمور غطاء ديني لاستمالة عواطف الشباب المتحمس في أعمال العنف الطائفي. ولفت «أسعد» إلى أن جماعة الإخوان المسلمين صعدت إلى السلطة بشعارات دينية، لكنها حين أفلست سياسيا في إيجاد البدائل لحل أزمات البلاد خرج الشعب مطالبا برحيل نظامها الرئاسي.. وحذر من جر البلاد إلى «خراب حتمي» في حال استمرار الأوضاع على النحو الجاري، داعيا إلى مصارحة حقيقية قبل المصالحة الوطنية. من جانبها أعربت الحركات القبطية عن استيائها من صمت النظام الحالي إزاء الاعتداءات المتكررة على الأقباط واستهداف كنائسهم.. وقال الناشط القبطي إبرام لويس، القيادي بحركة أقباط بلاقيود»: إن الأحداث الطائفية التي تجري حاليا تنسف فكرة «المصالحة الوطنية». وتساءل لويس متي تتوقف الهجمات الإرهابية والإجرامية المُمنهجة تجاه أقباط مصر وكنائسهم!.. تلك التي تقوم بها جماعة الإخوان وأنصار المعزول مرسى. واستطرد قائلاً: «أين مؤسسات الدولة وأين دورها حيال ما يحدث للأقباط؟.. أم أنها خارج نطاق الخدمة، داعياً المؤسسات الحقوقية إلى تسليط الأضواء على تلك الاعتداءات إعلاء لمبدأ سيادة القانون». على الصعيد ذاته، أعرب ائتلاف أقباط مصر عن أسفه، لما آلت اليه أحوال الأقباط فى الوطن من تهديدات يومية بالقتل والذبح والاعتداءات المتكررة على الكنائس ورجال الدين المسيحى دون تحرك فعلى وواقعى. وقال فادي يوسف، المتحدث الإعلامي لائتلاف أقباط مصر: إن الاعتداءات طالت كنائس بالمنيا وأسيوط وبورسعيد والعريش ورفح ومرسى مطروح وغيرها من دور العبادة القبطية بل وطالت تهديدات واضحة لعائلات قبطية بالصعيد وسيناء بعد ذبح وخطف مسيحيين دون ذنب اقترفوه أو إثم صنعوه. وحذر «يوسف» من تصريحات زعيم القاعدة بشأن رغبة البابا تواضروس في إقامة دولة مسيحية – جنوب مصر -، لافتاً إلى أن تلك التصريحات يمكن أن تؤتي ثمارها لدى بعض المتشددين بمصر وتجعلهم ثمرات خبيثة تبشر ب «حرب طائفية».. واستطرد قائلاً: «تلك المخططات الإرهابية هى نتاج وقوف الأقباط بجوار أخوتهم المسلمين فى تصحيح مسار ثورتهم، من أجل مستقبل أفضل لهذا الوطن».