الأزمة الاقتصادية في مصر شديدة، فالعجز بالمليارات بالموازنة العامة وكذلك بالميزان التجاري، وفي ميزان المدفوعات، والدولار يتصاعد سعره وقيمته، بالبورصة والسوق السوداء، ومصر دولة مستوردة حالياً لأكثر من 90٪ من غذائها واحتياجاتها الضرورية الأخري، وموارد الدولة من العملة الصعبة محصورة في السياحة، وإيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، وكذلك ما قد يرد من العملة الصعبة مقابل كميات ضئيلة من الصادرات الصناعية والمصنوعات البسيطة، وقد تجاوزت البطالة 31٪ من القوي العاملة، ولا تكفي المرتبات أو الأجور بالكاد الاحتياجات الغذائية للعاملين والعمال، قد أصبح السوق منذ تولي الرئيس مرسي السلطة في 30/6/2012 «سداح مداح» بلارقابة من الدولة أو من الحكومة المشغولة أساساً بخطة «التمكين» وإحكام السيطرة علي كل سلطات ومفاصل الدولة، ويكفي للتدليل علي سوء الأحوال الاقتصادية معرفة أن ثمن اللوبيا 18 جنيهاً للكيلو، و12 جنيهاً لكيلو العدس الأصفر، ومن ثم فإن أي عامل لديه ولدان ومتزوج سوف يحتاج مثلاً إلي كيلو عدس وكيلو أرز وثمنه خمسة جنيهات، وبالتالي فإنه سوف ينفق عشرين جنيهاً لوجبة واحدة دون حساب البوتاجاز والزيت.. إلخ.. وبافتراض أنه لن يأكل وأسرته وجبة أخري، فإنه يحتاج إلي ستمائة جنيه شهرياً، دون أي حساب للنفقات الضرورية الأخري، من مصاريف الانتقال، وقيمة استهلاك الكهرباء وإيجار المنزل وثمن الملابس والدواء.. إلخ، ورغم صدور حكم من القضاء الإداري بتحديد الحد الأدني للأجر ب 1200 جنيه شهرياً، فإن الحكومة لم تعترف حتي الآن إلا ب 700 جنيه فقط كحد أدني شهرياً، ولا يطبق هذا الحد الأدني أيضاً إلا علي الشاغلين لوظائف دائمة بالموازنة العامة، ويوجد عشرات الآلاف من العاملين المعينين علي وظائف مؤقتة، وعلي اعتمادات مشروعات غير دائمة ولا يحصلون علي أكثر من مائتين أو ثلاثمائة جنيه في الشهر، خاصة بمحافظات الوجه القبلي. ورغم لجوء عشرات الآلاف من العاملين خلال السنتين الماضيتين إلي الإضراب والاعتصام للتثبيت في وظائفهم المؤقتة تلك والحصول علي حد أدني مقبول من المرتب أو الأجر، فإنه لم تتم استجابة الحكومة الإخوانية إلي هذه المطالب المشروعة للعاملين، ولم يقتصر الغلاء الفاحش علي الغذاء وإنما امتد أيضاً إلي معظم السلع الأساسية ومنها في الأسابيع الماضية «الدواء»، فارتفعت أسعار مئات الأدوية الأساسية للسكر والضغط والقلب، وتزعم الشركات المنتجة أنها تنتج مئات الأدوية بأثمان أقل من التكلفة بسبب زيادة سعر الدولار الذي تستورد به المواد الفعالة لهذه الأدوية، ولذلك فإن موجة اختفاء الأدوية وغلائها الفاحش مستمرة بسرعة وقوة مهددة بالموت الطبقتين الدنيا والمتوسطة التي سقطت تحت ضغط الغلاء والحاجة لمرتبة الفقر الفاقر المذل! ورغم أن السياسة العامة الرشيدة والمقبولة تستلزم مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة في مصر بسياسات وأساليب تقلل من حدة الغلاء وتكفل تخفيف أعباء الإنفاق العام غير المنتج، وزيادة السياسات الاقتصادية التي تشجع علي الاستثمار الإنتاجي من الداخل والخارج، فإن «الحكومة القنديلية» تعمد إلي الحصول علي إيرادات بأية طريقة يتم تحصيلها من الفقراء ومحدودي الدخل فقط وبصورة تزيد من حدة الغلاء والأزمة الاقتصادية عليهم، فأعدت مشروعات قوانين بزيادة ضريبة الدمغة، والضرائب الجمركية وكذلك ضريبة المبيعات، وكل هذه الموارد تمثل عبئاً جديداً علي كاهل الفقراء ومحدودي الدخل، بينما لم تلجأ ولو بأيد مرتعشة لزيادة ضرائب الدخل علي الأغنياء بصورة تصاعدية عادلة لتقليل الفوارق الطبقية الرهيبة التي قسمت المجتمع إلي طبقة محدودة ممن تزيد دخولهم علي ملايين الجنيهات شهرياً مع طبقة من شاغلي الوظائف والمناصب العليا والذين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم، والذين يحصلون علي مئات الآلاف من الجنيهات شهرياً من الخزانة العامة، وبينهم عشرات الآلاف من المستشارين في أجهزة الدولة المختلفة الذين يكلفون الشعب سنوياً عشرات المليارات بصفة مرتبات وبدلات ومكافآت وتكاليف السيارات الفارهة المخصصة لهم.. إلخ! وقد أوقف الرئيس مرسي إنفاذ القوانين الخاصة بزيادة عبء الدمغة والضرائب غير المباشرة آنفة الذكر وذلك بصفة مؤقتة تحسباً لعدم إثارة غضب الشعب ضد التيار الإخواني السلفي في الانتخابات المقبلة لمجلس الشعب! ولقد تأثرت السياحة بشكل خطير نتيجة لاختلال الأمن من جهة، وارتفاع الأسعار بالفنادق ووسائل نقل السياح وسوء معاملتهم من ناحية أخري. كما نقصت تحويلات ملايين المصريين العاملين بالخارج وسط احتمالات عودتهم إلي البلاد دون عمل، خاصة من البلاد العربية، وقد انخفضت أيضاً قيمة ما يحوله المصريون الباقون بالعمل في الخارج إلي البنوك المصرية بسبب ما انتشر بين العاملين فيها من نهب لمدخرات المودعين المغتربين، وكذلك لنقص الفائدة وسوء المعاملة المحاسبية لهؤلاء العاملين، وقد أعلنت هيئة قناة السويس منذ أسبوع عن زيادة رسوم المرور بالقناة بنسبة 2٪ وأظن أن هذه الزيادة سوف تؤدي إلي نفور شركات النقل البحري من المرور بالقناة وتحولها إلي استخدام ناقلات البترول الضخمة والمرور برأس الرجاء الصالح وحرمان البلاد من رسوم مرورها بالقناة.. وللحديث بقية! --- رئيس مجلس الدولة الأسبق