الكلام عن العين التي تصيب الإنسان بسوء، وعن الحسد والحساد كثير ومتداول بين الناس بكثرة، ومنه ما يعود إلى أصول الدين الإسلامي، ومنه ما يتصل بالأوهام والشعوذة والدجل، ولا بد لمعرفة ما الفرق بين العين والحسد من البحث عن تعريف كل منهما، وبادئ ذي بدء سيُوضَّح تعريف العين وهي: أن يُصابَ الإنسانُ بنفسٍ خبيثة، تكون مملوءةً حَسَدًا، فيخرج من هذه النفس الخبيثة المملوءة حَسَدًا قوةٌ خفيَّةٌ تُصيب المُعانَ كما يُصيب السَّهْمُ الرميَّة، وتأتي أحيانًا بغير اختيار من العائن، بل بمجرد ما يرى الشيء الذي يُعجبه ينطلق منه هذا السَّهْمُ، وأحيانًا تكون باختيار منه، ويتحكَّم فيها. تعريف الحسد في الإسلام ثمة اختلاط في عقول الناس وتفكيرهم بين مفهومي الحسد والعين، ولذلك كان لزامًا أن يوضح هذا المقال ما الفرق بين العين والحسد، وبعد أن تبين في ما سبق تعريف العين، يمكن الآن تبيان تعريف الحسد وهو: شعور عاطفي بتمني زوال قوة أو إنجاز أو ملك أو ميزة من شخص آخر، والحصول عليها، وأحيانًا قد يكتفي الحاسد بالرغبة في زوال النعمة من الآخرين، مثل قلة الرزق وزوال الصحة والسعادة وغيرها، والحسد بخلاف الغبطة؛ فإنها تمنّي مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط، ومما هو جدير بالذكر أن الحسد يُعد أحد أقوى أسباب التعاسة، وهذه التعاسة لا تقتصر على الشخص الحاسد بسبب حسده، بل قد تصل إلى الرغبة في إلحاق مصائب بالآخرين. ما الفرق بين العين والحسد من خلال عرض تعريف العين وتعريف الحسد سيلحظ القارئ والمتعمق في البحث في هذا المجال أن ثمة تقاطعًا كبيرًا بين المفهومين، وقد يصل البعض إلى نتيجة أنهما واحد ولا فرق بينهما؛ إذ إنهما يقومان على مبدأ تمني زوال النعمة، وإلحاق الضرر بالآخرين، سواء كان ذلك قصدًا أم بغير قصد، إلا أنّ المراجع الدينية، وأهل الفقه والعلم يرون رأيًا آخر، وهذا الرأي هو الذي يوضح بدقة ما الفرق بين العين والحسد، ألا وهو: إنّ الحسد أعم من العيْن؛ فكل عائنٍ هو حاسد، ولكن ليس كل حاسد عائنًا، والعائن أضر من الحاسد، إضافة إلى أنّ الحاسد قد يحسد ما لم يره، وقد يحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه، أما العائن فهو لا يَعين إلا ما يراه والموجود بالفعل أمامه. ومصدر الحسد هو تحرُّق القلب، واستكثار النعمة على المحسود، في حين أن مصدر العين هو انقداح نظرة العين، أو نفس خبيثة، والحسد لا يقع من صاحبه على ما يكره أن يُصاب بأذى؛ أي لا يمكن أن يحسد ماله وولده، أما العين فقد تقع على ما يكره العائن أن يُصاب بأذى؛ فقد يصيب ماله أو ولده بعين، وفي الإجابة عن سؤال ما الفرق بين العين والحسد قال ابن القيم -رحمه الله-: "والمقصود أن العائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد، ولهذا -والله أعلم- إنما جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن؛ لأنه أعم، فكل عائنٍ حاسدٌ ولا بد، وليس كل حاسد عائنًا، فإذا استعاذ من شر الحسد دخل فيه العين، وهذا من شمول القرآن الكريم وإعجازه وبلاغته".