للمرة الأولى، في تاريخ مصر المعاصر، أو على الأقل خلال المائة سنة الأخيرة، يجلس على كرسي الرئاسة المصرية رجل ملتح، بكامل دلالات "اللحية" كواحدة من مفارقات ثورة 25 يناير التي قام بها شباب مصر، فإذا بها تقطف ثمرتها لصالح فئة انتظرت إلى أين تمضي الثورة فالتحقت بها لتسحب البساط شيئًا فشيئًا من تحت أقدام الجميع. لم يعد حزب الاخوان المسلمين يشار إليه على أنه "غير شرعي" وغيرها من الأوصاف التي اتخذها نظام الحكم المباركي وهو يحاول الاستفادة من درس الاخوان للرئيس السادات حينما استقوا بهم على الشيوعيين فإذا به يسقط برصاصاتهم في ذكرى أهم يوم في حياته وحياة المصريين والعرب خلال العصر الحديث، "السادس من أكتوبر". أصبح للإخوان أجنحة مكّنتهم من مصر، ولولا أن حسين طنطاوي لا يزال يحكم المؤسسة العسكرية لوجدنا أن القائد الملتحي سيتولي أمر الجيش أيضا، وما ذلك ببعيد! حصل الإخوانيون على فرصتهم التاريخية، التي لم يحلموا بمثلها إلا في أدعيتهم وصلواتهم، في مطلع الثورة صرّحوا أنهم مع الشباب الزاهدين في الحكم، ثم إذا لانت الأمور لصالحهم كشّروا عن مطامعهم، حيث لا يصلح إلا هم لحكم مصر، وحكم الدنيا إن استطاعوا. ولعلّ الهتافات بالولايات العربية المتحدة التي ستكون عاصمتها القدس لا زالت حيّة، مع أنها، وفق نظرتي المتواضعة، شعارات انتخابية عرفت مكمن المشاعر في نفوس أولئك الحالمين من بسطاء الناس وعامتهم، ولن يكون للشعارات موطن بعد أن أثبتت التجربة أن الأسس الأهم قد تغيّرت من أجل صالح الكرسي، فلماذا لا تتغيّر بوصلة الحكم من أجل استمراريته بأقل الممكن من المواجهات، مع قوى الداخل، وقوى الخارج. تلك التصورات تقود إلى تفاؤل أكبر حول مستقبل مصر! أعتقد، وبشدة، أنها كذلك، لأن زمن الشعارات الانتخابية وتصادمية الكثير منها مع مصالح الاستقرار داخل مصر، ومع جيرانها، وأولهم إسرائيل، يدفع لتغيير بوصلة التصادمات وفق براجماتية الإسلاميين الذين طوّعوا الظروف لصالحهم، ووجود منافس كشفيق سهّل لهم مهمة الوصول إلى الحكم، لأن وجود حمدين صباحي أو مرشح آخر سيجعل الخيار المصري يميل إليه، خاصة من الليبراليين والاشتراكيين والمسيحيين وبقية مراكز القوى الأخرى في الساحة الشعبية المصرية.. في السباق الأخير لم يجدوا سوى اخواني أو مرشح محسوب على الفلول.. فمالت الكفّة للأول بسبب المخاوف من العودة لإنتاج الحكم السابق وصعود رجالاته، خاصة بعد الأحكام الأخيرة التي برأت لاعبين أساسيين في النظام (المخلوع). أميل إلى التفاؤل، رغم المخاوف من دولة دينية تلعب بأوراق السياسة، وتجيّر الدين لصالح السياسة (والمصالح) وتخطب بالشعارات التي وأدت أحلام العرب والمسلمين كثيرا، من حق الرئيس مرسي أخذ حقه كاملا لحكم مصر لأنه اختيار شعبي جاء بانتخابات (حرة ونزيهة) إلى حد كبير، ومن حقه أن يقف معه شباب الثورة، ليس من أجله بالضرورة، ولكن من أجل بناء مصر.. مصر التي نحبها جميعا. ينشر بالتوازي مع صحفية الشبيبة العمانية.