رغم مسارعة التليفزيون الرسمي السوري لاتهام "إرهابيين" بالمسئولية عن الانفجارين الذين هزا العاصمة دمشق في 17 مارس, إلا أن توقيت الهجومين يدحض تماما مزاعم نظام الرئيس بشار الأسد في هذا الصدد. وكان وزير الصحة السوري وائل الحلقي قد أعلن عن مقتل 27 شخصا على الأقل وإصابة 97 آخرين بجروح في الانفجارين اللذين هزا العاصمة دمشق في 17 مارس. ومن جانبه, ذكر التليفزيون الرسمي السوري أن التفجيرين نجما عن سيارتين مفخختين واستهدف أحدهما إدارة الأمن الجنائي بحي البرامكة، بينما استهدف الآخر إدارة المخابرات الجوية بساحة التحرير, متهما "إهاربيين" بالمسئولية عنهما. وأظهر تسجيل مصور للانفجار الذي استهدف إدارة المخابرات الجوية، واجهة المبنى وقد نسفت مع تفحم عدد من السيارات الموجودة بالشارع أسفل المبنى, أما في موقع الانفجار الذي استهدف إدارة الأمن الجنائي، فقد أظهرت لقطات أخرى حطام سيارة وجثة متفحمة على ما يبدو داخل الحطام، وكانت هناك بركة من الدماء على أرضية حافلة صغيرة تقف قرب موقع الانفجار. وبالنظر إلى أن التفجيرات التي هزت دمشق في السابق تزامنت مع تحركات عربية أو دولية ضد سوريا, فقد أكد كثيرون أن تفجيري 17 مارس لم يخرجا عن مخطط "خلط الأوراق" الذي يلجأ إليه نظام الأسد عندما يضيق الخناق عليه. فالهجوم الانتحاري الذي استهدف موقعا أمنيا في حي الميدان في دمشق في 6 يناير الماضي وتسبب في سقوط 26 قتيلا على الأقل جاء بعد وصول وفد المراقبين العرب إلى سوريا، كما أن الهجومين بسيارتين مفخختين اللذين استهدفا مقرين أمنيين في دمشق في 23 ديسمبر من العام الماضي, وأسفرا حينها عن سقوط أكثر من ثلاثين قتيلا تزامنا مع اجتماع وزاري عربي حول سوريا. وبالنسبة لتفجيري 17 مارس فقد وقعا بعد ساعات من إعلان مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي أنان عن اعتزام الأممالمتحدة إرسال فريق أممي لدمشق لبحث اقتراح بإرسال مراقبين دوليين. ولعل البيان الذي أصدرته الهيئة العامة للثورة السورية ومقرها لندن حول تفجيري 17 مارس يرجح أيضا صحة ما سبق, حيث اتهمت نظام الأسد بافتعال تفجيرات دمشق، كما فعل بالسابق في محاولة لتثبيت ادعاءاته بوجود تنظيم القاعدة في البلاد. وأضافت أن النظام يقوم بالتفجيرات، وكالعادة قبل زيارة أو حدث مهم، كما أكدت أنه لا يمكن أن يكون تفجير إدارة الأمن الجنائي في ساحة الحرية من عمل الجيش السوري الحر "جيش الثوار" لأنها منطقة مكتظة بالسكان، واستهداف هذه الإدارة ليس له فائدة عملية للجيش الحر وإنما يفيد النظام عبر حشد سكانها من الطائفة المسيحية ضد الثورة السورية. وتابعت الهيئة" لو كان الجيش السوري الحر يملك هذه القوة التفجيرية الهائلة فمن المؤكد أنه سيستغلها بضربات نوعية تضر النظام بشكل أكثر من هذا بكثير، وليس بمكان يضج بالسكان, طريقة عمل التفجيرين تشابه تماما التفجيرات السابقة، وهي من تدبير النظام". وفي السياق ذاته, قال عضو المجلس الوطني السوري المعارض حسان الشلبي إن نظام الأسد يسعى من وراء هذه التفجيرات لخلط الأوراق، وطمس الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها بحق أبناء الشعب السوري، خاصة بعد أن وجد نفسه بموقف أكثر ضعفا بعد التغير الذي بدأ يطرأ على الموقفين الروسي والصيني، واقترابهما شيئا فشيئا من موقف المجتمع الدولي. وقال الشلبي في تصريحات لقناة "الجزيرة" من تركيا إن النظام له أكثر من غاية من وراء هذه التفجيرات، منها إرسال رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن القاعدة و"الإرهابيين" حاضرون في المشهد السوري، الأمر الذي يعتقد أنه سيؤثر على الموقف الدولي ويدفعه للتخلي عن المعارضة السورية والتمسك بالنظام على اعتبار أنه الرادع للقاعدة و"الإرهابيين". أما الغاية الثانية -على حد رأي الشلبي- فهي طمس "الجرائم" التي ارتكبها النظام بحق السوريين، والتخلص من الكثير من النشطاء الذين يحتجزهم في المقرات الأمنية والذين يخشى وصول أصواتهم وما لديهم من معلومات عن الجرائم التي ارتكبها النظام إلى الرأي العام العالمي. وتابع أن نظام الأسد لا يمانع بالتضحية ببعض من أفراد "عصاباته" في سبيل التخلص من هؤلاء النشطاء، مذكرا بالصور التي كان يبثها إعلام النظام السوري لضحايا التفجيرات السابقة من جثث متفحمة ومنتفخة والتي كانت شاهدا على أن أصحاب هذه الجثث قتلوا منذ فترة طويلة وليس ساعات، أي أن النظام يسعى في كثير من هذه التفجيرات لإخفاء جرائمه بحق النشطاء. واستطرد الشلبي "رغم انكشاف ألاعيب النظام السوري للعالم والمعارضة، فإنه يراهن على عدم وجود تحقيق دولي آني في هذه الجرائم، ولذلك فهو يستطيع أن يناور حاليا ويكيل الاتهامات للآخرين بتنفيذ هذه التفجيرات، في حين يواصل إخفاء جرائمه والتخلص من معارضيه". والخلاصة أن الأسوأ مازال بانتظار الشعب السوري في حال لم يتحرك المجتمع الدولي على وجه السرعة لوضع حد لمجازر نظام الأسد.