لا شك أن لدينا بشكل عام، ولدى الإعلام المصرى بشكل خاص مشكلة يتكرر حدوثها تتمثل فى الانشغال الكامل (فى الكثير من الأحيان) بحدث واحد وحيد تعيشه البلاد وإهمال كل ماعداها، وكأننا أمام حدث له أعراض مرضية إعلامية وبائية مُعدية تتسرب وتتوغل وتنتشر عبر كل الوسائط الإعلامية بسرعة، وأحياناً يتلاحظ أن هناك من يصنع بعض تلك الأحداث ويُعلى من قدر أهميتها للتغطية على تفجر حدث أكثر أهمية وما قد يطرحه الحدث من تداعيات سلبية كانت أو إيجابية، ولعلنا ننتبه بعد ثورة 25 يناير إلى أهمية إدراك أن الأمم التى تنشد التقدم، ينبغى على جميع قواها ومؤسساتها وقياداتها أن تتعامل مع كل القضايا والأحداث بقدر تأثيرها دون إغفال أو تجاهل لقضية مهما رأى البعض محدودية أهميتها. بالرغم من معاناة الشعب المصرى إثر تداعيات حالة الانفلات الأمنى، والحديث المتكرر من قبل المؤسسات الأمنية والشرطية المتتابعة قبل وبعد ثورة يناير عن تورط منظمات إرهابية فى إحداث تلك الحالة، بداية من تصريح حبيب العادلى حول مسئولية منظمات إرهابية وضلوعها فى تفجيرات مذبحة كنيسة القديسين، ووصولاً إلى أحداث أخيرة فى سيناء.. وبالرغم من ذلك، خفت الحديث وتراجعت وتيرته عن تناول خطورة وجود بؤر إرهابية فى مناطق غير بعيدة عن قلب الوطن، وكيف أن لتلك المنظمات الأذرع الطويلة التى قد تطول الداخل بما يهدد حالة أمن وسلام الوطن والمواطن. وعليه أرى أهمية المغامرة الصحفية والمهنية باحتراف للصحفى العاشق لمهنة البحث عن المتاعب شارل المصرى مدير تحرير جريدة المصرى اليوم، عندما سعى بجدية وحماس إلى إجراء مقابلة صحفية مع الحارس الشخصى لزعيم منظمة القاعدة أسامة بن لادن.. الأهمية أراها من منطلق ما نعيشه من تبعات إيجابية وسلبية لثورات الربيع العربى، وما تطرحه من ضرورة للاقتراب من مناطق صناعة الإرهاب ورموزه، للتعرف على منطلقاتهم وقناعاتهم وتصوراتهم لمستقبل تلك المنظمات الإرهابية. وبعد نشر شارل لتفاصيل تلك المقابلة بجريدته على حلقات تابعها القارئ بشغف، تحمس لإفراد المزيد من التفاصيل فضمنها فى كتاب عنونه «الدب الأسمر اعترافات الحارس الخاص لأسامة بن لادن».. لا شك أن كل ما يتعلق بأخبار تتناول أنشطة مثل تلك المنظمات، وما يحدث لرموزها يمثل مادة مهمة لوكالات الأنباء العالمية والفضائيات ومواقع الشبكة العنكبوتية.. إن من يتابع مؤخراً على سبيل المثال خبر تسريب موقع الوثائق المسربة الشهير ويكيليكس حول الرواية المعلنة بشأن إلقاء جثة زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، والتأكيد على أنها «كاذبة»، وفقاً ل3 وثائق مسربة نشرتها، وما أشارت إليه الوثائق إلى أن جثة بن لادن موجودة بحوزة معهد القوات المسلحة لعلم الأمراض فى مدينة بيثيسدا بولاية ميرلاند، لافتة إلى أنه تم نقل جثمان بن لادن لأمريكا فى طائرة خاصة بالاستخبارات المركزية الأمريكية «سى آى إيه»، وما قاله رجل الأعمال الأمريكى الباكستانى الأصل، منصور إعجاز إن الرئيس الباكستانى، «آصف على زردارى» هو من أَذِن للقوات الأمريكية بالدخول إلى باكستان لاغتيال أسامة بن لادن، بحسب ما أفادت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، وكيف تطاير الخبر إلى كل الدنيا، يتيقن حجم الاهتمام العالمى بتلك المنظمة، ومثيلاتها فى العالم. لقد فجر الحارس الشخصى لبن لادن الكثير من المفاجآت وقدم الكثير من الأسرار حول علاقته ببن لادن، وعن كيفية تجنيده لهذا العمل.. ولعل من الطرائف التى أشار إليها حارس أسامة بن لادن (الدب الأسمر كما أُطلق عليه) فى اللقاء، بأن من قام بتجهيزه للجهاد إمرأة، وأنها طلبت أن يدعو لها بالزواج، وأكد فى مرحلة من مشواره عزمه الرجوع من الصومال إلى اليمن بعد أن اكتشف خداع المجاهدين الصوماليين فى الاتحاد الإسلامى، وبعد عودته إلى اليمن قرر السفر للجهاد فى طاجيكستان عبر باكستان بجواز سفر جديد. ويكشف الدب الأسمر فى اللقاء عن تفاصيل خيانة الطاجيك للمجاهدين العرب، ويقول: تدربنا على كل شىء يخطر على بال أحد من أسلحة وتخطيط وصنع متفجرات ودوائر إلكترونية، خاصة أن الشيخ أسامة لديه نظرية، وهى أن كل شاب من شباب القاعدة هو تنظيم بذاته، وهذا ما حدث أثناء التدريب حيث وقعت عدة حوادث، وسبق أن قلت إننى مكثت رمضان كله عنده، لأننى التقيته قبل حلول شهر رمضان بثلاثة أيام وخرجنا فى العشرة الأواخر من رمضان إلى خارج مدينة «جلال أباد» حيث يوجد مقر نجم الجهاد، وفى تلك الفترة حدث استنفار لشباب القاعدة، وكنا وقتها نائمين فى بيت سرى قريب من مقر «نجم الجهاد» وفجأة وجدت حرس «بن لادن» جاءوا وسألت: ماذا يحدث؟ قالوا: هناك مدرعات ودبابات تتجه ناحية مقر مجمع «نجم الجهاد» وكان وقتها الأفغان يتحركون دون تنسيق مع العرب، وعندما تحركت «طالبان» حدث الاستنفار، لأننا لا نعرف إذا كانوا أصدقاء أم أعداء، وفى هذه اللحظة جاءوا بالشيخ أسامة عندنا، وكان لدى كل واحد منا رشاش كلاشينكوف كحماية لنا.. فأخذت سلاحى ووقفت على الباب لحماية هذا الرجل بدافع ذاتى، فأنا أحب هذا الرجل فى الله ولست من أفراد حراسته وقتها وسمعت الشيخ أسامة يقول لأبى حفص: شوف الرجَّال أى الرجل إيش بيعمل!، ووقتها كنت بصحتى وسددت الباب بجسدى. والكتاب يتضمن هذه الفصول: الالتحاق بالقاعدة، الجهاد فى الصومال، خيانة المجاهدين الطاجيك، الانضمام الرسمى للقاعدة، ندم الظواهرى، أسرار السلاح الكيماوى، نشأة القاعدة وتاريخ زعيمها، أحداث مهمة فى تاريخ القاعدة. وفى معرض حديثه عن اللقاء والكتاب أشار شارل المصرى خلال حفل توقيعه كتابه «الدب الأسمر»، إلى أن هناك ضباط أمن مصريين انضموا لتنظيم القاعدة، رافضاً ذكر أسمائهم، بالإضافة إلى أن هناك لاعب كرة قدم معروف هو أيضا عضو مهم جدا حالياً بتنظيم القاعدة. وأضاف المصرى إلى أن الرحلة التى ذهب فيها إلى اليمن استغرقت 30 ساعة وكلفته 30 ألف جنيه، لافتا إلى أنه أبلغ السفارة اليمينة بالقاهرة أنه يرغب فى السفر إلى اليمن لإجراء حوار مع وزير الثقافة اليمنى، مستشار على عبدالله صالح، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية فى اليمن أشد سطوة وقمعا من تصور الجميع، قائلا إنه عندما خرج من المطار إلى أن وصل للفندق وهو لا يبعد كثيراً مر على أربع محطات تفتيش. وأكد أن حارس بن لادن قال له فى الحوار إنه تلقى تدريباً فى مجال التنمية البشرية على يد داعية إسلامى شاب شهير، مضيفاً إلى ذلك أن جميع حراس بن لادن كانوا مصريين. وفى تعقيبه خلال حفل توقيع الكتاب، أشار منتصر الزيات محامى الجماعة الإسلامية تعليقاً على انضمام المصريين للقاعدة أن معظمهم كان يسافر للعمل فى باكستان والفلبين بنوايا مخلصة وليس للانضمام للقاعدة، وعندما يواجهون الواقع هناك ولا يستطيعون العودة لمصر خوفا مما سيجرى لهم ينضمون للقاعدة.