تحقيق: إسلام أبو خطوة / إشراف : نادية صبحي حيل عديدة لجأ إليها المصريون للهرب من نار أسعار الملابس الشتوية المرتفعة، فمع قدوم فصل الشتاء أحجم عدد كبير من المواطنين عن الشراء، وأصبحت العروض على واجهات المحلات ل«الفرجة» فقط، وينذر هذا الركود بخسائر كبيرة لأصحاب المحال. وتعددت الحيل ما بين شراء الملابس «البالة» من وكالة البلح، وإعادة استخدام الملابس القديمة فى المنزل، وشراء الأقمشة لحياكة الملابس على الماكينات المنزلية، فى حين أشار عدد كبير من المواطنين إلى أن كافة التخفيضات المعروضة بالمحلات وهمية وغير حقيقية. وأجرت «الوفد» جولة ميدانية على عدد من المتاجر فى منطقة العتبة وشارع طلعت حرب لترصد الأسعار، إذ يصل متوسط سعر الجاكيت فى بعض المتاجر ل2000 جنيه، والقميص 300 جنيه، والبنطلون ما بين 400 و500 جنيه، والبلوفر ما بين 300 و550 جنيهاً، فى حين يصل متوسط سعر الجاكيت النسائى إلى 1110 جنيهات إلى 5 آلاف جنيه، والجاكيت الكلاسيكى 900 جنيه، أما البلوفر ذو النقوش ما بين 600 إلى 800 جنيه. أما عن أسعار الملابس «البالة» فى وكالة البلح فتتراوح بين 400 جنيه إلى أكثر من 700 جنيه للجاكت، والبنطلونات من 180 إلى 300 جنيه، ومتوسط سعر «التيشرت الشتوى» 300 جنيه. «ماكينة الخياطة» تعيد أحلام الدفء إسعاد: «بدل ما اشترى من وكالة البلح.. صلحت القديم» والتقت «الوفد» عدداً من المواطنين للتعرف على رأيهم فى أسعار الملابس. قالت إسعاد محمود، موظفة: إنها لجأت إلى الملابس الشتوية القديمة فى المنزل وأرسلتها للترزى ليصلح ما بها من عيوب ثم أعادتها مرة أخرى لأبنائها الثلاثة فى المرحلة الثانوية، مشيرة إلى أنها حاولت شراء الملابس الشتوية الجديدة، ولكن عجزت أمام الأسعار المرتفعة. «بدل ما اشترى ملابس مستعملة من وكالة البلح، صلحت القديم اللى عندى».. بهذه الكلمات استكملت «إسعاد» حديثها، مشيرة إلى أن زوجها موظف لا يتعدى دخله 1500 جنيه، وتساعده فى العمل لسد احتياجات المنزل والأبناء، وعندما خرجت لشراء ملابس الشتاء وجدت الأسعار مرتفعة لا تكفى لشراء طقم واحد لأحد أبنائها. وأشارت الموظفة إلى أن إعادة استخدام الملابس الشتوية فى المنزل يوفر المال الكثير على الأسرة، ويمكن أن يستثمر رب الأسرة ثمن الملابس الجديدة فى أشياء أخرى. الأمر نفسه تقوم به عنايات فتحى، ربة منزل، والتى قالت: إن لديها 4 أبناء فى مراحل تعليمية مختلفة، وكانت مع قدوم فصل الشتاء تشترى الملابس الجديدة، ولكن هذا العام عجزت بسبب ارتفاع الأسعار، مشيرة إلى أنها أعادت استخدام الملابس الشتوية الموجودة فى المنزل مع إضافة بعض اللمسات الجديدة على ماكينة خياطة خاصة بها فى المنزل. أحمد رشاد، عامل، قال: إنه يذهب إلى وكالة البلح كل عام لشراء ملابس الشتاء لابنيه، ويفضل أسعار الوكالة التى تكون فى متناول البسطاء، ورغم ارتفاع أسعار الملابس البالة هذا العام، إلا أنه يعتبرها أفضل بكثير من أسعار الملابس الجاهزة. «وكالة البلح مش للفقراء بس.. ده للأغنياء برضو».. يستكمل «رشاد» حديثه، مشيراً إلى أن أسعار الوكالة فى المتناول خصوصاً فى الملابس المستعملة. وتابع: «حينما تنظر للملابس المعروضة لا تستطيع أن تفرق ما إذا كانت مستعملة أم جديدة». فاطمة حامد، موظفة، قالت: إنها تغلبت على ارتفاع أسعار ملابس الشتاء عن طريق شراء ماكينة خياطة خاصة بها، واشترت بعض الأقمشة المحببة لأبنائها وبناتها، وصممت الأزياء هرباً من نار أسعار المحلات، مشيرة إلى أنها تعلمت الخياطة وتصميم الأزياء من عملها كمدرسة اقتصاد منزلى. وتابعت: «ثمن الجاكيت فى المحلات يكفى لتصميم 3 فساتين لبناتى على أحدث موديل»، مشيرة إلى أن شراء الأقمشة وتصميم الأزياء أرخص بكثير من شراء الملابس الجاهزة. وقدمت «فاطمة» النصيحة للسيدات بضرورة تعلم الخياطة وتصميم الأزياء لمحاربة الغلاء. حسبة لا تتجاوز 1500 جنيه ثمن قيمة طقم الفتاة فى الجامعة حسبما أشارت إليه «فاطمة» بعد شراء القماش المفضل وتصميمه فى المنزل على حسب ما ترغب نجلتها، وقالت: «لو حبيت أشترى طقم لبنتى مش هيكون أقل من 3 آلاف جنيه أنا هنا بوفر نصف التمن وبخليه لأخواتها». وقدمت أسماء عبدالعال، موظفة، عدة نصائح للهرب من نار أسعار المحلات، منها عدم شراء الملابس فى بداية أى موسم سواء الشتاء أو الصيف، إذ تكون الأسعار مرتفعة نظراً للإقبال الشديد من المستهلكين، لتوفير ملابسهم التى تتناسب مع الفصل، أيضاً الانتظار لفترة التخفيضات، والتى تبدأ عادة فى نهاية شهر ديسمبر، وحتى منتصف شهر يناير، فيما يطلق عليه الأوكازيون الشتوى، والشراء فى نهاية الموسم أحسن. وتابعت «أسماء» تقديم نصائحها قائلة: «ممكن نشترى من الأماكن المشهورة بكثرة محال الملابس بها، حيث يتنافسون فيما بينهم على تقديم أفضل العروض والتخفيضات للزبائن لتحقيق ربح ومبيعات أكثر». وقالت فاطمة شريف، موظفة: إن هناك عدداً من صفحات «فيس بوك» تعرض بعض السلع الشتوية قليلة الاستخدام وبأسعار فى قدرة محدودى الدخل. وأشارت إلى أن هذه السلع شهدت خلال الفترة الماضية رواجاً كبيراً، واشترك عدد كبير من الأهالى فى هذه الصفحات للاطلاع على أحدث عروضها. أصحاب المحال يصرخون: «مفيش بيع وبيوتنا هتتخرب» خسائر ضخمة لمصانع الملابس الجاهزة.. والمتاجر تتحمل الضرائب والفواتير والعمالة ومن المواطنين إلى أصحاب المحلات الذين تكبدوا خسائر فادحة جراء امتناع المواطنين عن الشراء، صارخين: «مفيش بيع وبيوتنا هتتخرب». قال أحمد سويلم، صاحب محل ملابس جاهزة بشارع طلعت حرب: إن أسعار الملابس المرتفعة سببها التزام صاحب المحل بدفع إيجار عالٍ يصل لعدة آلاف من الجنيهات، بجانب فاتورة الكهرباء والمياه، وغيرها من مستلزمات شراء الملابس من كبار التجار الذين يحتكرون النشاط، كما من ضمن الأسباب ارتفاع أسعار الخامات التى تصنع منها الملابس، مع تخفيض رسوم الجمارك. وأشار التاجر إلى أن هناك عدداً كبيراً من مصانع الملابس الجاهزة أغلقت بسبب ارتفاع سعر المواد الخام، مطالباً الحكومة بإصدار قانون يساعد التجار على الاستيراد حتى يسهل عليهم الحصول على السلع دون التعرض للاستغلال من جانب المصانع وكبار التجار. وتابع: «خسائر التجار أقل من المصانع، لأن التاجر يمكنه رد البضاعة، أما المصنع فملاذه الوحيد من الغلاء غلق أبوابه لحين تحسن أوضاعه»، مشيراً إلى أن تجار المحلى يتبعون فكرة خسائر قريبة أفضل من مكسب فى علم الغيب، معتبراً أن الركود هو المسيطر على المشهد. ديون بالآلاف تكبدها التجار بعد عزوف عدد كبير من المواطنين عن الشراء هذا العام نظراً لارتفاع الأسعار، وقال صاحب المحل: إنه مطالب بدفع الضرائب وسداد فواتير الكهرباء والمياه والإيجار، وكل هذه المطالبات فى ظل ضعف حركة البيع والشراء، مؤكداً أن سبب ارتفاع أسعار الملابس يرجع لعدة أسباب منها جشع كبار تجار الجملة، وارتفاع سعر المواد الخام الخاصة بالصناعة. يحيى زنانيرى نائب رئيس الشعبة: 15٪ ارتفاعاً فى الأسعار قال يحيى زنانيرى، نائب رئيس الشعبة العامة للملابس الجاهزة فى الاتحاد العام للغرف التجارية: إن ارتفاع أسعار الطاقة والخدمات وتكلفة الأيدى العاملة، سبب رئيسى فى ارتفاع أسعار ملابس الشتاء هذا العام، ومنها ضعف حركة البيع والشراء، مشيراً إلى أن نسبة الزيادة بين 10 و15% مقارنة بأسعار الموسم الشتوى الماضى. وعن حجم السلع المعروضة هذا العام فى المحال، قال «زنانيرى»: إنها قليلة مقارنة بالأعوام الماضية نظراً لخوف الباعة من التعرض لخسائر فادحة حال ركود البيع، فطبيعة الملابس تختلف موديلاتها عاماً بعد الآخر ونادراً ما يقوم بشراء ملابس ذات موديلات قديمة. ولفت رئيس شعبة الملابس بالغرف التجارية، إلى أن «الأوكازيون الصيفى» لم يحقق المرجو منه، وفشل كثيرون فى تصريف الراكد الذى تقدر قيمته بأكثر من 6 مليارات جنيه، إضافة إلى حجم الملابس المهربة بالسوق المحلي، والذى يقدر بنحو 8 مليارات جنيه. تحذير طبى: الملابس المستعملة تنقل الأمراض يفضل عدد كبير من المواطنين شراء الملابس «البالة» فى فصل الشتاء، والتى تتواجد ليس فقط فى وكالة البلح بل فى المناطق الشعبية، هرباً من نار أسعار الملابس الجاهزة، لكن بعض الأطباء حذروا من ارتدائها لما تشكله من مصدر خطر فى نقل الأمراض الجلدية. ونوه عدد من أطباء الأمراض الجلدية إلى مخاطر ارتداء الملابس البالة وما تنقله من أمراض خصوصاً الملابس الداخلية. من جانبهم قال عدد من الباعة: إن الملابس «البالة» بعضها يكون من بواقى الأقمشة فى المصانع والمستشفيات وغيرها غير معلومة المصدر. وأوضح الباعة أن الملابس البالة تمر بظروف نقل وتخزين سيئة رخيصة، فتكثر الجراثيم والبكتريا الطفيلية بها مما يشكل خطورة على صحة المواطنين. طبيب أمراض جلدية -رفض نشر اسمه- نصح المواطنين بعدم الانسياق وراء عروض ملابس البالة فى الأسواق، مؤكداً أن لها عواقب وخيمة على صحة المواطنين، خصوصاً الأطفال ممن يعانون الحساسية، وحال ارتداء هذه الملابس التى لا نعلم مصدرها وتحمل العديد من الميكروبات يصاب الشخص بالعديد من الأمراض المعدية. وطالب الطبيب جهاز حماية المستهلك ووزارة الصحة بشن حملات على الأسواق لمصادرة الملابس البالة حفاظاً على صحة المواطنين، وتابع: «هناك بعض الطفيليات والفيروسات تنتقل عبر هذه الملابس التى تأتى من أماكن غير معلومة، كذلك الملابس غير القطنية قد تسبب الإكزيما الجلدية أو الحساسية، لذلك ينبغى الاهتمام بتعقيم وتطهير الملابس بصورة صحيحة وكيها قبل استخدامها حتى تكون صحية لتفادى انتشار الأمراض».