بقلم : حمزة قناوي منذ 1 ساعة 18 دقيقة لا حديث للناس في مصر حالياً سوي عن عودة قانون الطوارئ.. ذلك القانون الذي ولدت فوجدته أمامي في بلدي منذ ثلاثة عقود واكتويت به كالناس في ربوع مصر.. الناس المعرضون بأكملهم للهراوة التي يشرعها هذا القانون تحت الشمس. هذا القانون الذي يجعل من مصر البلد الوحيد في العالم الذي يستطيع فيه عسكري شرطة لم ينل أي قسط من التعليم يستطيع أن يوسع بالضرب أستاذاً جامعياً في الشارع لمجرد أنه لا يروق له! وقس هذه المعادلة علي المخبرين وغيرهم من العاملين بالداخلية، والمواطنين الشرفاء المجتهدين في هذا البلد من جهة أخرى، وهي معادلة محسومة لصالح الهراوة أمام القانون والحريات المدنية والدستور. قانون الطوارئ، هذا القانون الذي فرضه عبدالناصر لأسباب الهزيمة في 67، وفعّل العمل بالقوانين العرفية، واستمر خلفه الرئيس أنور السادات يمارس حكمه انطلاقاً من هذا القانون، وسرعان ما عاد الرئيس المتنحي مبارك لفرضه علي البلاد بعدما رفع السادات حالة الطوارئ لفترة قصيرة، واستمر العمل بهذا التشريع حتي ما قبل ثورة 25 يناير. تذكرت إحدي الدول الأوروبية التي فرضت حكومتها قانون الطوارئ علي البلاد لمدة أسبوعين لوقوع اضطرابات داخلية فيها وأعمال شغب وعنف، حاولت خلالهما إعادة الانضباط إلي البلاد، وعندما لم تستطع، مددت الحكومة العمل بالطوارئ لمدة أسبوع آخر. هنا انتفض الشعب بأكمله عليه ونزل إلي الشوارع مهدداً بانقلاب مدني علي الدولة.. لماذا؟ لأنها تريد تطبيق الطوارئ ثلاثة أسابيع كاملة في عصر الحريات الدستورية، أما في مصر فلم تكف ثلاثون عاماً تحت الطوارئ لنعاود العمل به وتمديده وكأن ثورة لم تقم في هذا البلد! رحت أفكر في مسوغات قانون الطوارئ وأسباب فرضه.
قيام حرب الحمد لله لا نحارب ولا يحزنون منذ كامب ديفيد، بل إن الحروب تقوم حولنا في الدول العربية وتفني شعوباً عن بكرة أبيها ونحن جالسون نتفرج عليها، العراق والسودان وحرب إسرائيل علي لبنان.. بينما الإسرائيليون سارحون مارحون في شرم الشيخ.
حدوث اضطرابات في الداخل أو كوارث عامة لا يمكن تسمية ثورة 25 يناير والأوضاع التي تلتها بالاضطرابات التي تهدد السلم الأهلي لفرض حالة الطوارئ، فمسارات الثورة التي تفاوتت منذ اندلعت لم يكن بها (اضطرابات) كبري بالمعني العام، وإنما كانت هناك (ظواهر) مؤقتة تنتهي بانتهاء المسبب، وكانت الأمور تستقيم سريعاً انطلاقاً من ميدان التحرير. الحالتان الأخيرتان.. حدوث كوارث عامة أو انتشار وباء أما عن الكوارث العامة فلم تنته منذ 29 عاماً بمصر ومنذ عهد النظام السابق، بدءاً من المليارديرات الهاربين بثروات مصر إلي الخارج، ومروراً ببيع القطاع العام الذي خاضت مصر حروباً من أجل إقامته وترسيخ دعائمه في الستينيات وانتهي إلي تصفيته وبيعه وتطبيق سياسات إعادة الهيكلة التي أدخلت الاستعمار الجديد إلي البلد علي هيئة خبراء ومنح تلعب استراتيجياتها حتي في رغيف القمح الوطني، وخصخصة البنوك، والبطالة الجماعية للمصريين، والحوادث بمختلف أشكالها، القطارات المحترقة والأخرى المنقلبة، والبيوت المنهارة.. (خرج بحث جيولوجي أعده أحد أساتذة الهندسة في مصر بنتيجة مفادها أن ثلث بيوت مصر قابلة للانهيار عند أول زلزال متوسط القوة أو أعلي من المتوسط، ويجب ترميمها). ونزيف الأسفلت عبر حوادث الطرق (مصر أعلي دولة في العالم من حيث عدد حوادث الطرق وقتلي هذه الحوادث) واكتئاب المصريين (25 مليون مكتئب مرضياً) والمنتحرين (عدد المنتحرين في مصر عام 2008 تجاوز 15 ألفاً.. معظمهم من الشباب.. وكان السبب غالباً هو الفقر والبطالة، ومصر بدأت تصعد في رحلتها لمنافسة أكبر الدول في نسب الانتحار). ومن البطالة التي زادت بين الشباب المصري علي نسبة 15٪ حسب آخر تقرير للتنمية البشرية في مصر ظهر اليأس الذي دفع بالشباب إلي إلقاء أنفسهم في البحر في محاولة للهجرة غير الشرعية، وغالباً ما ينتهون غارقين في أعماق البحر، أو تقبض عليهم الشرطة الدولية وتعيد ترحيلهم إلي مصر لتعتقلهم الشرطة وتبدأ معهم مشواراً جديداً من وضعهم في دوائر الاشتباه وفتح ملفات لهم في «لاظوغلي» واعتقالهم كمجرمين. حسب الإحصاءات فهناك قضية تُرفع في مصر للقضاء علي 15 ثانية! معظمها قضايا خاصة بالمجتمع واختصام الناس بعضهم بعضاً (متي يجد هذا المجتمع وقتاً لكي يعمل إذن؟). كوارث.. لا تنتهي الكوارث في مصر ورغم ذلك، فلا يوجد بند واحد في قانون الطوارئ وجد ليتعامل مع هذه الكوارث، لا شيء غير العصا والرصاص لمن لا يعجب السلطة! رغم أن ما يستدعي توظيف هذه القوة لصالح الناس أكبر كثيراً مما يبرر ضربهم. أما الأوبئة.. فهي كثيرة في مصر.. وأولها انعدام الضمير والتلون وركوب الموجة والانتهازية السياسية.. وهذه الأوبئة لا يصلح معها لا قانون طوارئ ولا سواه!