إن تحرير العباد من جور الظلم والاستبداد, وإخراجهم من طور الضعف والهوان لطور القوة والكرامة إرادة إلهية مصداقاً لقوله تعالى: (إنّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يُذبّح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين*ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين*ونمكن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون), ذلك أن علاقة العبودية التي تصل الإنسان بخالقه لا يستقيم معناها ووجودها في نفوس ألفت الذل والخضوع لغيره, وكُبلت إرادتها بالخوف والرهبة من سواه.. فهم هذه الحقيقة واستيعاب هذه الإرادة الإلهية ومتطلبات تحقيقها, هو ما شكّل رسالة الأمة المسلمة ودورها التحريري بين الأمم, وهو ما عبر عنه الصحابي الكريم ربعي بن عامر "رضي الله عنه", في جواب رستم عن غايته من تكبد المشقة في الحروب والعناء في الأسفار بقوله: (إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد، ومن جور الأديان لعدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا لسعة الدنيا والآخرة) فلا إمامة للأمة, ولا ميراث للأرض, ولا تمكين لدين الله, إلا بتحرر المسلمين إبتداءاً من ذل الاستعباد والخنوع لطواغيت الاستبداد الذين تسلطوا علي رقاب العباد بالقوة الجائرة, واستباحوا حرماتهم, وأهدروا حقوقهم, وسرقوا من الأجيال آمالها في العيش الكريم والحرية المستحقة. إن مدافعة الظلمة هو تحقيق لهذه الإرادة الإلهية، وتأملوا دقة قوله سبحانه وتعالى (ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون), تأملوا قوله تعالى "منهم", فالخالق جل وعلا يريد من المستضعفين في الأرض أن يبادروا لمدافعة من يسلبهم حق الحرية والعيش الكريم، أن يبادروا بأنفسهم دون تعويل على أحد من البشر لسحق من استعبدهم، وسلب حقوقهم، وأشاع الفساد في ديارهم، وهو في ذلك يعدهم بالعون والتوفيق حين ينسب لذاته العلية الفعل, بقوله "نُري".. (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). وتأملوا قوله تعالى: "ما كانوا يحذرون", إنه توصيف إلهي لحال الطغاة والمفسدين في الأرض, فمهما بدا في خطابهم السكينة والثقة في دوام الحال, ومهما تحصنوا من صحوة الشعوب بنشر المفاسد, وتخدير العواطف, وتكميم الأفواه. مهما بدا للعيان أنهم في منعة من المحاسبة والردع, فإن حقيقة ما بداخلهم هو الحذر والقلق والتوتر، وتوجس الخوف من حراك المستعبدين وثورتهم! فإلى كل من هب لمدافعة الاستبداد وسحق عروشه, بشراكم فإن يد الله فوق أيديكم, وإرادتكم من إرادته, ما أخلصتم النوايا, واحتسبتم عنده الأجر, وطلبتم منه العون والسداد.اثبتوا أيها الثائرون، فإنما النصر صبر ساعة, وكل يوم في ثورتكم المباركة هو معول هدم في بنيان الباطل المُترهل, ولبنة بناء في صرح حريتكم وكرامة أمتكم المسلوبة. اثبتوا، ولا يضركم من خذلكم فالله معكم، والله يرعاكم والله ناصركم، وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.اثبتوا، فإن ثباتكم ومضاء عزائمكم سيُلهب المشاعر التي بردت أو ضُللت, وسيدفع الجموع الصامتة للخروج من صمتها الذي طال, والتكتل معكم في مواجهة الاستبداد وقوى الظلام.(ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون).وإن الله علي نصركم لقدير.