\r\n بدأت القصة في الأول من نوفمبر الحالي في أحد مطاعم \"السوشي\" الواقعة بالقرب من منطقة \"بيكاديلي سيركس\". \r\n بالتأكيد لم يكن السم من ضمن الوجبات التي تشتمل عليها قائمة الطعام في هذا المطعم، ولكن الذي حدث هو أن ليتفيننكو المنتقد الشرس للرئيس فلاديمير بوتين ولجهاز \"إف. سي. بي\" (كي. جي.بي سابقا) بعد أن تناول الطعام مع شخص إيطالي في المطعم سقط مريضاً بعد مغادرته ذلك المطعم بساعات. وفي الأسبوع الماضي نُقل ليتفيننكو إلى أحد المستشفيات اللندنية تحت حراسة \"سكوتلاند يارد\" وذلك قبل أن يتوفى ليلة الخميس الفائت. \r\n في البداية اعتقد الأطباء المعالجون أن المنفي الروسي قد راح ضحية للتسمم بمادة \"الثاليوم\"، ولكن بعد إجراء بعض الفحوصات شك هؤلاء الأطباء في أن الرجل قد يكون مات بفعل مادة \"الثاليوم\" المشعة أو غيرها من أنواع السموم. \r\n ولكن مسؤولاً بوزارة الصحة البريطانية أعلن مؤخراً أن ليتفيننكو مات نتيجة تناول جرعة كبيرة من مادة \"البلوتونيوم 210\" وهي مادة مشعة كذلك. \r\n وقد تركزت الشكوك فوراً على جهاز الأمن الفيدرالي الروسي \"إف.إس.بي\" الذي عمل ليتفيننكو فيه لحسابه قبل أن يقطع علاقته به عام 2000 بعد أن اتهمه بارتكاب جرائم عديدة ليفر إلى لندن حيث مُنح حق اللجوء السياسي. وفي لندن أصدر ليتفيننكو كتاباً عام 2003 بعنوان\" إف.إس.بي يفجِّر روسيا\" اتهم فيه جهاز الأمن الروسي بقصف شقق سكنية في موسكو واتهام المقاتلين الشيشان بالقيام بذلك، لخلق المبرر لغزو الشيشان مرة ثانية وهو ما أغضب الكرملين. \r\n وفي الوقت نفسه الذي سُمم فيه كان ليتفيننكو يجرى تحقيق خاص في حادث القتل الذي وقع في السابع من أكتوبر الماضي في العاصمة الروسية موسكو وراحت ضحيته الصحفية المعارضة \"آنا بوليتكوفسكايا\". \r\n وعلى الرغم من عدم توافر دليل قوي يمكن من خلاله الربط بين الاستخبارات الروسية وبين مؤامرة التسميم، فإن الشكوك التي أثارتها بعض الجهات في هذا الشأن دفعت الكرملين إلى الرد ووصف تلك الشكوك بأنها لا تزيد عن كونها \"هراءً محضاً\". وسبب هذه الشكوك يرجع إلى أن ال\"كي.جي.بي\" لها تاريخ مشهود في عمليات التسميم أهمها الحادث المعروف بحادث المظللة المسمومة. ففي ذلك الحادث ساعدت \"كي جي بي\" على اغتيال \"جورجي ماركوف\" المنشق البلغاري الذي تعرض لوخزة متعمدة في فخذه على جسر \"ووتر\" لو في لندن بواسطة شخص كان يحمل معه مظلة ذات طرف مسمم بمادة \"الريسين\" مما أدى إلى وفاته بعد 4 أيام. \r\n وحادث تسميم ليتفيننكو يحمل العديد من الألغاز منها علاقته بالشخص الإيطالي الذي تناول معه طعام الغداء في مطعم \"السوشي\"، ويدعى ذلك الشخص \"ماريو سكاراميلا\" وهو أكاديمي يعمل استشارياً لمؤسسة تقوم بإجراء تحقيق عن أنشطة الاستخبارات السوفيتية السابقة في روما. \r\n وقد قال \"سكاراميلا\" في روما يوم الثلاثاء الماضي إنه قد طار إلى لندن لمقابلة ليتفيننكو وتسليمه مستندات تحدد الأشخاص الذين يشتبه في تورطهم في جريمة قتل \"آنا بوليتكوفسكايا\"، وكذلك قائمة بأسماء الأشخاص الذين تزمع الأجهزة الروسية قتلهم ومن بينهم اسم ليتفيننكو نفسه. \r\n ولكن \"سكاراميلا\" لم يكن هو الشخص الوحيد الذي التقى به ليتفيننكو في ذلك اليوم حيث التقى قبل ذلك بساعتين مع شخصين روسيين لاحتساء الشاي في أحد الفنادق الواقعة في وسط لندن. \r\n وقد يكون من المفيد لاستجلاء جوانب الغموض المحيطة بالموضوع هنا أن نعود إلى الوراء قليلاً وتحديداً إلى عام 1998 وهو العام الذي عقد فيه ليتفيننكو الذي كان يعمل ضابطاً في ال\"كي جي بي\" في ذلك الوقت مؤتمراً صحفياً أعلن فيه أن \"مجموعة إجرامية\" قد طلبت منه قتل \" بوريس آيه. بيروزوفسكي\" أحد أفراد النخبة الروسية المالية الصاعدة في ذلك الوقت. \r\n وقد وصف بوتين وهو ضابط سابق في ال\"كي جي بي\" كما عمل رئيسا لجهاز \"إف. س. بي\" موت ليتفيننكو بأنه مأساوي، ولكن قال أيضاً إنه نظراً لأن موته لم يحدث نتيجة لعمل عنيف \"فإنه لا مكان للتكهنات المثارة حول الجريمة\"، وهو تصريح غريب في الحقيقة. \r\n ترى من ذا الذي يمكن أن يكون قد قتل ليتفيننكو؟ \r\n يقول \"أوليج كالوجين\" المدير السابق لمكافحة الجاسوسية في ال\"كي. جي. بي\"، والذي يعيش الآن في الولاياتالمتحدة، إن هذه العملية تعتبر دليلاً آخر على طبيعة النظام الحالي في روسيا: \"فهم يلجأون لقتل المعارضين، والسم هو إحدى الوسائل التي يتبعونها في ذلك\". \r\n وبطبيعة الحال لم يؤدِّ ذلك التصريح إلا إلى إضفاء المزيد من الغموض على ما حدث، وهو غموض قد يدفع بعض هواة القصص البوليسية إلى التساؤل كيف تمكن جهاز أمن داخلي هو \"إف.سي.بي\" من تعقب ليتفيننكو في لندن. \r\n ولكن كالوجين يقول إن \"إف .س.بي\" أنشأ منذ سنتين شعبة تتولى العمليات الخارجية، ومن المؤكد أن \"إف.سي.بي\" هو الذي نفذ هذه العملية وليس جهاز \"إس.في.آر\" (الاستخبارات الخارجية الروسية). \r\n أما في روسيا ذاتها فقد كانت هناك تلميحات بأن ليتفيننكو قد راح ضحية مؤامرة دبرتها عصابة إجرامية غامضة، أو أن يكون قد وضع السم في الطعام بنفسه. وبديهي أن كل ذلك لا يزيد عن كونه شكوكاً، والشيء الوحيد المؤكد أن الرجل قد مات. أما سر قتله فإنه، مثله في ذلك مثل الكثير من أسرار الحرب الباردة، قد يظل سراً إلى الأبد. \r\n \r\n صحفي أميركي متخصص في شؤون الاستخبارات والجاسوسية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n