\r\n والفضيحة مصدر الأزمة التي تكاد تزلزل أركان الجزيرة الصغيرة تتمثل في دخول الحزب \"الديمقراطي التقدمي\" الحاكم في مواجهة حادة ومستحكمة مع حزب \"كومينتانج\" المعارض حول ما إذا كان يتعين على الرئيس تقديم استقالته على خلفية تهم الرشاوى التي تطال أفراد عائلته، أم يبقى في السلطة. ولم يكن لهذا النزاع الداخلي أن يكتسي هذه الأهمية لو لم تكن تداعياته المحتملة تتجاوز تايوان لتمس القوى الإقليمية والدولية أيضاً. وتنصب مزاعم الضلوع في الفساد حول السيدة الأولى في تايوان \"وو شو- شين\"، التي يعتقد أنها تلقت سندات مالية من أحد المتاجر الكبيرة في تايوان تقدر ب150 ألف دولار. وفي الوقت نفسه يخضع \"تشاو تشين- مينج\" نجل الرئيس، بالإضافة إلى صهره وعائلته لتحقيق في قضية رشاوى. \r\n \r\n ونظراً لخطورة تهم الفساد الموجهة إلى أفراد عائلة الرئيس \"تشين\" دعا زعيم الحزب المعارض \"ما يينج جيو\" الرئيس للاستقالة والتخلي عن السلطة لحفظ ماء وجهه وتفادي إرغامه على الرحيل. وبعد نزول المظاهرات المناوئة للرئيس \"تشين\" إلى الشوارع في تايوان مطالبة باستقالته في العاشر من شهر يونيو الجاري تقدم زعيم الحزب المعارض بمقترح إلى البرلمان يطالب فيه باستدعاء الرئيس. ورغم أن حزب \"كومينتانج\" المعارض يفتقد الأغلبية البرلمانية اللازمة لتمرير المقترح، إلا أنه يعتزم استغلال المظاهرات الشعبية لتصعيد ضغوطه على الرئيس واستدعائه للمثول أمام البرلمان. ويذكر أن \"تشين\" تولى رئاسة تايوان سنة 2002 ليكون أول رئيس من خارج حزب \"كومينتانج\" الذي ظل في السلطة منذ انفصال الجزيرة عن الصين سنة 1949. ومع أن حزب \"كومينتانج\" أزيح سابقاً من السلطة بسبب تهم الفساد التي لاحقته طيلة فترة حكمه، يبدو أن الحزب الحالي لم يتعظ من تجربة سلفه ليتورط هو الآخر في تهم الرشاوى والفساد. \r\n \r\n وفي خطابه الافتتاحي خلال فترته الثانية سنة 2004 تعهد الرئيس الحالي \"شين شوي بيان\" بتوحيد شعب تايوان، لكن المفارقة أن الشعب اليوم بصدد التوحد ضده لإزاحته من كرسي الرئاسة. والحال أن تداعيات الفضيحة يمكن أن تتعدى الحدود التايوانية لتأخذ أبعاداً أكبر. أولاً: قد تتحول تايوان بسبب التجاذب السياسي إلى ديمقراطية فاشلة. فحسب استطلاع للرأي أجري مؤخراً انحدرت شعبية الرئيس \"تشين\" إلى 16%، وهو رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ الحياة السياسية التايوانية. وعلى رغم اعتذار الرئيس تشين خلال احتفاله بمرور خمس سنوات على تقلده الرئاسة للشعب التايواني وتعهده بفتح تحقيق حول اتهامات الفساد، فإنه رفض بشدة استدعاء البرلمان له معتبراً ذلك \"تدخلاً سياسياً سافراً في شؤون القضاء\". ثانياً: من شأن استمرار تفاعلات الفضيحة أن تبرر تدخل الصين، لاسيما وأن ما يعرف في بكين ب\"قانون منع الانفصال\" يعطي ل\"جيش التحرير الشعبي\" حق غزو تايوان في حال عدم الاستقرار السياسي. \r\n \r\n ومع ذلك يبدو أن الصين لا تسعى إلى استغلال الأزمة، إذ منعت وسائل الإعلام من التطرق إلى الفوضى السياسية خوفاً من أن يقود ذلك إلى المطالبة بكشف قضايا الفساد داخل الصين، فضلاً عن عدم رغبة بكين في تأثير وسائل الإعلام على قراراتها السياسية. أما البعد الثالث للأزمة فيتصل بموقع الولاياتالمتحدة من الصراع. فبينما تحث واشنطنبكين على تحمل مسؤوليتها بشكل إيجابي في تايوان وعدم إثارة المشاكل، أصبحت الاضطرابات تأتي من تايوان ما يضع أميركا في موقف حرج. ومن ناحية أخرى تنظر واشنطن باهتمام بالغ لتدخل الرئيس التايواني السابق، وزعيم حزب \"اتحاد التضامن التايواني\" الانفصالي \"لي تينج هو\" الذي يدعم استقالة الرئيس الحالي على خط الأزمة. ويبدو أن الرئيس السابق يؤيد صعود نائبة الرئيس الحالي \"أنيت لو\" إلى سدة الحكم ليس فقط لأن ذلك ينسجم مع مقتضيات الدستور، بل لأن السيدة \"لو\" تساند استقلال تايوان عن الصين. \r\n \r\n وهنا يتعقد الوضع أكثر، فإذا ما قدر لنائبة الرئيس تولي الرئاسة فإنها ستدفع في اتجاه الاستقلال بدعم من \"لي تينج هو\"، مما سيحدث أزمة حقيقية مع بكين التي مازالت تنظر إلى تايوان على أنها \"جزيرة متمردة\". وفي ظل الوضع السياسي المتدهور في تايوان لابد من إيجاد حل في أسرع وقت قبل استفحال الأزمة وتفاقمها، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال دعم السلام والديمقراطية في الجزيرة والعمل على استمرارهما في المستقبل. \r\n \r\n أنتونيو هسيانج \r\n باحث في \"الجمعية التايوانية للدراسات الاستراتيجية\" في تايبييه \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n