بدا الامر بالغ السهولة. اعلن الرئيس جورج بوش انتهاء الحرب. انجزت المهمة الامريكية. ومرت شهور قبل ان تدرك ان واشنطن ولندن ان الحرب لم تنته. بل انها, في الواقع, كانت تبتدىء لتوها. من بين ال ̄ 18 الف جندي امريكي الذين قتلوا او جرحوا في العراق تبلغ نسبة الذين قتلوا او جرحوا منذ سقوط بغداد 94%. \r\n لا يوجد دليل على ان انتخابات الخامس عشر من هذا الشهر سوف تنهي الاقتتال. شارك العرب السنة الذي يشكلون قطب التمرد في التصويت لاول مرة, ولكن ما من حديث عن هدنة. احد المنشورات التي وزعت من قبل احدى جماعات المقاومة عشية يوم الانتخاب شجع اتباع تلك الجماعة على التصويت لكنه حذر من ان »القتال سيستمر ضد الكفرة واتباعهم«. \r\n ان الغرابة في هذه الحرب كونها قد شنت من قبل الامريكيين في عام 2003 لتغيير الشرق الاوسط على نحو راديكالي وهو المنطقة الاكثر خطورة والتهابا في العالم.وكان هذا الهدف مخالفا تماما لهدف حرب الخليج الاولى عام 1991 عندما كان الهدف الاهم للرئيس جورج بوش الاب هو اخراج صدام حسين من الكويت واعادة الاوضاع الى ما كانت عليه. \r\n هناك اختلاف حاد آخر بين الحربين. كان بوش الاب قد بذل جهدا كبيرا من اجل جمع تحالف دولي تحت راية الاممالمتحدة لخوض الحرب في العراق. في حين ان ابنه, على النقيض من ذلك, عمل في عزلة. لقد حول الحرب على العراق الى اختبار اعلى لقوة امريكا العسكرية والسياسية. فالولاياتالمتحدة, باستثناء بريطانيا التي تتبعها, سوف تخوض الحرب وحدها وسوف تكسبها وحدها. ولم تكن بحاجة الى حلفاء لا خارج ولا داخل العراق. لقد تلقى المتمردون مساعدة سرية حيوية من الخارج, لكن التمرد الذي انفجر ضد الاحتلال الامريكي كان محليا بالكامل. كان التخلص من وهم التحرير قد انتشر بين العراقيين مع استيلاء القوات الامريكية على العاصمة بغداد في شهر نيسان 2003 . اندفع الفقراء من الاكواخ المحيطة ببغداد في موجة تدمير ونهب. وقد تم نهب كل شيء حتى الحيوانات المحنطة في متحف التاريخ الطبيعي. \r\n كان العراقيون يتوقعون الكثير من سقوط صدام. فقد عانوا من 23 عاما من الحرب والعقوبات الاقتصادية. وكل ما فعلته القوات المسلحة العراقية هو انها حزمت امتعتها والتحقت ببيوتها. لم يكن هناك من يريد ان يموت دفاعا عن النظام القديم. وكان الجميع يأمل بالاستمتاع بثمار الثروة النفطية لاول مرة والعيش على غرار الكويتيين والسعوديين. \r\n بدلا من ذلك, اقام الامريكيون نظاما استعماريا. تم تهميش العراقيين وتجاهل ارائهم. وجد العراقيون من حملة شهادة الدكتوراه والمتكلمين بعدد من اللغات انفسهم في موقع تلقي الاوامر من قبل شبان امريكيين لا مؤهل لديهم سوى ارتباطهم بالحزب الجمهوري الامريكي. وقد حلت قوات الامن والجيش. واستفز غضب الطائفة السنية التي يبلغ تعدادها خمسة ملايين. وبدأت الهجمات الاولى على الدوريات والعربات الامريكية. وحيثما تمكنت من زيارة موقع احد الكمائن وجدت الشبان العراقيين يرقصون ابتهاجا حول العربات المشتعلة. \r\n بحلول شهر تشرين الثاني 2004 كانت قد اندلعت حرب عصابات خطيرة. ولم يكن الجيش الامريكي في العراق بجنوده ال ̄ 140 الفا مستعدا لمثل هذه المواجهة. شاهدت مرة واحدة مدفعية امريكية تحاول اخماد نزاع بالايدي نشب بين سائقي سيارات عراقيين كانوا يقفون في الطابور انتظارا للحصول على البنزين وكان الامريكيون قد جلبوا معهم مدفعا هائلا من طراز هاويتزر مصمما لاطلاق قذائف ذات مدى 30 كيلو مترا. \r\n بدأ وجه بغداد يتغير. صارت كتل الكونكريت التي تبدو مثل شواهد مقبرة رمادية والتي اقيمت لصد هجمات السيارات المفخخة رمزا للعهد الجديد. وتعزل جدران من تلك الكتل العالية المنطقة الخضراء القائمة في مركز بغداد حيث يقيم الامريكيون والبريطانيون مقراتهم. \r\n صار الاثر المرعب للانتحاريين ملموسا في كل مكان. لم يعد احد في امان, تحول مقر الاممالمتحدة الى كومة انقاض, وكذلك كان حال المبنى الذي ضم الصليب الاحمر. وعززت مراكز الشرطة العراقية والمواقع الامريكية على عجل. شهدت بعض الايام عشرات الهجمات التي ما لبث عددها ان تناقص لكنها اصبحت اكثر اتقانا وتعقيدا كلجوء الانتحاريين الى ارسال انتحاري لاختراق جدران الكونكريت يتبعه انتحاري يتمكن من الوصول الى المبنى المستهدف. \r\n يعيش الناس في بغداد ووسط العراق في هلع دائم من العمليات الانتحارية, والخاطفين, والقوات الامريكية, وافراد الجيش العراقي. فقد تعرضت الطرق المؤدية الى العاصمة العراقية الى القطع من قبل المتمردين او قطاع الطرق, وهرب العراقيون الايسر حالا الى الاردن او سوريا او مصر خوفا من الخاطفين الذين يستهدفون ابناءهم وبمواجهة الهجمة العربية السنية, ازداد اعتماد الامريكيين على الطائفتين الاخريين في العراق. يكون الشيعة 60% من سكان العراق بينما يكون الاكراد 20 بالمئة. يدرك بعض الزعماء العراقيين حراجة المعضلة الامريكية في العراق. في صيف عام ,2003 قال لي احد الزعماء الاكراد: »دعهم يحاولون ادارة البلاد من دوننا وسوف يرون اية ورطة سيواجهون. بعدها سيهرولون الينا طالبين المساعدة«. \r\n خلال العام الماضي, ادركت الولاياتالمتحدة انها تستطيع احتواء التمرد السني لكنها لا تستطيع القضاء عليه. وقد شهد العام الحالي دخول العراق تحت سيطرة تحالف كردي شيعي من المتوقع ان تجدد له الولاية في انتخابات يوم الخميس الماضي. \r\n في الوقت الحاضر يشكل العراق واقعا استثنائيا, تتفاوت فيه الظروف والاحوال من منطقة الى اخرى. تعيش منطقة كردستان رخاء لم تعرفه في اية مرحلة اخرى من تاريخها. ويزدحم سماء مدنها بالرافعات. اما في بغداد فلا علاقة تذكر لاي نوع من البناء, وقد هرب سكان المناطق الاكثر غنى من العاصمة وتحولت تلك المناطق الى مقرات للحراس الامنيين المسلحين. \r\n في استطلاع للرأي اجرته هيئة الاذاعة البريطانية عشية يوم الانتخابات قال نصف الذين شاركوا في الاستطلاع ان العراق في حاجة الى زعيم قوي. بينما اقتصرت نسب الذين اعتبروا الديمقراطية اولوية من اولويات العراق على 28 بالمئة فقط. لكن من الخطأ الظن بان العراقيين يمكن ان يتفقوا على الرجل القوي نفسه. \r\n فالسنة يريدون رجلا قويا يضع الشيعة في مكانهم, بينما يريد الشيعة رجلا قويا قادرا على التعامل مع السنة. \r\n لا يملك العراقيون الكثير من الثقة بزعمائهم السياسيين. ومن المتوقع ان تكشف نتائج الانتخابات عن تصويت غالبية العراقيين على اسس طائفية وعرقية, بينما يتحول العراق من دولة موحدة. الى كونفدرالية. \r\n لا توجد اية علاقة تدل على ان حرب الالف يوم في طريقها الى الانتهاء. وفي بغداد, تستقبل المشرحة كل شهر حوالي الف جثة لقتلى من العراقيين. انه عراق جديد هذا الذي يأخذ بالتشكل لكنه عراق غارق بالدم.