خلال العام الماضي, كان هناك ما يكفي من الأدلة على أن كل مشروعنا في العراق فاشل تماماً, وأن جيوشنا تتقهقر أمام مقاومة عنيفة لم نشهد مثيلاً لها في الشرق الأوسط من قبل. حساباتي الخاصة تقول إنه خلال السنة الماضية قام 190 شخصاً على الأقل بتفجير أنفسهم, أحياناً بمعدل اثنين يومياً كيف يحدث هذا؟ هل هناك سوبر ماركت للانتحاريين؟ ماذا فعلنا لنخلق مثل هذه الصناعة غير العادية؟ كان هناك وقت في لبنان كانت الهجمات الانتحارية تحدث فيه مرة في الشهر أو مرة في الأسبوع في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي, الآن في العراق هناك تفجير أو اثنان يومياً. \r\n والجنود الأمريكيون يقومون بقتل مدنيين بشكل فظيع في المدن العراقية. هناك مثلاً الشهادة التي أدلى بها عنصر المارينز السابق خلال جلسة استماع للاجئين في كندا في أوائل الشهر الماضي. قال المارينز جيمي ماسي للمحكمة الكندية, التي كانت تبحث فيما إذا كانت ستعطي حق اللجوء لأحد المارينز الذين فروا من الخدمة العسكرية, إنه هو وزملاؤه قتلوا أكثر من 30 مدنياً غير مسلح بما في ذلك النساء والأطفال وقال المارينز الفار من الخدمة جريمي هينزمان للمحكمة: \"قيل لنا أن نعتبر جميع العرب على أنهم إرهابيون محتملون\". \r\n كل هذا بالطبع جزء من \"إخفاء المعلومات\" لقد استغرق الأمر شهوراً قبل أن ينكشف أمر التعذيب في أبوغريب. واستغرق الأمر شهوراً للسلطات البريطانية لتحقق في قضية الضرب المبرح - وحادثة القتل - التي قام بها الجنود البريطانيون ضد مدنيين عراقيين في البصرة, خلال الشهور السبعة الأولى من السنة الماضية, كانت السلطات تستمر في تأكيدها على أنها \"تسيطر\" على العراق مع أنني وجدت جميع نقاط التفتيش مهجورة عندما سافرنا سبعين ميلاً جنوب بغداد في أغسطس الماضي, وكان الطريق العام مليئاً بالعربات الأمريكية وسيارات الشرطة المحترقة. \r\n ومازلنا لا نعرف عدد المدنيين الذين قتلوا خلال الهجوم الأمريكي على الفلوجة. يدعي الأمريكيون أنهم قتلوا أكثر من 1000 من المقاومة وهو أمر لا يقبله العقل, لأنهم لا يتحدثون عن وجود نساء وأطفال ومدنيين بين القتلى. ومازلنا لسنا أحراراً لدخول المدينة. وبما أن المقاومة على ما يبدو مازالت موجودة في المدينة, لا يستطيع أحد الدخول إليها. لماذا ظلت الطائرات الأمريكية تقصف الفلوجة بعد أسابيع من ادعاء الجيش الأمريكي بأنه سيطر على المدينة؟ \r\n من الصعب التفكير بأي شيء لم يكن خاطئاً خلال السنة الماضية في العراق شبكة الكهرباء بدأت تنهار مرة أخرى, طوابير المحروقات أكبر مما كانت عليه في الأيام التي تلت الغزو غير القانوني في 2003, والأمن غير موجود إلا في الشمال الكردي من البلد. \r\n اقتراح محاكمة أعوان صدام يبدو محاولة لتبرير الغزو وتحويل الانتباه عن الأهوال القادمة. حتى الانتخابات القادمة صارت تبدو وكأنها لتحويل الانتباه أيضاً, فإذا كان السنة لا يستطيعون - أو لا يريدون - المشاركة في الانتخابات, ما قيمة إقامتها؟ \r\n ومع ذلك يستمر الغازون في الادعاء بأن الأمور تتحسن وأن العراق على وشك أن يدخل الأسرة الدولية حتى إن بوش أعيد انتخابه لأنه كان يردد هذه الكذبة, أكياس الجثث تعود إلى أمريكا أكثر من أي وقت مضى وليس من المفترض أن نسأل عن عدد العراقيين الذين يقتلون - ومع ذلك يقال لنا إن الغزو كان مبرراً, وإن العراقيين في وضع أفضل, وإن الأمن سوف يتحسن أو إنه سوف يزداد سوءاً مع اقتراب الانتخابات. \r\n سيكون جيداً أن يسجل المرء بعض السعادة في مكان ما في الشرق الأوسط. الانتخابات الفلسطينية القادمة؟ حسناً, نعم, ولكن إذا لم يكن هناك بديل حقيقي لياسر عرفات فإن فرص الفلسطينيين في تحقيق دولتهم المنشودة ما زالت بعيدة تماماً كما كانت عليه عندما كان ياسر عرفات على قيد الحياة. \r\n أرييل شارون لا يحاول إغلاق المستوطنات اليهودية غير الشرعية في غزة لأنه يريد أن يكون لطيفاً مع الفلسطينيين، وتصريحات المتحدث باسمه بأن الانسحاب من غزة سوف يوقف إقامة الدولة الفلسطينية لا تبشر بأن الفلسطينيين سوف يحصلون على دولتهم. وهذا يعني، بشكل ما أن الانتفاضة ستبدأ من جديد وعندها سيتذمر الإسرائيليون من أن محمود عباس لا يستطيع السيطرة على شعبه، وسيقود الفلسطينيين والإسرائيليين إلى صراعهم اليائس. \r\n من المستحيل النظر إلى أحداث السنة الفائتة في العراق دون التأكيد على مدى تأثير الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على كامل الشرق الأوسط. كان دعم صدام حسين للفلسطينيين أمراً يؤيده كل العراقيين، حتى الذين كانوا يكرهونه منهم. \r\n إن هذه المعطيات تكلف الأمريكيين الكثير من الدم في العراق. عندما يحاول شارون منع الفلسطينيين من إقامة دولتهم، يتذكر العراقيون أن حليفه الأمريكي موجود في العراق كجيش احتلال عندما تتعلم القوات الأمريكية حرب العصابات من الإسرائيليين عندما يقصفون المنازل من الطائرات، وعندما يعتدون على السجناء، فهل من الغريب أن يعامل العراقيون الأمريكيين على أنهم إسرائيليون بالوكالة؟. \r\n إننا لا نزال لا نعرف من هو عدونا في العراق. باستثناء اسم \"الزرقاوي\"، فإن الأمريكيين ببساطة لا يعرفون من يحاربون، يعيدون احتلال سامراء ثلاث مرات ويخسرونها مرة أخرى. يعيدون احتلال الفلوجة ليخسروها مرة أخرى. إنهم لا يستطيعون حتى السيطرة على الشوارع الرئيسية في بغداد. \r\n من كان سيصدق في 2003 عندما كانت القوات الأمريكية تدخل بغداد أنهم سيعلقون خلال سنتين في مستنقع لأكبر حرب عصابات خاضوها منذ فيتنام؟! القلائل الذين تنبأوا بذلك اتهموا بأنهم متشائمون. \r\n إن العراق يثبت مرة أخرى ما كان يجب أن نتعلمه في لبنان وفلسطين. إن العرب فقدوا خوفهم. لقد كانت عملية بطيئة ولكن منذ ربع قرن، كان العرب يعيشون في قيود خائفين من قوات الاحتلال والأنظمة القمعية. كانوا مجتمعاً مستسلماً يفعلون ما يقال لهم. لكن الأمر لم يعد كذلك. إن أكبر التطورات خلال السنوات الثلاثين الماضية كان التخلص من ذلك الخوف، وهو أمر لا يمكن حقنه مرة أخرى في الشعوب. وهذا ما حدث في العراق. العراقيون لم يعودوا مستعدين للعيش في خوف، يعرفون أنهم يجب أن يعتمدوا على أنفسهم ويرفضون أن يخافوا من قوات الاحتلال. لقد شاهدوا آلاف الغربيين يأتون إلى العراق لجني الأرباح من بلد أرهقه نظام دكتاتوري فاسد وحصار الأممالمتحدة. هل من الغريب أن يغضب العراقيون؟. \r\n إننا حالياً نستطيع أن نعيد ما قاله لورنس - ولكن بدون أن ننسب الكلام إليه ونضع تاريخ 1920. إننا الآن لسنا بعيدين عن كارثة. \r\n * كاتب بريطاني