الهلال السعودي يحدد تطورات إصابة بونو    السجن 5 سنوات لعامل دهس شاب بسيارته في منطقة أوسيم    صحف الاحتلال الإسرائيلي تكشف خطة «نتنياهو» حول إدارة غزة بعد الحرب    بايدن يعتزم السفر إلى ألمانيا هذا الأسبوع وأنجولا في ديسمبر    رئيس جامعة الجلالة: 4700 سرير في سكن الطلاب.. وبناء وحدة طبية للطوارئ    مصر للطيران: تسيير رحلة جوية استثنائية لنقل 304 مصريين مقيمين بلبنان    بالأسماء.. انقلاب ميكروباص بالطريق الزراعي الشرقي في قنا    البيان الختامى للقمة الخليجية الأوروبية: ندعم جهود مصر وأمريكا وقطر لوقف إطلاق النار بغزة    البيت الأبيض: أرسلنا الخطاب الأخير لإسرائيل بشأن الوضع الإنساني في غزة    دبّرنا احتياجاتنا لفترات طويلة وجاهزون بسيناريوهات متعددة    الجزيري وفرج يصلان إلى القاهرة للسفر مع بعثة الزمالك إلى الإمارات    مودرن سبورت يفوز على النصر الليبي وديًا بثنائية جوناثان وعاطف    سفير الصومال يشيد بدور أمريكا لدعم بلاده في مكافحة الإرهاب    روسيا تتهم الولايات المتحدة بزيادة خطر تأجيج الصراع في شبه الجزيرة الكورية    الطقس غدًا .. انخفاض كبير في الحرارة والعظمى على القاهرة 29°    مصرع فتاة صعقا بالكهرباء في أسوان    معروضات المتحف الكبير تبهر السياح والمصريين    في الذكري ال 13 لوفاته.. ميريت الحريري عن والدها: «ترك سيرة عطرة»    بعد نجاحه في «برغم القانون».. وليد فواز يتعاقد على «فقرة الساحر»    موعد صلاة جنازة وعزاء جدة الفنانة ملك قورة    بعد اعتذاره عن حفله بمهرجان الموسيقى العربية.. أحمد سعد يستعد لإجراء عملية جراحية    إعلان الكشوف النهائية للمرشحين بنقابة الصحفيين الفرعية بالإسكندرية.. غدًا    عبدالرحيم على: تعيين اللواء عباس كامل مستشارًا لرئيس الجمهورية ومنسقًا للأجهزة الأمنية خطوة تاريخية    ميناء دمياط يستقبل 104 آلاف طن قمح لصالح السلع التموينية    أمين الفتوى يوضح على قناة الناس حكم استخدام "الهارد جيل" والأظافر الصناعية    خالد الجندى: الإعلام والسوشيال ميديا لهم تأثير غير طبيعى على تكوين شخصية الإنسان    نائب محافظ قنا يتفقد أنشطة مبادرة "بداية جديدة" بقرية أبودياب    محطة قطارات الصعيد الجديدة.. هل تكون نواة لمشروعات جديدة مستقبلًا | خاص    غدًا.. انطلاق بطولة العالم للأندية للسباحة بالزعانف في إيطاليا    أخبار الأهلي: تفاصيل توقيع عمر سيد معوض لصفوف ريال بيتيس الإسباني    اتفاقيات تعاون تمهيدا لتشغيل خط الرورو بميناء دمياط    مصطفى مدبولي: المتحف المصري الكبير هدية للعالم ويسهم في جذب السياح    «الأسد» يستمتع بدبي.. إلى أي مدينة تسافر حسب برجك؟    «الري» و«إدارة المياه» يبحثان دعم «التكيف مع التغيرات المناخية»    «التعليم» توجه بمتابعة الأداءات الصفية والمنزلية والتقييم الأسبوعي (تفاصيل)    الرقابة المالية: نعمل على تطوير حلول تأمينية تناسب احتياجات المزارعين    وزير الصحة ونظيرته القطرية يبحثان سبل التعاون    دوري أبطال إفريقيا - هوبير فيلود مدربا جديدا للجيش الملكي    فيلم بنسيون دلال يحقق مليون و243 ألف جنيه في أول أسبوع عرض    تضامن الفيوم تنظم قافلة طبية لغير القادرين بمركزي أبشواي وأطسا    الوطني الفلسطيني: تصريحات وزيرة خارجية ألمانيا خروج عن القيم الإنسانية وشرعنة للإبادة الجماعية    محافظ سوهاج يقود حملة مكبرة للرقابة على الأسواق والمحال وتحقيق الانضباط بالشارع    ضبط 9 أطنان دقيق بلدى مدعم محظور تداوله بالباجور    طب أسيوط تنظم المؤتمر السنوي الرابع لقسم الأمراض الباطنة والكُلى    تجنبها لخسارة الوزن.. أسباب الاستيقاظ من النوم جائعًا    علي ماهر يطمئن على خالد صبحي بعد إصابته مع المنتخب في مواجهة موريتانيا    نائب وزير الإسكان يبحث مع شركة عالمية توطين صناعة المهمات الكهروميكانيكية    حكم إخراج الزكاة على ذهب المرأة المستعمل للزينة.. الإفتاء تجيب    الأزهر للفتوى محذرا من تطبيقات المراهنات الإلكترونية: قمار محرم    النائبة مايسة عطوة: مصر والسعودية تسعيان إلى زيادة الفرص الاستثمارية بين البلدين    وزيرة التضامن تقرر تشكيل لجنة لتطوير الوحدات الاجتماعية بالجمهورية    إعدام 15 طن أسمدة مغشوشة وضبط 5 أطنان فول صويا يشتبه فى صلاحيتها بالغربية    يويفا يكشف موعد قرعة تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم 2026    برغم القانون الحلقة 24.. تقرير الطب الشرعي يثبت عدم نسب الأبناء لأكرم    عضو لجنة الفتوى بالأزهر يوضح صيغة دعاء نهى النبي عنها.. احذر ترديدها    «العمل» تنظم ندوة لرعاية العمالة غير المنتظمة بالمشروعات القومية بالمنيا    الولايات المتحدة لا تزال أكبر سوق تصدير للاقتصاد الألماني    البرازيل تسحق بيرو برباعية وتقترب من التأهل إلى مونديال 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقوع الولايات المتحدة في التجربة الامبريالية
نشر في التغيير يوم 14 - 02 - 2005

أن هذا التغني بالعظمة يعطي فكرة عن الغبطة الإمبريالية التي استحوذت على اليمين الاميركي منذ انتهت الحرب الباردة وكلما ابتعد بنا الزمن عن الثمانينات يوم كان كتّاب مثل بول كينيدي يظنون أنهم تمكنوا من تبيّن قرائن بنيوية على ضيق مجال الهيمنة الأمريكية.
\r\n
\r\n
ولم يعد المجال يضيق بهذه الهيمنة، فالولايات المتحدة باتت منذ العام 1991 تحتل موقعا فريدا لا مثيل له في التاريخ الحديث. وهي، وبعكس الإمبراطورية البريطانية التي واجهت في أواخر القرن التاسع عشر بروز المنافس الألماني، لا تواجه أي خصم استراتيجي قادر في المدى المنظور على الإخلال بالتوازنات الكبرى. زد على ذلك أن منافسيها الاقتصاديين الرئيسيين، من أوروبيين ويابان هم حلفاء استراتيجيون لها. وعلى الصعيد السياسي فقد تمددت دائرة سيطرتها كما اتسع أمامها هامش المناورة، فيما على المستوى الاقتصادي هي تحدد القواعد والمعايير وفرائض النظام الدولي [4] .
\r\n
\r\n
وقد أصبح الحفاظ على الوضع الراهن الهدف الأول للسياسة الخارجية الأمريكية منذ العام 1991، لكن يجري تطويع هذا الهدف في أشكال متفاوتة بحسب الطابع التعاوني أو القسري للوسائل المعتمدة. ففيما أعطت إدارة كلينتون الأولوية للدبلوماسية الاقتصادية وفي بعض الحالات للتعاون المتعدد الطرف، تنزع الإدارة الجديدة الى مزيد من التوسع في حدود الهيمنة الأمريكية عبر القوة والتصرف من جانب واحد.
\r\n
\r\n
فما كاد يمضي ستة اشهر على تولي السيد جورج دبليو بوش وفريقه السلطة، حتى أفسدوا الى أبعد حد العلاقات الثنائية مع الصين، وأخلوا بمعاهدة نزع الأسلحة الباليستية عندما قرروا تطوير نظامهم المضاد للصواريخ، وأعلنوا رغبتهم في عسكرة الفضاء الخارجي ورفضوا بروتوكول كيوتو حول البيئة، وعطلوا عمل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لمراقبة الجنات الضرائبية، وأعلنوا بكل وضوح أنهم، في مجال خلافهم مع الاتحاد الأوروبي حول ضرائب \"الأوفشور\" الموضوعة على الشركات الأمريكية، سيتحدّون جهاز تسوية الخلافات التابع لمنظمة التجارة العالمية اذا ما أقر معاقبتهم [5] . وتعمل إدارة بوش حاليا على إفشال محكمة العدل الدولية التي التزم بها أخيرا الرئيس بيل كلينتون [6] .
\r\n
\r\n
ويوما بعد يوم تطول لائحة هذه \"التصرفات المحرقة\"، اذا ما استعنا بالعبارة الموحية التي استخدمها ستانلي هوفمان، من جامعة هارفرد. فهم يعبرون عن رغبة متماسكة في صون العمل من طرف واحد وعن رفضهم رؤية السيادة الأمريكية مطوقة، وإن من أدنى الدرجات، بواسطة الاتفاقات المتعددة الطرف والقانون الدولي. ففي مجلس خاص، أكد أخيرا السيد جون بولتون، المساعد الجديد للسيد كولن باول في الشؤون الخارجية أن \" لا وجود للقانون الدولي\".
\r\n
\r\n
ولفهم هذا الارتداد الى سياسة الطرف الواحد، يجب العودة الى الوراء. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان أمام الولايات المتحدة العديد من الخيارات الاستراتيجية الكبرى التي يمكن اختصارها في ثلاثة، أولها إيلاء الأهمية للتعاون والسياسة المتعددة الطرف من زاوية الإدارة المشتركة لنظام عالمي كان مقبلا على تعددية القطب وإحلال السلام (بين الدول الرئيسية). وثانيها اعتماد سياسة توازن القوى الكلاسيكية الشبيهة بسياسة بريطانيا الكبرى في القارة الأوروبية في القرن التاسع عشر. وثالثها ترسيخ سياسة القطب الواحد عبر \"استراتيجيا التفوق\" كما يتمنى السيد هلمز وأصحابه. أما الخياران فهما يحتملان إمكانيات الدمج كما تبين من عملية دوزنة التعاون والضغط التي اعتمدت منذ العام 1989 في إدارة العلاقات الثنائية مع الصين. لكن قواعد القوة والضغط أخلت الساحة كليا أمام الخيار الثالث.
\r\n
\r\n
وقد صيغت استراتيجيا التفوق المزعومة هذه في أروقة البنتاغون في العام 1992 في تقرير سري عنوانه \"ديفانس بوليسي غيدنس\" (ترشيد السياسة الدفاعية)، أعده كل من بول وولفويتز وآي. ليويس ليبي، وهما اليوم على التوالي مساعد وزير الدفاع ومستشار الشؤون الأمنية لدى نائب الرئيس ديك تشيني، وفي سياق النص توصية \"بمنع أي قوة عدوة من السيطرة على مناطق ذات موارد قد تساعدها في احتلال موقع القوة الكبرى\" و \"بإحباط أي محاولة من الدول الصناعية المتطورة لتحدي زعامتنا أو لقلب المعادلة السياسية والاقتصادية القائمة\" و \"بالتحسب لبروز أي منافس على الصعيد العالمي مستقبلا [7] \". وهذه التوصيات كتبت في عز \"الزمن الأحادي الطرف\" بعد قليل من سقوط الاتحاد السوفيتي والحرب ضد العراق.
\r\n
\r\n
ولهذا الأمر التفصيلي أهميته ذاك أن حرب الخليج قد أدت دورا حاسما في إعادة استنفار القوات المسلحة الأمريكية. فقد بررت التمسك بالموازنة العسكرية المرتفعة وشرعت الحفاظ على الجزر العسكرية التابعة للولايات المتحدة في أنحاء العالم، أي على الشبكة العالمية لقواتها المسلحة، تلك الشبكة التي باتت توجه ضد \"الدول المارقة\" القادرة بحسب زعمهم على تهديد التوازنات الاستراتيجية الإقليمية. ففي شباط/فبراير من العام 1991 اعتبر السيد تشيني، وزير الدفاع آنذاك أن هذه الحرب هي بمثابة \"تجربة نموذجية مسبقة لنوع الصراعات التي يمكن أن تواجهنا في العصر الطالع[. . . ]. فإضافة الى جنوب غرب آسيا، إن لنا مصالحنا المهمة في كل من أوروبا وآسيا والمحيط الهادىء وأميركا اللاتينية والوسطي، فعلينا أن نقدر سياساتنا وقواتنا بشكل يسمح بردع على مثل هذه التهديدات الإقليمية في المستقبل أو بالفضاء سريعا [8] \"
\r\n
\r\n
وفي الإجمال فان هذه الحرب قد أنقذت البنتاغون والمركب الصناعي العسكري القلقين إزاء الخطة الرامية الى عمليات تسريح واسعة في قطاع الجيش والناشئة طبعا عن زوال الاتحاد السوفيتي. لكن، كما أكّد في حينه روبرت تاكر وديفيد هندريكسون، إذا كان \"البرهان على أن القوة العسكرية تبقى دائما ذات مغزى في العلاقات بين الدول\" فان البعض \"في الولايات المتحدة قد رأى فيها ضربة قاسية، وربما قاضية، ترفع في وجه التطلع الى عالم متعدد القطب\". فقد تبين أثناء الحرب أن المنافسين الألماني والياباني، المحدودي السيادة، \"مرتهنان أكثر من أي وقت للقوة العسكرية الأمريكية [9] \".
\r\n
\r\n
خلال ولاية كلينتون وضعت استراتيجيا التفوق في الثلاجة، إذ انه أولى اهتمامه لمتابعة المصالح الوطنية عبر المؤسسات المتعددة الطرف (الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة، ولنقل اتفاقا) ولتنفيذ استراتيجيا ليبيرالية على المستوى الدولي تمحورت حول مبدأ الشمولية الذي حقق نجاحات مهمة إذا ما نظرنا في ما أتى به من مكاسب.
\r\n
\r\n
وإذا كان جميع الرؤساء الأمريكيين بعد العام 1945، من هاري ترومان الى جورج بوش(الأب) هم \"رؤساء حرب\" بحسب تعبير المؤرخ رونالد ستيل، فقد توافر للسيد كلينتون أن يسلك طريقا آخر. ففي عهده انتقل المركز المحوري للحكم عمليا الى حد ما، من جهاز الأمن القومي الى وزارة المال والمجلس الجديد للأمن الاقتصادي في البيت الأبيض. وقد فرض بعض كبار رجال المال من أمثال السيد روبرت روبن أنفسهم في قيادة السياسة العالمية، منظمين السياسة الشمولية ومديرين أزماتها. وكان الرئيس أساسا قد أعلن في العام 1992، حتى قبل ترشحه، أن عملية تحرير الاقتصاد والمبادلات التجارية ستكون من الآن وصاعدا الوسائل المفضلة للدبلوماسية الأمريكية، وقد تجسد هذا الخيار في معاهدة التبادل الحر مع المكسيك وكندا في العام 1993، وفي الموافقة على إنشاء منظمة التجارة العالمية في العام 1994، وفي تحرير أسواق المال في شرق آسيا وفي سياسة \"الالتزام\" مع الصين وروسيا.
\r\n
\r\n
وقد كان من المنطقي تقديم الاقتصادي على الاستراتيجي، فإذا كانت المواجهة الثنائية القطب قد بررت أربعين سنة من الاستنفار العسكري، فان زوالها فتح الطريق أمام قلب الأولويات، وكان على الدولة أن تغير من أشكال تدخلها لتواكب انفتاح الصين وتستفيد منه، ومن التطور اللامع في الاقتصاديات الناهضة في شرق آسيا ومن عمليات التحول الجارية في أوروبا الوسطي والشرقية. في شكل من الأشكال كان على دولة الأمن القومي أن تخلي الساحة \"للدولة الشمولية\".
\r\n
\r\n
وقد أكد السيد ستيف كليمونز، مدير مؤسسة الأبحاث السياسية الخاصة باليابان، أن الرئيس كلينتون، باقتراحه قلب الأولويات، \"طرح على بساط البحث مسألة الحاجة الى وجود البنتاغون وبنية الأمن القومي الخاصة بالحرب الباردة\". ولأنه كان يؤيد عملية تسريح عسكرية ملموسة \"فقد كانت علاقاته بالجنرالات منذ البداية سيئة جدا\". وفي الواقع كان قد أعلن في العام 1993، بلسان وزير دفاعه السيد لس آسبن عزمه على إعادة النظر في مسألتين رئيستين في سياسة أسلافه الدفاعية، الأولى هي التوجه المعروف \"بالقوة الأساسية\" التي يقول بها السيد كولن باول، وتعني القدرة على خوض حربين إقليميتين كبيرتين في الوقت نفسه، والثانية هي برنامج تطوير الأسلحة الباليستية الذي أطلق في عهد السيد رونالد ريغان. وحتى أن السيد آسبن كان قد تحدث عن \"انتهاء عصر حرب النجوم\".
\r\n
\r\n
غير أن هذه المبادرات لم تنجح. فقد اضطر السيد كلينتون الى الرضوخ بعد بضعة أشهر أمام المقاومة الشرسة من جانب المركب الصناعي العسكري الذي كان يناصبه العداء أساسا، وبالتحديد بسبب معارضته حرب فيتنام يوم كان طالبا في لندن. وبسبب تضافر ضعفه السياسي والشخصي خسر معركتيه الأوليين مع البنتاغون، إذ أهمل اقتراحه بقبول المثليي الجنس في الجيش، وتم إبقاء توجه \"القوة الأساسية\" ( والمثير للسخرية أن الجمهوريين الذين وضعوه يعيدون النظر فيه اليوم). وقد أوضح السيد لورنس كورب العضو في مجلس العلاقات الخارجية أنه \"ابتداء من تلك اللحظة قرر السيد كلينتون أن يساير البنتاغون في توجهاته\". وهكذا في العام 1994، أبقي على الرقم المخصص لوزارة الدفاع 280 مليار دولار، أي ما يعادل 88 في المئة من معدل موازنة الحرب الباردة ما بين 1975 و1989، ثم راح يرتفع على مدى ست سنوات لتبلغ الزيادة في العام 1998، 112 مليار دولار، وذلك تحت ضغط مجلسي النواب والشيوخ الذي سيطر عليه الجمهوريون ابتداء من العام 1994.
\r\n
\r\n
ومن تنازل الى تنازل، أعطى السيد كلينتون البنتاغون كل ما أراده تقريبا. وهذا لم يمنع \"الخبراء\" الجمهوريين من إثارة جدل حاد حول سياسته الأمنية والدفاعية. وإذ انضم إليهم الكونغرس بعد العام 1994 قاد هؤلاء حملة فيها من التجريح والخبث على حد سواء متهمين الرئيس بتعريض \"الأمن القومي\". ومن بين الأمثلة الكثيرة على ذلك ما قالته يومها السيدة غوندوليزا راس، المستشارة الحالية لدى السيد بوش لشؤون الأمن القومي، من أن السيد كلينتون قد حول قوات الجيش الاميركي \"عمالا اجتماعيين\" وانحدر بهم الى حال عجز شبيهة بحال العام [10] 1940! والمثير أيضا للاستغراب أن السيدة ليندا تريب، التي كانت في أساس فضيحة مونيكا ليوينسكي، كانت موظفة مدنية في البنتاغون، وقد اتهمتها السيدة هيلاري كلينتون ب \"التآمر مع اليمين المتطرف\".
\r\n
\r\n
وإذا كان السيد كلينتون لم يعرف أو لم يستطع تطويع البنتاغون فإننا نشهد الآن مع السيد جورج دبليو بوش عودة قوية لدولة الأمن القومي. وبعكس إدارة كلينتون فان رجالات الحرب والمخططين المدنيين والعسكريين هم الذين يتولون الآن مواقع القرار من أمثال السادة ديك تشيني وكولن باول ودونالد رامسفيلد وبول وولفويتز وريتشارد ارميتاج وجيمس كيلي وآي. لويس ليبي وجون نغروبونتي [11] ، الذين شغلوا مع غيرهم جميعا مناصب أمنية بارزة في دوائر الدفاع أو المخابرات خلال الحرب الباردة و/أو خلال مرحلة التحول السوفيتي والحرب ضد العراق. فالسيد نيغروبونتي مثلا كان أحد الرجالات الأساسيين في الحرب \"السرية\" التي شنت ضد الثوار الساندينيين في نيكاراغوا. والسيد جيمس كيلي هو من القوى البحرية، والسيد ريتشارد ارميتاج من وزارة الدفاع، والسيدان بول وولفويتز وآي. لويس ليبي هما المنظران لسياسة القطب الواحد في عهد السيد بوش الأب. ومن جهته فان السيد دونالد رامسفيلد قد قاد \"الحرب الباردة في مرحلتها الثانية\" (1975- 1989) ملغيا كلمة \"انفراج\" من القاموس الرسمي، وأمضى الثمانينات والتسعينات في الترويج ل\"حرب النجوم\" وفي استنكار سياسة الديموقراطيين.
\r\n
\r\n
فباختصار، إنها حكومة حرب باردة من دون قيام هذه الحرب، فأعمالها وتشكيلها تنم على رؤية وخيار، رؤية نظام عالمي قائم فقط على لعبة وحيدة هي ميزان القوى، وخيار مواصلة العمل على أهداف الثروة والقوة التي يحددها مفهوم ضيق جدا للمصلحة الوطنية.
\r\n
\r\n
وكما العراق في الأمس، فان \"الخطر الصيني\" المفترض يستخدم اليوم ذريعة لعملية تعبئة عسكرية \"رفيعة التقنية\" ستساعد في رفع موازنة البنتاغون الى 320 مليار دولار في السنة، أي بما يفوق مجموع الموازنات العسكرية لجميع \"أعداء\" الولايات المتحدة المحتملين، فيما تتقلص جميع الموازنات الأخرى، الاجتماعية منها في نوع خاص. ولنفرض أن الصين تريد ذلك، فهي ليست في وضع يسمح لها بقلب التوازنات في شرق آسيا، فكيف على المستوى الدولي. وهذا لا يعني بالتأكيد أن القومية الصينية العدائية لن تهدد الاستقرار مستقبلا في آسيا، لكن المسألة ليست هنا، فالسيد بوش، عندما ينعت الصين خلال الحملة الانتخابية ب\"الخصم الاستراتيجي\"، ثم ب\"المنافس الاستراتيجي\" عندما يصل الى البيت الأبيض، فهو إنما يبني مسبقا من الواقع المزعوم في وصفه.
\r\n
\r\n
في الأول من أيار/مايو عام 2001 أعلن الرئيس قراره تسريع العمل على بناء نظام دفاعي (درع) مضاد للصواريخ الباليستية، ثم في 8 أيار/مايو أعلن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد زيادة كبيرة، من دون إعطاء أرقام، في جهود الدفاع الأمريكية في مجال الفضاء الخارجي. وأكد أن الفضاء سيعطى من ألآن وصاعدا الأولوية في التخطيط الاستراتيجي الاميركي. وتتجلى هذه المبادرة بكل معناها عندما نعيد قراءة الخلاصات التي توصلت إليها اللجنة التي كان يرئسها السيد رامسفيلد قبل أن يتولى الوزارة. فقد تحدث تقرير رامسفيلد الذي نشر في 11 كانون الثاني/يناير عن \" تزايد خطر تعرض الولايات المتحدة ل\" بيرل هاربر\" فضائية، واقترح التحسب لذلك \"بمنح الرئيس خيار نشر الأسلحة في الفضاء الخارجي لردع هذه الأخطار المحتملة، وعند الضرورة للدفاع عن المصالح الأمريكية ضد اعتداءات ممكنة\".
\r\n
\r\n
بيرل هاربر؟ خطر متزايد؟ انه عالم يبنيه بالمقلوب السيد رامسفيلد والسيدة راس. والسؤال الذي يشكل الآن موضوع تفكير في البنتاغون هو من الذي يستطيع اذا أن يتحدى الولايات المتحدة في الفضاء الخارجي أو في أعماق البحار؟ أهي روسيا التي تجند السياح الأمريكيين الأثرياء لتمويل رحلاتها الفضائية؟ أم الصين التي يبدو إنها تحتاج فعلا عشرين سنة من السلام كي تثبّت وضعها الاقتصادي والاجتماعي الداخلي؟ هل هي أوروبا؟ أم من إذا؟ تؤكد لجنة رامسفيلد، من دون أن تلتفت الى ما في ذلك من سخافة، أن الخطر قد يأتي من \"أناس مثل أسامة بن لادن قد يتمكنون من الحصول على امكانات في مجال الأقمار الصناعية\". على كل حال، فقد رأى السيد رامسفيلد انه من الحكمة إلا يستعيد في 8 أيار/مايو هذا التبرير المثير للرثاء، كما أنه لم يعط غيره إذ ليس لديه أي مبرر.
\r\n
\r\n
وما وراء كل ذلك يمكن تبين محاولات التعبئة العلمية والتكنولوجية. فالسيد اندرو مارشال، وهو رجل ثمانيني كلفه البنتاغون تحديد الاستراتيجيا العسكرية الجديدة، يحلم بطائرات سكاكية (أي مجالها الجزء الأعلى من الغلاف الجوي)، وبغواصات عملاقة، وبأسلحة لايزر فضائية وبتقنيات قصف بعيدة المدى. . . وفي ذلك طبعا خبر سار لشركات لوكهيد ورايتيون وبوينغ. لكن، وبحسب ما يقوله سايمور ملمان المنتقد من الأساس المركب الصناعي العسكري، \"أن الهدف الاستراتيجي لهذه الجهود هو تأمين الهيمنة العالمية، إنها حسابات السلطة\".
\r\n
\r\n
يبقى أن نعلم كم ستكون هوامش المناورة الحقيقية في السنوات المقبلة، أمام إدارة تبالغ في عجرفتها بما لا يتلاءم ونسبة شرعيتها الشعبية. ففي أواخر أيار/مايو فقد الجمهوريون السيطرة في مجلس الشيوخ وقد يتحولون أقلية في مجلس النواب بعد الانتخابات التشريعية المرتقبة في العام 2000. ولنفرض أن الديموقراطيين اثبتوا تفوقهم، فان مشروع السيد بوش لتجديد سياسة العسكرة سوف يتوقف.
\r\n
\r\n
وفي انتظار ذلك فان على بقية العالم أن يواجه القومية الأمريكية الجديدة. وإذا نظرنا في ردود الفعل الأوروبية والآسيوية الأولى، فان استراتيجيا البنتاغون التفوقية لا تمر بسهولة. لكن، وإن كانت إدارة بوش لا تريد الإقرار بذلك، فان المفارقة في استراتيجيات الهيمنة القائمة على القوة لا بدّ أن تولد في وجهها قوى أخرى. وهكذا فان السعي الى تفوق منفرد لا شريك فيه قد يؤدي ربما الى تسريع الخطى نحو عالم متعدد القطب.
\r\n
\r\n
\r\n
--------------------------------------------------------------------------------
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.