يحسن الحكم علي الزعيم، أي زعيم، حلفاؤه وخصومه علي السواء. ولكن الحكم السليم يجيء من الأصدقاء فهو لا يقوم علي غرض أو عداء. ومن هنا فإن الحكم علي الرئيس الأمريكي جورج بوش، وهو لايزال يجلس في المكتب البيضاوي يكون حكما سليما إذا نطق به أقرب وأصدق حلفائه، فهم لا يكنون أي عداء له بل يرغبون في مجاملته. ومن هنا فإن مذكرات الجنرال سير مايك جاكسون رئيس الأركان السابق للقوات البريطانية تعتبر حكما سليما علي الرئيس بوش. وفي قصة حياته التي نشرها جاكسون أخيرا قال وهو يستعرض تاريخ حكم بوش من بدايته في عام 2000 إن الإدارة الأمريكية جاءت بسياسة خارجية مختلفة عن سابقيها. فقد أحاط بوش نفسه بمفكرين من المحافظين الجدد الذين ينظرون إلي العالم بنظرة عدوانية وشروط مذهبية. وفي مقدمة هؤلاء الرجل القوي نائب الرئيس ديك تشيني. ووجهة نظر المحافظين الجدد أن انتصار أمريكا في الحرب الباردة أظهر للعالم تفوق الأسلوب الديموقراطي الأمريكي، وأنه بتشجيع أمريكي لهذا النموذج فإنه يمكن أن ينتشر في العالم. وبعكس إدارة كلينتون فإنهم كانوا مستعدين للتدخل في وضد أية دولة يعتقدون أن المصالح الأمريكية مهددة فيها أو بسببها. وكان وزير الدفاع رونالد رامسفيلد وبالذات نائبه بول وولفوفيتز يتبعان سياسة محافظة جديدة تهدف إلي إعادة تشكيل العالم علي الصورة الأمريكية. وقد وضع رامسفيلد للعسكرية الأمريكية نظرية جديدة تعتمد علي زيادة قوة التدخل السريع وتخفيض قوة الإمدادات وكذلك تخفيض عدد القوات في مسرح العمليات. وكان أساس نظرية رامسفيلد استعمال القوات الخفيفة ضد العدو والاستعانة بالضربات الجوية. وهذا يخالف سياسة كولن باول وزير الخارجية ورئيس الأركان السابق الذي كان يؤيد وجود قوات ضخمة وتحديد أهدافها بدقة ووضع استراتيجية الخروج من الحرب. وإذا كانت سياسة رامسفيلد في أفغانستان قد نجحت إلا انها لم تهتم ولم تأخذ في حسابها الدور الذي لعبه تحالف الشمال المؤلف من جماعات عسكرية وسياسية أفغانية شكلت عام 1996 لمحاربة الطالبان. وكان هناك توتر بالغ بين رامسفيلد وجنرالاته الذين عارضوا رغبة الوزير في تخفيض عدد القوات. ولكن رامسفيلد رأي أن الجيش شديد الحذر يقاوم التغيير وليس مستعدا للمغامرة. واثبتت الأحداث أن رامسفيلد علي خطأ. ويقول رئيس الأركان البريطاني إن رامسفيلد أحد المسئولين الكبار عن الموقف الحالي في العراق.. فقد رفض نصيحة جنرالاته كما لم يهتم بما وضعته وزارة الخارجية من خطط للخروج من العراق بعد انتهاء الحرب. وبعد.. هل تريدون شهادة عن حرب العراق أوضح من ذلك وأكثر صراحة!