غزة (فلسطين) /عبد الغني الشامي/ - وكالة قدس برس يستعد اسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة مغادرة موقعه كرئيس للوزراء الذي استمر لمدة ثماني سنوات معظمها كانت بعد حدوث الانقسام في صيف 2007 كأول رئيس وزراء فلسطيني من قطاع غزة. ومن المقرر ان تشهد الأيام المقبلة ميلاد حكومة التوافق الوطني التي ستشكل من الكفاءات الفلسطينية، حيث بات من المؤكد ان الدكتور رامي الحمد الله هو من سيرأس هذه الحكومة ما يعني مغادرة هنية لهذا المنصب الذي احتفظ به لثماني سنوات كانت من اصعب السنوات التي عاشها الشعب الفلسطيني لا سيما في قطاع غزة الذي تديره حركة المقاومة الاسلامية "حماس" التي ينتمي لها هنية؛ بشكل كامل منذ بدء الانقسام. هنية والذي تجاوز الخمسين عاما ونيف من عمره لا يكاد يجد متسعا من الوقت في نهاية مدة حكمه كرئيس للوزراء، حيث يقوم بافتتاح وتدشين العديد من المشاريع التي تم انجازها في عهده رغم شدة الحصار، وكذلك متابعته اخر تطورات تشكيل الحكومة الجديدة. وكان هنية صرح عدة مرات انهم على استعداد لمغادرة الحكومة من اجل مصلحة الشعب الفلسطيني وانه سيسلم امور هذه الحكومة لخلفه بشكل سلس، بل سيدعم هذه الحكومة لإيمانه العميق بان خدمتهم للقضية الفلسطينية لا تتوقف عند منصب معين. واشتهر هنية والذي يعتبر من اشهر الخطاب الفلسطينيين بكلمته فور استلامه لرئاسة الوزراء: "هي لله هي لله لا للمنصب ولا للجاه."، وهو ما يطبقه حاليا بالتخلي عن هذا المنصب لمصلحة الوطن كما قال سابقا، كذلك اشتهر بمواقفه المبدئية والإستراتجية لا سيما مقولته المشهورة: "لن نعترف بإسرائيل" . رئيس الوزراء الشاب ويعتبر هنية اصغر رئيس وزراء فلسطيني يتقلد هذا المنصب سواء فيمن سبقه او لحق به حيث كان يبلغ من العمر (43 عاما) حينما تم اختياره كرئيس للوزراء من قبل كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية صاحبة الاكثرية في المجلس التشريعي والتي كان على راس قائمتها النسبية في الانتخابات، وذلك بعد فوزها في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006. وكان قد سبق هنية لهذا المنصب في رئاسة الوزراء محمود عباس (79 عاما) في نيسان (ابريل) من عام 2003، حيث استمرت حكومته ثلاثة اشهر فقط ، تلاه احمد قريع (77 عاما) في نفس العام كرئيس لعدة حكومات حيث استمر حتى اذار (مارس) 2006، كما تولى سلام فياض (62 عاما) هذا المنصب في حزيران (يونيو) من عام 2007، واستمر فيه عدة دورات، تلاه رامي الحمد الله (56 عاما) في السادس من حزيران (يونيو) من عام 2013 والذي سيعين في فترة المقبلة كرئيس وزراء لحكومة التوافق الوطني. ويتضح من الاسماء التي تولت هذا المنصب والأرقام والوقائع ان هنية كان رئيس الوزراء الوحيد من غزة، والوحيد كذلك الذي كان يقطن في مخيم للاجئين الفلسطينيين وهو مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة ولا يزال، وانه رئيس الوزراء الوحيد من حركة "حماس"، وكذلك رئيس الوزراء الوحيد الذي اعتقل وابعد وتعرض لعملية اغتيال فاشلة، وكذلك رئيس الوزراء الوحيد الذي كان رياضيًا وشابًا في نفس الوقت، وخطيبا مفوها، وصاحب كرزمة ؛ بخلاف رؤساء الوزراء الاخرين الذين لا يتمتعون باي من هذه الصفات. وتولى هنية رئاسة الوزراء للسلطة الفلسطينية في اذار (مارس) من عام 2006 عقب فوز حركته في الانتخابات التشريعية بأغلبية وتمكنها تشكيل الحكومة العاشرة في السلطة، والتي استمرت قرابة العام ومن ثم اعيد تشكيل ما عرف بحكومة الوحدة الوطنية بعد اتفاق مكة في شباط (فبراير) من عام 2007 حيث راس هنية كذلك هذه الحكومة وهي الحكومة الحادية عشر في السلطة. وعند وقوع الانقسام في منتصف حزيران (يونيو) من عام 2007 وسيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة أقال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هنية فورًا وعين سلام فياض خلفا له إلا ان اقالة رئيس الوزراء من قبل الرئيس تعني ان يظل رئيس الوزراء يسير اعمال الحكومة لحين تعين رئيس جديد للوزراء يأخذ الثقة من المجلس التشريعي وهو ما لم يحدث مع فياض حيث لم ياخذ الثقة من المجلس التشريعي ما اعتبره القانونيون انذاك ان بقاء هنية رئيسا للوزراء لتسير اعمال الحكومة هو قانوني حيث ظل طوال هذه الفترة كرئيس للحكومة في غزة، دون ان تكون له اي صلاحيات في الضفة التي كانت تحت حكم فياض. طريق مزروع بالالغام لم تكن طريق هنية لتولي منصب رئيس الوزراء محفوفة بالورود بل كانت مزروعة بالألغام وشائكة الى ابعد الحدود فكان عنصر صغير من الامن الوقائي السابق في غزة يقوم بإيقاف موكبه ويمنعه من المرور وكان يحتجز على معبر رفح البري لساعات في عهد نظام مبارك، كما تعرض مكتبه للقصف بالقذائف من قبل عناصر تابعة ل "فتح" خلال فترة الاقتتال الداخلي، كما قصف مقر مجلس الوزراء مرتين من قبل الاحتلال اضافة الى الحصار المشدد ومنع السفر والتنقل، والصمود في حربين وعدة مواجهات مع الاحتلال. ويعتبر الدكتور هشام المغاري الباحث في الشؤون الاستراتيجية ان هنية قاد المرحلة السابقة باقتدار كبير، وكانت له مواقف يسجلها التاريخ لا سيما خلال الحرب على غزة نهاية عام 2008، وكذلك في متابعة امور الحصار وانهاء ظاهرة الفلتان الامني التي سادت عقب توليه الحكم عام 2006 من قبل الاجهزة الامنية السابقة التي كانت تتبع للسلطة، وكذلك انهاء العشائرية والعائلية وبسط الامن بشكل كبير في غزة. وأشار المغاري في حديثه ل "قدس برس" الى ان خلفية هنية منذ ان كان قائدًا طلابيًا وقائدًا في انتفاضة الحجارة في ثمانينيات القرن الماضي واعتقاله وإبعاده وتدرجه في العمل الوطني والتنظيمي وعلاقاته القوية مع الجميع اهلته لقيادة هذه المرحلة باقتدار للخروج بالشعب الفلسطيني الى بر الامان، وأعطته دافعًا قويًا. عدم التصادم وقال: "هنية شخصية ليست صدامية فضلا عن انه يستمع الى الاخرين، وعلاقته السياسية متوازنة، ووسطي ويعرف دائما تحقيق ما يريد مع الحرص على عدم التصادم مع الاخرين". وأضاف: "كان دائما يوصي الى عدم وصول الامور الى التصادم، وهو (براغماتي مبدئي) وليس مصلحي، وشوري بدرجة عالية". وتابع المغاري: "هنية شخص صاحب كرزمة وإصرار وعنيد في مواجهة الاحتلال وشعارته واضحة وهي شعارات مبدئية وليست اعلامية على الرغم من اجادته للخطابة بدرجة عالية". وأكد ان هنية رجل يستمع لمن حوله حتى من اصغر جندي، فهو "قائد في موقعه وجندي اذا وجد من هو اكثر تخصصا منه في بعض القضايا." وفق قوله. وكشف المغاري ان هنية كان خلال الحرب على غزة نهاية عام 2008 قويًا جدًا وصاحب مبدأ وكان طيلة فترة الحرب مستعدًا للشهادة وكان عنده اصرار على عدم التنازل او القبول بفرض عليه اي موقف من قبل الاحتلال حتى اللحظات الاخيرة من عمر الحرب. وأضاف: "كان يعتبر ان هذه المعركة (الحرب على غزة) يجب استثمارها وإرسال رسالة للعالم أن المقاومة في غزة تستطيع الصمود في الحصار والحرب وكان يصر على تحقيق الانتصار". وأشار المغاري الى ان التاريخ سيذكر هنية من خلال قيادة هذه المرحلة المهمة والخطيرة في حياة الشعب الفلسطيني والتي تعرض خلالها الشعب الفلسطيني لعدة حروب وهجمات وكذلك تطورت المقاومة بشكل كبير حيث خطف الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط بعد ثلاثة اشهر من جلوسه على كرسي الحكم واختتام هذه القضية بالإفراج عن اكثر من الف اسير فلسطيني. وأوضح انه خلال توليه منصب رئيس الوزراء في غزة شهد القطاع طفرة كبيرة في المشاريع رغم الحصار المشدد على القطاع، وانهى ظاهرة الفلتان الامني وكذلك سطوة العائلات والعشائر وتجارة المخدرات وسرقة السيارات التي كانت سائدة. سيرة ذاتية ولد هنية في عام 1963م في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدنية غزة والذي لجأت له اسرته عقب تهجيرها من قبل العصابات الصهيونية عام 1948م من بلدتهم الأصلية الجورة قضاء عسقلان حيث تنحدر عائلته منها. وهنية متزوج وله 13 من الأبناء، والعديد من الاحفاد، ولا يزال يقطن في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة حيث رفض ترك هذا المنزل عقب توليه منصب رئيس الوزراء. وتلقى هنية تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الاونروا، وتلقى تعليمه الثانوي في معهد الازهر الديني بغزة، واتم دراسته الجامعية في كلية التربية- قسم اللغة العربية بالجامعة الاسلامية بغزة. التحق هنية منذ نعومة اظفاره بالحركة الاسلامية حيث كان ضمن نشطاء الكتلة الاسلامية الذراع الطلابي لحركة منذ الالتحاق بالجامعة الاسلامية سنة 1981م، وكان عضو مجلس طلاب الجامعة عام 83-1984م، من ثم رئيسا للملجس عام 85-1986م قبل ان يتخرج من الجامعة عام 1987م. قيادة الانتفاضة شارك في قيادة الانتفاضة الاولى والمظاهرات التي اندلعت قبلها في الجامعة الاسلامية بغزة وقد اعتقل لدى قوات الاحتلال لأول مرة في الرابع والعشرين من كانون اول (ديسمبر) من عام 1987م، وذلك لمدة 18 يوما قم افرج عنه، ليعاد اعتقاله مرة ثانية في الخامس عشر من كانون ثاني (يناير) من عام 1988م، وذلك لمدة ستة أشهر إداري. واعتقل هنية في المرة الثالثة لمدة ثلاث سنوات وذلك في الثامن عشر من ايار (مايو) من عام 1989م، وذلك برفقة الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة "حماس" والمئات من انصار الحركة في اول ضربة توجهها قوات الاحتلال لهذه الحركة. وفي السابع عشر من كانون أول (ديسمبر) من عام 1992م كان هنية ضمن 416 قياديا من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الاسلامي الذين ابعدتهم سلطات الاحتلال إلى مرج الزهور في جنوبلبنان حيث اصروا على البقاء في ذلك المخيم إلى ان سمح لهم بالعودة بعد عامين تقريبا. تقلد هنية العديد من المناصب من اهمها رئيسا للحكومة الفلسطينية العاشرة و الحادية عشر، وكذلك عضو المجلس التشريعي الفلسطيني الذي انتخب عام 2006، ليصبح بذلك عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني برلمان منظمة التحرير. وسبق لهنية ان شغل منصب أمين سر مجلس أمناء الجامعة الاسلامية، بغزة وكذلك مديرا للشؤون الأكاديمية في الجامعة، وكذلك عضو مجلس أمناء الجامعة. مناصب مهمة وكان هنية كذلك عضو لجنة الحوار العليا للحركة مع الفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وعضو لجنة المتابعة العليا للانتفاضة ممثلا عن حركة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ومديرا مكتب الشيخ احمد ياسين، وهو كذلك عضو القيادة السياسية للحركة، وانتخب مؤخرا نائبا لرئيس المكتب السياسي للحركة. وسبق لهنية ان كانعضوا للهيئة الإدارية العليا للجمعية الاسلامية ، ورئيسا نادي الجمعية الاسلامية بغزة لمدة عشر سنوات تقريبا. وتعرض هنية في السادس من ايلول (سبتمبر) من عام 2003م لعملية اغتيال فاشلة وذلك حينما كان برفقة الشيخ احمد ياسين حيث قامت طائرة حربية اسرائيلية من نوع "اف 16" بإطلاق صاروخ واحد على منزل الدكتور مروان ابو راس عضو المجلس التشريعي الذي كانا فيه وتم تدمير جزء منه ونجاتهم جميعا من عملية اغتيال كبيرة.