لجأ رئيس وزراء الكيان الصهيوني إيهود أولمرت إلى التذكير ب"الغول الإيراني" في محاولة لإقناع الطبقة السياسية ووسائل الإعلام الصهيونية بقراره بالاكتفاء بتشكيل لجنة "فحص" حكومية بصلاحيات محدودة للتحقيق في أداء الحكومة خلال العدوان على لبنان بدلا من تشكيل لجنة تحقيق شامل. غير أن ذلك لم يفلح في إقناع المعلقين السياسيين بل وبعض أعضاء حكومته ناهيك عن المعارضة التي اعتبر بعض رموزها أن هذا التحقيق المحدود محاولة من أولمرت "لتبييض" صفحة حكومته بعد إخفاقها المدوي في عدوانها على لبنان. واعتبر أولمرت أن تشكيل لجنة تحقيق رسمية يعني شل دولة الاحتلال بشكل عام ودفع أجهزة الحكم نحو سبات عميق، في الوقت الذي يتوجب فيه على دوائر صنع القرار الاستعداد لمواجهة ما أسماه "التهديد الإيراني". كما حرص في خطاب ألقاه في "حيفا" بشمال فلسطينالمحتلة على تذكير الصهاينة بضرورة توفير المناخ المناسب الذي يسمح للحكومة والجيش "بالاستعداد لمواجهة مخاطر المشروع النووي الإيراني". وذكر أولمرت بتصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي دعا إلى "محو الكيان الصهيوني من على الخارطة" ووصفه بأنه "كاره إسرائيل الأبرز في العالم". بلا صلاحيات وأمر أولمرت بتشكيل لجنة تحقيق حكومية يرأسها رئيس جهاز الموساد الأسبق ناحوم أدموني، وبعضوية البروفيسور يحزقيل درور، والبروفيسور روت غبيزون، واللواء احتياط يديديا يعاري، إلا أن ما أثار حفيظة منتقدي أولمرت أن اللجنة ستكون بدون صلاحيات تذكر، فلن تكون مخولة بسلطة إجبار من ترى شهادته مفيدة للتحقيق على المثول أمامها، كما أنها لن تكون مخولة بمعاقبة من يثبت كذبه أمامها. وليس لهذه اللجنة لها أي صلة باللجنتين الأخريين اللتين شكلتا في وقت سابق وهما لجنة "شاحاك" المخولة بفحص أداء الجيش والمؤسسة الأمنية أثناء الحرب، ولجنة أخرى للتحقيق في الأسباب التي أدت لانكشاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية أمام صواريخ حزب الله. اللافت للنظر أن الانتقادات الحادة تجاه قرار أولمرت بتشكيل لجنة حكومية جاءت من كل حدب وصوب. وتساءل معلقون إسرائيليون عن كيفية الفصل بين هذه اللجان الخاصة بالحرب، على اعتبار أن هناك تداخلا بين المستويات السياسية والعسكرية. ويقول عكيفا الدار المعلق السياسي في صحيفة "هاآرتس" في حديث للقناة العاشرة بالتلفزيون العبري أمس: "هذا الفصل يأتي لمحاولة طمس الدور المخل الذي قامت به كل المستويات السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني". "تبييض" صفحة أولمرت وفي نفس السياق قال متحدثون باسم المعارضة: إن عدم تكليف أولمرت المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق ذات صلاحيات يعني أنه يسعى ل"تبييض" صفحته وصفحة حكومته بأي ثمن. رئيس حزب "ياحد" اليساري النائب يوسي بيلين وصف رئيس الوزراء بأنه "أصبح المتلعثم الوطني موديل 2006". ودعا بيلين أعضاء لجنة التحقيق إلى رمي التكليف في وجه أولمرت و"عدم أخذ المنصب على عاتقهم". رئيس حزب المفدال الديني النائب زبولون أورليف قال أيضا إن "الحكومة لم تسمح للجيش بالانتصار والآن تحاول التغطية على عجزها عن إدارة المعركة". أما النائب اليميني إيفي إيتام فاعتبر أن "الحكومة شكلت لجنة طمس وفرار من المسؤولية السياسية وشكلت لجنة أخرى لإلقاء الذنب على الجيش". لكن لم يقتصر الأمر على المعارضة ووسائل الإعلام، فقد خرج عدد من الوزراء أيضا ضد القرار، لا سيما من صفوف حزب العمل حيث أعلن الوزيران "إيتان كابل" و"أوفير بينيس" أنهما سيصوتان ضد قرار أولمرت بتشكيل تلك اللجنة. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أمس عن بينيس قوله: "برأيي، السبيل السليم لمعالجة الموضوع يتطلب تشكيل لجنة تحقيق رسمية ذات صلاحيات حقيقية، ومثل هذه بطبيعة الحال سيمنحها الجمهور ثقته". أما النائب عن حزب العمل اللواء متان فلنائي فكان أكثر شدة في معارضته حيث قال: "لدي إحساس عميق بأن تعيين أعضاء اللجنة سيمنع تحقيقا حقيقيا ولاذعا ويؤدي إلى تحميل الجيش فقط المسؤولية عن أوجه التقصير في الحرب". أما النائب العمالي عامي إيالون فأيد وبقوة لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضي من المحكمة العليا معتبرا أنها وحدها "هي التي يمكنها أن تعيد ثقة الجمهور بالحكومة ورئيسها.. إعادة ثقة الجمهور في مؤسسات الحكم ليست أقل أهمية من فحص الإخفاقات". ويرى مراقبون أن المواقف الصادرة عن وزراء ونواب بحزب العمل يمكن أن تؤدي إلى أزمة ائتلافية وإحراج رئيس الحزب، وزير الدفاع عمير بيرتس الذي أيد بنفسه في الآونة الأخيرة تشكيل لجنة تحقيق رسمية من قبل المحكمة العليا. قرار أولمرت أثار بشكل خاص حفيظة ذوي الجنود الإسرائيليين القتلى والجرحى والأسرى، إلى جانب الآلاف من الإسرائيليين الذين خدموا في قوات الاحتلال خلال حربها على لبنان. وقال روعي رون أحد الذين يقودون الاحتجاجات ضد الحكومة كممثل عن جنود الاحتياط: إن "لجنة تحقيق رسمية قضائية فقط يمكنها أن تفحص بشكل معمق أوجه القصور خلال الحرب. أما محاولة تقليص قوة اللجنة فيدل على أن الحكومة لديها ما تخفيه وما تخشاه". الحل بيد نصر الله! أحد المعلقين الصهيانة الذين تحدثوا مع القناة العاشرة للتلفزيون الصهيوني أشار إلى أنه: فقط الشيخ حسن نصر الله أمين عام حزب الله يمكنه أن يمد حبل النجاة لأولمرت ويحول دون سقوطه المدوي. وأضاف المعلق أنه إذا وافق نصر الله على عقد صفقة تبادل أسرى مع الكيان الصهيوني وإطلاق سراح الجنديين اللذين أسرهم حزب الله يوم 12 يوليو 2006 فإنه "في هذه الحالة فقط يمكن أن يغفر الجمهور الصهيوني لأولمرت كل ما فعل".