يصحو مع إشراق الشمس، ودون كلل ولا ملل، يمسك فأسه ويحنى ظهره، ليعزف بها على الأرض ملحمة حبٍّ تتجدد كل صباح لهذا الوطن؛ فهو عاشق لترابه، والأرض تعنى له العِرض والشرف.. قصة كفاح ونضال طويلة على مر العصور بطلها هو «الفلاح المصرى» الذى يجد نفسه الآن خارج دائرة الاهتمام، تحاصره المشكلات والأزمات نتيجة ممارسات النظام السابق الخاطئة، وفى ظل ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات والتقاوى، وكذلك نقص مياه الرى بعدما تحولت الترع نتيجة للإهمال وعدم وجود رقابة إلى مأوى للقاذورات والجيف، فأصابه الفقر، وأصبح مهددا بالحبس بعدما تراكمت عليه الديون، فعجز عن سدادها. «الشعب» قررت تعرُّف أهم المشكلات التى يعانى منها الفلاح المصرى الذى تم نسيانه فى ظل الصراعات الحالية. خسائر فادحة يقول رأفت متولى، أمين فلاحى محافظة دمياط بحزب العمل الجديد: «إن الأرز من أهم المحاصيل الزراعية بدمياط، لكننا بسببه تعرضنا لخسائر فادحة؛ لعدم التزام مضارب الأرز باستلامه بالسعر المعلن من رئيس الجمهورية -وهو 2000 جنيه- واستلموه بأسعار تتراوح بين 1600 و1800 جنيه دون أدنى مبرر؛ ما عرّضنا لخسائر فادحة بسبب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج كثيرا، كما اضطررنا إلى المبيت أمام المضارب أكثر من أربعة أيام لتسليم الأرز؛ للتكدس الشديد أمام المضارب». واقترح متولى تكليف هيئات حكومية تشترى وتجمع الأرز من الفلاح مباشرة، مع ضرورة تصدير الفائض إلى الخارج لحساب الفلاح لا لحساب التاجر، مع إنشاء آلية حكومية تعاونية لضبط السعر؛ لتسهيل الأمر على الفلاحين؛ حتى يأمن الفلاح جشع التجار، بعد أن تركتهم الدولة فريسة لهم. فيما أكد مظهر عيسى، المسئول الإعلامى لأمانة الفلاحين بحزب العمل الجديد، أنه لن تنصلح منظومة الزراعة فى مصر إلا بتطهيرها من المفسدين أولا، وخصوصا فى التعاونيات. وأشار عيسى إلى أن النظام السابق دمر القطاع الزراعى تماما؛ لبحثه عن المكسب السريع على حساب أى شىء؛ فقضى على القطن المصرى طويل التيلة باستيراد بذور مسرطنة ومبيدات مسرطنة، واستورد قمحا فاسدا، وقضى على زراعات كانت تتميز بها مصر على مستوى العالم، ودمر البؤرة الزراعية فى مصر؛ ما أفضى إلى تدهور أحوال الفلاح المصرى البسيط، ولأول مرة يدخل الفلاح السجن لعجزه عن سداد ديونه لبنك التنمية والائتمان الزراعى، وهو ما يجب إيقافه فورا. توزيع الأسمدة والمناوبة فى الرى من جانبه، أشار محمد راشد أبو الوفا، نقيب الفلاحين بالأقصر وأمين الفلاحين بحزب العمل، إلى مشكلتين أساسيتين تؤرقان جميع الفلاحين؛ أولاهما مشكلة توزيع الأسمدة؛ فهذه المنظومة تحتاج إلى سياسات جديدة واضحة؛ لأنها تعانى خللا كبيرا؛ وذلك بتفعيل الرقابة على بنوك القرى والتعاونيات، وكذلك توفير مندوبين لتوزيع الأسمدة لجميع القرى والنجوع، على أن يتم الصرف فى مواعيده المحددة دون تأخير. أما المشكلة الثانية فهى توفير مناوبة الرى فى مواعيدها؛ فطول فترات انقطاع المياه يهدد المزروعات بالموت عطشا. وطالب أبو الوفا الدولة بضرورة الإعلان عن سعر المحصول مبكرا قبل توريده؛ حتى يطمئن المزارع على محصوله؛ فدائما ما تعلن الحكومة الأسعار بعد موسم الزراعة، فلا يستطيع المزارع أن يحسب التكلفة التى تشمل إيجار الأرض وتكاليف المبيدات والأسمدة والتقاوى، فيتجه إلى زراعة المحصول المضمون فى تسويقه مثل الأرز؛ وهذا على حساب محاصيل إستراتيجية نحن أحوج إليها مثل القمح؛ لانخفاض أسعار التوريد. تطوير الوسائل البدائية فيما يرى الدكتور زكريا الحداد الخبير الزراعى وأستاذ الهندسة الزراعية والنظم بكلية الزراعة -جامعة بنها؛ أن أولى خطوات تحسين أوضاع الفلاح أن توفر الدولة له تقاوى سليمة منتقاة ذات جودة عالية، عن طريق القطاع الخاص أو مركز البحوث الزراعية. وأضاف الحداد أنه يجب تطوير الوسائل البدائية فى الزراعة التى لا يزال الفلاح يستخدمها؛ فالممارسات الزراعية فى مصر لم تتغير منذ أيام محمد على، واستخدام الآلات الزراعية فى زراعة المحاصيل، كآلات تسطير القمح، لا يتعدى مستوى تنفيذها حاليا 1%، وشتل الأرز آليا الذى لا يتعدى حاليا 0.01%، والحصاد الآلى الذى لا يتعدى 5%، علما بأن نشر هذه التقنيات جميعها يفضى إلى زيادة حقيقة فى إنتاجية المحاصيل الرئيسية الثلاث: القمح والذرة والأرز. وعلى سبيل المثال يستخدم الفلاح 70 كيلو من الأرز (شتلات) لزراعة الفدان فى ظل الطرق البدائية، لكن إذا استُخدمت الطرق الحديثة فإنه يحتاج فقط إلى 20 كيلو؛ فتحديث الزراعة ضمان للحاضر وإنقاذ للمستقبل. وأكد أن «أسعار المنتجات الزراعية تحتاج إلى إعادة دراسة؛ فشكارة النترات تصل إلى 150 جنيها، والفلاح يحتاج عند زراعة القمح -على سبيل المثال- إلى 4 شكاير، بخلاف باقى المستلزمات الأخرى، وكل هذه التكاليف يجب مراعاتها عند تحديد سعر التسليم؛ حتى يجد الفلاح فى النهاية عائدا مناسبا يستطيع أن يوفر له حياة كريمة، وفى الوقت نفسه تتحقق النهضة الزراعية فى مصر؛ فعندما نتمكن من إنتاجنا للغذاء نكون حينها سادة قرارنا». الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة