"قرقر": الإعلان الدستوري لا يختلف كثيراً عن تعديلات مارس 2007 تحت عنوان "مواصفات الدستور والرئيس القادم"، عقد حزب العمل ندوته الأسبوعية بمقر الحزب بالمنيل، والتي حاضر فيها الدكتور صلاح صادق أستاذ القانون بحضور كل من مجدي أحمد حسين رئيس الحزب، ونائبه عبد الحميد بركات، والأمين العام الدكتور مجدي قرقر، والدكتور أحمد الخولي أمين التنظيم والأمين العام المساعد، وحسن كريم الأمين العام المساعد، والمهندس عادل الجندي أمين اللجنة التنفيذية، وضياء الصاوي أمين التنظيم المساعد، والإعلامي محمد بيومي عضو اللجنة التنفيذية، ولفيف من أعضاء الحزب. وفي بداية حديثه، أشاد الدكتور صلاح صادق بالدور التاريخي لمصر الفتاة في التمهيد لاندلاع ثورة 1952، وهو نفس الدور الذي قام به حزب العمل من التقديم والدعوة لثورة 2011، مشيراً إلى الدور الذي لعبه الحزب ومساهمته الفعالة في تأسيس الحركات الثورية التي عارضت النظام في عز قوته بدء من حركة "كفاية" حتى اعتصام 6أبريل 2008، والتي دعا إليها رجال الحزب، كما تحدث عن دور الحزب في عام 2002 عندما قدم عريضة اتهام للرئيس المخلوع وطالبوه فيها بالتنحي وترك الحكم. وتحدث د.صادق عن وضع الدستور وانه يمثل أعلى قاعدة مكتوبة تليه القوانين واللوائح، كما أشار إلى انه هناك مبادئ أعلى من الدستور وهي تلك المستمدة من القيم التي استقرت في ضمير المجتمع الإنساني مثل قاعدة المساواة، وانه لو تتضمن الدستور نصاً يميز فئة بعينها عن باقي الفئات يعد دستوراً باطلاً. كما تكلم د.صادق عن الدولة القانونية وأسسها المتعددة التي يأتي على رأسها الفصل بين السلطات المختلفة، فكما قال "الكواكبي": السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فكل سلطة تمارس وظيفة معينة في إطارها ولا تتداخل مع السلطات الأخرى وان كانت على علاقة بها. وأضاف د.صادق استقلال السلطة القضائية من أهم أسس وسمات دولة القانون، فطالما أن السلطة القضائية تابعة لجهة معينة فلن يتسيد القانون ولن يطبق إلا على فئات بعينها. وحول المبدأ الديمقراطي، قال الدكتور صلاح صادق إنه هناك مفهوم خاطئ سائد لدى الكثيرين حول تعريف الديمقراطية، فالديمقراطية ليست فقط أحزاب وصناديق انتخابات، بل هي كيان ونسق متكامل له مكونات عدة أهمها حرية الناخب في أن يقول نعم أو لا وحريته في الإدلاء بصوته، دون الخوف من قيد أو من ضرر قد يترتب على اختياره، وكذلك تحرير الإعلام من سيطرة الدولة ورأس المال؛ فالإعلام رسالة وليس سلعة، وكذلك حرية تداول المعلومات ومحاسبة المسئولين، والعديد من المكونات، فصندوق الانتخابات ليس هو المحك أو المعيار. وأشار د.صادق إلى أن الثورة عمل جماعي تراكمي تقدمي، وقارن بين ثورتي 1952 و2011، مشيرا إلى أن الأولى كانت تسير في اتجاه ثوري خالص؛ فهي قامت في يوليو وقانون الإصلاح الزراعي أعلن في سبتمبر والإعلان الدستوري في 10 ديسمبر، لذلك اكتسحت الثورة جذور النظام القديم، في حين أن ثورة 2011 تتعثر أو تسير ببطء ومازال النظام القديم موجود كما هو في كل أجهزة الدولة من الشرطة والجيش والمجلس العسكري. وعن الدستور المقترح ، قال د.صادق إن الوضع الدستوري بمصر بدا الارتباك بلجنة البشري، فمن المعروف انه مع قيام الثورات تسقط الدساتير، لكن ما حدث في مصر هو تعديل لبعض مواد الدستور ثم إعلان دستوري ينص على أشياء ما انزل الله بها من سلطان، عبارة عن دستور مؤقت ما هو إلا دستور 1971، وذكر د.صادق انه ليس ضد دستور 1971 على طول الخط؛ فهناك مواد في دستور 1971 تنص على أن تقيم الدولة العدالة الاجتماعية وكذلك أبواب الحريات الموجودة بالدستور من الممكن أن يتم تضمينها ببعض الأمور ويتم العمل بها حتى بعد الثورة. وحول رئيس الجمهورية، قال د.صادق إن دستور 1971 نص على انتخاب الرئيس لمدة خمس سنوات تجدد لمدة أخرى، وتم تغييرها لتصبح "لمدد أخرى"، وأضاف أن ما طالب به الدكتور محمد البرادعي من تغيير ل 7 مواد فقط من الدستور لم يكن له أي قيمة في ظل وجود المخلوع في الحكم، مشيرا إلى انه في عام 2002 كتب بعض المجاهدين أمثال الراحل الدكتور يحي الرفاعي ورجال حزب العمل وفي مقدمتهم مجدي حسين، كتبوا بيان يطالب مبارك بالتنحي، لكن المخلوع عندما فكر في إجراء بعض التعديلات على الدستور غير المادة 76 لتصبح بدلاً من الاستفتاء إلى انتخابات بطعم الاستفتاء. وأشار د.صادق إلى أن المادة 28 مثار الجدل في الفترة الأخيرة والتي تنص على "تولى لجنة قضائية عليا تسمى " لجنة الانتخابات الرئاسية " الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية بدءاً من الإعلان عن فتح باب الترشيح وحتى إعلان نتيجة الانتخاب، وتُشكل اللجنة من رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً ،وعضوية كل من رئيس محكمة استئناف القاهرة ،وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نواب رئيس محكمة النقض وأقدم نواب رئيس مجلس الدولة، وتكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء، كما تفصل اللجنة في اختصاصها، ويحدد القانون الاختصاصات الأخرى للجنة."، تتناقض مع المادة 21 والتي تنص على أن "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء."، مشيرا إلى أن ما سبق من تناقض يحسمه المبادئ الأعلى من الدستور، فلا يصح أن يتم حظر التقاضي لتحصين عمل أي لجنة، وليس كما يقول المستشار البشري بان تحصين عمل اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة هدفه ضمان نزاهة عملها، فهذا مغالطة وتضليل، وهذا التناقض بين المادتين يؤكد أن مادة 28 مادة معيبة ومعدومة ولا تحتاج إلى استفتاء عليها لإلغائها لأنها لا قيمة لها. و حول الجمعية التأسيسية، ذكر د.صادق أن المادة 60 تنص على أنه "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها ويُعرض المشروع، خلال خمسة عشر يوماً من إعداده على الشعب لاستفتائه في شأنه ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء."، وانتقد إياها ووصفها بالعوار وأنها لغم سينفجر في وجه الجميع، كما تساءل حول طريقة الانتخاب؟ فمجرد انتخاب اللجنة يمثل معضلة كبرى. فيما أكد الدكتور مجدي قرقر الأمين العام لحزب العمل وممثله في البرلمان، أن الإنسان لا يحيا بالانتخابات فقط، وان الديمقراطية مناخ قبل أن تكون انتخابات، فكيف يكون هناك انتخابات وديمقراطية في ظل وجود قانون الطوارئ، كما انه في عام 2005 كان هناك إشراف قضائي على الانتخابات ومع ذلك تم تزويرها، وانتقد قرقر الإعلان الدستوري لأنه لم يعط فرص متكافئة للأحزاب المتنافسة كما انه يسبح بحمد الحاكم، مشيرا إلى أن التعديل الذي قامت به لجنة "البشري" لا يختلف كثيرا عن التعديل الذي قام به يحيي الجمل في مارس 2007. وأشار قرقر إلى انه لا يوجد ما يسمى بالدولة المدنية ولا يوجد مصطلح بهذا الاسم، ولكن هناك مجتمع مدني وهو يعني إعلاء دولة القانون، لكن العلمانيين أرادوا استبدال العلمانية بالمدنية بعدما تبين لهم رفض الشارع لمصطلح العلمانية، مع أنها لفظ العلمانية ليس سبة كما كان يقول الراحل عادل حسين، فهي مبدأ ومنهج تفكير، وشيخ العلمانية مراد وهبة يقول انه لا يوجد ما يسمى بالدولة المدنية بل هناك الدولة الديمقراطية وهي التي تحدد شكل الدولة وهل هي إسلامية أم علمانية حسبما تفرز الانتخابات. واستنكر قرقر إهمال الوضع الدستوري للعديد من القضايا الهامة التي تشغل بال الشارع المصري وعلى رأسها قضية العدالة الاجتماعية، والاقتصاد المصري ، كما أهمل الإعلان الدستوري ثلاثة أشياء هامة وهي نسبة العمال والفلاحين في البرلمان وسر الإبقاء عليها، ومجلس الشورى على الرغم من رفض القوى السياسية المختلفة لبقائه، والإدارة المحلية أو المحليات والتي يجب أن يرجع لها حقها في استجواب ومساءلة السلطة التنفيذية، لان هذا هو دور المحليات وليس دور البرلمان، فمن الضروري أن تنتقل مصر من المركزية إلى المركزية وان يتم انتخاب كل المسئولين من أول رئيس الجمهورية وصولاً إلى العمدة، ولذلك يجب إرجاء انتخابات المحليات لحين الانتهاء من صياغة الدستور. وأضاف الأمين العام لحزب العمل أن الإعلان الدستوري حدد طريقة انتخاب الرئيس إلا انه يجب ألا يمارس الرئيس أي تسلط على لجنة صياغة الدستور، كما انه من المهم جدا أن يتم تأسيس الدستور بناء على حوار مجتمعي حقيقي وأن يكون الحوار مع الشعب، وليس من خلال حوار سلطوي. وذكر قرقر أنه سيكون من الصعوبة بمكان انتخاب لجنة ال 100 وان عدد الأصوات الباطلة سيكون كثير وقد تكون اللجنة غير معبرة عن نواب الشعب. وفي مستهل حديثه، قال مجدي أحمد حسين رئيس حزب العمل، إننا وقعنا في مشكلة انفصال بين الثورة والواقع، وتورطنا في تفخيم ثورة يناير، فإعجابنا يجب ألا يكتمل إلا باكتمال المرحلة الثانية من الثورة، وإلا ستكون ثورة مغدورة أو مهدرة أو "هوجة" مثل هوجة عرابي كما سماها الشعب؛ لأنها ليست ثورة كاملة، وأشار إلى أننا معقدين تاريخياً من الثورات المغدورة والمهدرة وهذا للتنبيه على أهمية اليقظة والعمل السياسي المنظم وليس بالضرورة الاعتصامات والإضرابات، وأنه لو كانت الأغلبية تشعر أنها انتخبت في ظل ثورة ما قدموا كل هذه التنازلات وأبرز دليل على هذه التنازلات كلمة رئيس مجلس الشورى التي شعرت أنها من عصر الاتحاد الاشتراكي من كثرة التفخيم في قدر المجلس العسكري، فهذه ليست لغة ثورة فالثورة لم تستلم الحكم بعد. وأضاف حسين أن سرعة إسقاط مبارك كانت هي الخدعة، وأنه هناك تناغم بين العسكر وأمريكا للسيطرة على الثورة المصرية، وهو ما أرادوا فعله في تونس مع رئيس الأركان رشيد بن عمار لكنهم فشلوا في ذلك؛ لضعف المؤسسة العسكرية التونسية، على العكس من وضع المؤسسة العسكرية في مصر، والتي تعمل لحسابها الخاص وليس لمصلحة الأمن القومي كما يشيعون، فجميعنا يذكر أول بيان للمجلس العسكري كان عن الوفاء لمبارك، ولولا المليونيات لظل مبارك في شرم الشيخ، وما تم تحقيق الكثير من مطالب الثورة وهي أيضا تم تفريغها من مضمونها، بدليل حصول كل الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين على أحكام بالبراءة. وأشار حسين إلى أن الجدل الدائر حول انتخابات الرئاسة ووضع الدستور سببه كل ما سبق من تفريغ متعمد لمضمون الثورة، فطالما عملنا إجراء جوهري وهو عزل مبارك وتولي المجلس العسكري الحكم ثم إلغاء مجلسي الشعب والشورى، كل هذا غير مذكور في الدستور القديم ويندرج تحت الشرعية الثورية، وكان يفترض إغلاق المحكمة الدستورية للتحسينات؛ لأنه لا يوجد دستور، لكننا فؤجنا بعرض القوانين على المحكمة الدستورية قبل إقرارها، مع انه من المعروف أن القوانين تذهب إليها في حالة الطعن، لكن اتضح أن المحكمة الدستورية تم استدعائها لتمثل إدارة الشئون القانونية للعسكر، وانتقد حجة عدم الدستورية التي يرددها البعض والتي وصفها بأنها نوع من العبث، مشيراً إلى أنه لو تم حل البرلمان فلن يخرج أحد للتصويت مرة أخرى، لذلك مطلب تطهير القضاء يعد من أهم مطالب الثورة خاصة في ظل هيمنة وزارة العدل على القضاء والثورة لم تصل بعد إلى وزارة العدل والوزير الحالي ما هو إلا امتداد للفلول، خاصة انه هناك اتجاه من العسكر لتثبيت أركان النظام القديم بالإبقاء على شيخ الأزهر والمفتي ثم تعيين الجنزوري رئيساً للوزراء بعد أن جاءوا به من مقابر مبارك. كما أبدى مجدي حسين استيائه من طريقة تعامل الأغلبية مع المجلس العسكري، لأنها لا تتعامل من منطق الثورة بل من منطق الزحف التدريجي على السلطة، فالثورة تعتمد على الطفرة وفتح مجال للجيل والنظام الجديدين، مؤكداً أن حزب العمل يسعى دائماً إلى تقويم الأغلبية وتحضير البديل للشعب، مؤكدا أن الأهم من الدستور هو تسلم المدنيين للحكم فالحكم الصالح هو الأهم؛ لأنه من الممكن أن أضع دستورا صالح ولا ينفذ. وشبه حسين الوضع الراهن الآن بالمضطر لأكل طعام "شايط" لأننا نسعى لتسلم الحكم بأي شكل حتى يعود العسكر إلى ثكناتهم، لذلك سندرس في الفترة القادمة ما الذي يمكن أن نقوم به لتقليل الخسائر والاستعداد للمرحلة القادمة للحفاظ على أهداف الثورة والتي يأتي على رأسها الاستقلال الوطني والتخلص من التبعية المذلة للحلف الصهيوني الأمريكي.