قالت مجلة ال "تايمز" الأمريكية، أن المعاداة العربية لتعامل " الإسرائيلي" الفظ مع الفلسطينيين هى أكثر ما يوحد الشعوب العربية ويجعلهم فى خندق واحد، وأشارت إلى أن المفهوم الأكبر للخيانة في الأذهان العربية لا يعني سوى انحياز العربي ل "إسرائيل" ضد الفلسطينيين، ووفقا لهذا الحصر أو الفرز، فإن الرئيس حسنى مبارك يجد نفسه على أرض هذا الواقع الصعب. وقد أعدت أبيجيل هوسلنر مراسلة ال "تايمز فى القاهرة تقريرا تحت عنوان: " مصر تسير في طريق حساس بسبب حصار غزة " أشارت فيه إلى الاشتباكات التي وقعت في السادس من يناير الماضي بين قوات الأمن المصرية وناشطي قافلة "شريان الحياة 3" عند حدود قطاع غزة مع مصر، على خلفية رفض السلطات المصرية السماح لأعضاء القافلة من المرور من معبر رفح، فضلا عن تظاهر العشرات من الأوربيين والغربيين في داخل مصر ضد الجدار العازل الذي تبنيه الحكومة المصرية على حدودها مع قطاع غزة لمنع إنشاء الأنفاق لوقف تهريب السلاح من غزة إلى مصر وتهريب المواد الغذائية من مصر إلى سكان القطاع المحاصر. حسب النظام المصرى.
إسقاط حماس وينقل التقرير عن الدكتور عصام العريان عضو مكتب الإرشاد بجماعة "الإخوان المسلمين" اتهامه للرئيس مبارك بالتواطؤ لإسقاط حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة منذ يونيو 2007، وقال إن "التواطؤ المتصور للرئيس مبارك مع "إسرائيل" لإسقاط حماس عن طريق خنق الحياة اقتصاديا هو الذي أدى إلى ردود أفعال سياسية"، وأضاف "أن أمريكا وإسرائيل تضغطان على مصر لتأمين الإسرائيليين، لكن هذا ليس من واجبنا، لأن الفلسطينيين لا يشكلون أي تهديد لمصر".
وقد أشار التقرير إلى طرد السلطات المصرية للنائب البريطاني جورج جالاوي في 9 يناير الجاري بعد عودته من غزة، وإعلانه بأنه شخص غير مرغوب فيه في مصر، وهو الإجراء الذي أعقب مقتل الجندي المصرى أحمد شعبان برصاص يقول الجانب المصرى إنه من قناص فلسطيني، وهو الأمر الذى ينفيه الجانب الفلسطينى، وكذلك إصابة نحو 50 شخصا من أعضاء قافلة "شريان الحياة 3" برصاص قوات الأمن المصريين.
وتحدث تقرير ال "تايمز" عن الحصار المشدد المفروض على اقتصاد غزة بعد فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية "المراقبة دوليا" فى العام 2006، وقال التقرير إن هذا الحصار قد أصبح كاملا بعد نجاح "حماس" فى إفشال انقلاب وطرد القوات الموالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس في يونيو 2007، حيث منعت "إسرائيل" دخول السلع الغذائية ومواد البناء للقطاع.
تعاون مصرى واتهم التقرير النظام المصرى بالتعاون مع الكيان الصهيونى في خنق الاقتصاد في قطاع غزة عن طريق تشديد الحصار، ومنع وتدمير الأنفاق التي يعتمد عليها الفلسطينيون في إدخال السلع الضرورية إلى القطاع من مصر.
وقال إن النظام المصرى الذي يعتمد على مليارات الدولارات من المعونة الأمريكية يقول إن ما يقوم به ضد قطاع غزة يخدم المصالح المصرية الوطنية، وليس نتيجة ضغوط من الولاياتالمتحدة لوقف تهريب الأسلحة إلى القطاع، لكن التقرير يشير في الوقت ذاته إلى أن الرئيس مبارك يعتبر من أشد المؤيدين للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويرى في الوقت ذاته أن "حماس" تعتبر حليف قوة لأشد خصومة السياسيين في مصر، وهى جماعة "الإخوان المسلمين".
الأزهر وتغييب الشعب ورغم أن الحصار المصري على قطاع غزة لاقى الكثير من التنديد والإدانة الواسعة في العالم العربي وتركيا، إلا أن التقرير يؤكد أن الشعب المصري في معظمة لا يزال غافلا عما يجرى، وهو ما عزاه إلى نجاح الحكومة المصرية في إقناع الشعب المصري بأن التوتر الحاصل الآن بين مصر وقطاع غزة تقع مسئوليته على "إسرائيل" وحركة "حماس".
كما أرجع أيضا غفلة قطاع كبير من الشعب المصري عما تقوم به الحكومة المصرية من حصار وخنق لقطاع غزة إلى فتاوى السلطات الدينية المصرية "الأزهر" ومباركتها لإقامة مصر للجدار العازل مع قطاع غزة.
والصحافة الحكومية وينقل عن الدكتورة هالة مصطفى رئيس تحرير مجلة "الديمقراطية" الصادرة عن مؤسسة "الأهرام" "إن التزام النظام الحاكم فى مصر بفرض الحصار على قطاع غزة ينبع من التزامات مصر في اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو الالتزام التي تلزم بمقتضاه مصر بمراقبة حدودها مع إسرائيل لمنع العبور لأي طرف ثالث لمهاجمة إسرائيل"، وترى أن قوافل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة "قد استخدمت كنوع من الدعاية لجلب انتباه الجاليات العربية الأخرى والمجتمع الدولي ضد مصر".
وتطرق التقرير إلى الحملة المركزة التي تتبناها الصحافة الحكومية المصرية لتقليل الانتقادات الموجهة لسياسات النظام المصرى ضد قطاع غزة، قائلا إن الصحافة الحكومية المصرية حاولت إثارة التعاطف القومي المصري من خلال التركيز على مقتل الجندي المصري أثناء الاشتباكات التي وقعت يوم 6 يناير الماضي على حدود رفح مع غزة، كما أشار أيضا إلى سيل من مقالات الرأي التي اتهمت "حماس" باتهامات غريبة منها أنها "لا دين ولا وطن لها"، وأنها تعمل لمصلحة "إسرائيل".
معارضة غير منظمة وينقل التقرير عن محمد التميمي وهو طيار مصري سابق قوله، إن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المحلية جعلت معظم المصريين غير مبالين بالشئون الخارجية، مؤكدا أنه يكره الحكومة المصرية، إلا أنه استبعد أن تكون القوات المصرية قد أطلقت النار على الفلسطينيين.
ويرى التقرير أن المعارضة للموقف المصري من قطاع غزة قد أضيفت إلى وقود المعارضة السياسية غير المنظمة لنظام حكم الرئيس مبارك الذي قال التقرير إنه يعاني من الشيخوخة، والذي يتمسك بزمام السلطة منذ نحو ثلاثة عقود و"يكافح" للحفاظ على شرعيته في مواجهة التهديدات الداخلية الأخرى، كالفساد، واتساع الفجوة بين الدخل والإنفاق عند معظم الشعب، و"تزايد العنف الطائفي بين المسلمين والمسيحيين".
نظام غير معنى بالغضب الشعبى وتقول مارينا أوتاوي مديرة برنامج الشرق الأوسط بمعهد "كارنيجي" للسلام الدولي إنه من خلال ردود الفعل بالصحافة العربية والرأي العام العربي فإنه يتضح أنه لا مبرر لما تقوم به مصر تجاه قطاع غزة، وأضافت أن رفض الرأي العام الداخلي والخارجي لسياسات الحكومة تجاه غزة لا يعنى الكثير للسياسة الداخلية المصرية الحالية، وأن هذا الرأي العام يعد أحد علامات الخلافات القائمة بين الحكومة والرأي العام، إلا أنها استبعدت أي تداعيات دراماتيكية بسبب تنامي معارضة الرأي العام.
بيد أن هالة مصطفى قالت في تعليقها على ذلك إن الغضب الشعبي لا يعنى الكثير بالنسبة للنظم التي لا تعتمد في ولاياتها وحكمها على الديمقراطية، كما أننا لا نتحدث عن مجتمع غربي، أو عن نظام غربي، وتضيف مصطفى، أن "شعبية النظام لا تحسب هكذا في مصر، أو في العالم العربي بصفة عامة"، مؤكدة أن "شعبية النظام ليست العنصر أو العامل الذي يمكن أن يؤثر في النظام ويدفعه لاعتماد هذه السياسة أو تلك"، واعترفت بأن النظام المصري "لا يحظى بأي شعبية فيما يخص سياساته ضد قطاع غزة"، وأن موقفة لا يزال خطوة فوق جليد رقيق.
مخاوف صهيونية وعلى الجانب الصهيونى، حذر شلومو جازيت الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، من الآثار السلبية على مصر و"إسرائيل" جراء تشييد الجدار الفولاذي على الحدود المصرية مع قطاع غزة، إلى حد توقع معه بأنه قد يؤدي في النهاية إلى سقوط النظام الحاكم في مصر، كما أكد في مقال نشرته صحيفة "معاريف" السبت (16-1).
وأعرب عن اعتقاده بان الاستمرار في بناء الجدار سيزيد من الاحتجاجات الحادة من جانب الفلسطينيين ضد النظام المصري والتي قد تتجاوز منطقة رفح ومحور صلاح الدين لتتحول إلى احتجاجات مناهضة لمصر في معظم العواصم العربية، بل وربما يتسلل الاحتجاج إلى داخل مصر نفسها.
وذكر أنه على الرغم من شكوى "إسرائيل" الدائمة من "السلام البارد" مع مصر ورفض المثقفين والشعب المصري التطبيع معها "إلا أننا نتمتع منذ نحو أربعين سنة ب "حدود هادئة" و"تعاون أمني محلي"، لكنه حذر من أن كل هذا من شأنه أن ينهار ويختفي بين ليلة وضحاها، وذلك إذا ما فوجئت بنظام "متطرف" ومتزمت يحكم مصر بدلا من "نظام معتدل وعلماني"، قال جازيت إنه سيقف في رأس الجبهة المناهضة ل "إسرائيل" .
ومضى رئيس الاستخبارات العسكرية الصهيوني الأسبق في تحذيراته ليؤكد أن نظام مبارك المعتدل مهدد بالانهيار في كل الأحوال "لكننا في إسرائيل ملزمون بأن نفهم الخطر الأكبر الذي يحدق بالنظام، بالدولة المصرية وبالهدوء والاستقرار الإقليميين، وحذار علينا أن نساعد ونجلب هذا الخطر على رأسنا"، على حد قوله.
وسعادة وعقب على الاشتباكات التي جرت بين قوات الشرطة المصرية وفلسطينيين من قطاع غزة وقتل فيها مجند مصري، قائلا "إن كثيرين في إسرائيل فرحوا لمشاهدة الاشتباكات بين الجانبين"، وأشار إلى أن الجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر سيجعل من الصعب في المستقبل حفر الأنفاق الأرضية من سيناء إلى داخل القطاع وهو ما تراه "إسرائيل" تطورا "مباركا" يضمن السيطرة شبه المطلقة على كل ما يدخل من الخارج إلى الداخل ووضع حد لتهريب صواريخ الجراد، والمضادة للدبابات وللطائرات لغزة.
لكنه قال في النهاية إن "لكل عملة وجهين وإنه برغم النجاح الذي ستحققه القاهرة في وقف التهريب، إلا أن موجات الاحتجاج ستهدد بسقوط النظام المصري وخروج جارتنا الجنوبية من دائرة السلام مما سيعد أحد أكبر وأخطر التهديدات الإستراتيجية التي تحوم فوق رؤوسنا نحن الإسرائيليين".