بعد ستة أشهر على قسم الرئيس الأميركي باراك (حسين) أوباما، وانتعاش (الآمال) العربية والإسلامية باحتمال حدوث تغير دراماتيكي أو (راديكالي) أو في الحد الأدنى حدوث تطور ايجابي ملموس في الموقف الأميركي من قضيتنا المركزية فلسطين .. هاهي الآمال تتبخر بسرعة ، وهاهي المواقف المعلنة في واشنطن تعود إلى ديدنها والى تاريخيتها المستندة إلى التحالف الاستراتيجي مع تل أبيب ، وهاهي (توجه اللوم للعرب) لأنهم ما قبلوا أن يحتضنوا اليهود الصهاينة ويشدوا على أياديهم وهم يقتلون أهلنا ويشتتوننا ويشردوننا في أصقاع الأرض ويستولون بالقوة والغصب على أراضينا وممتلكاتنا ويصادرون كامل حقوقنا في حياة طبيعية في وطن آمن. هذا ما يمكن فهمه مباشرة من كلمات هيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية الأميركية ، وهي تتحدث عن ضرورة أن يقدم العرب كلهم مغريات وحوافز تشجيعية للمحتلين لعلهم يستسهلون اتخاذ قرار (صعب جدا) عليهم يتعلق بتجميد الاستيطان الجديد ، وإن كان بعض المستوطنين قد أصروا بعد أقل من اثنتين وسبعين ساعة من كلمات كلنتون أن ينهوا بناء أو يعيدوا بناء مستوطنة في الضفة يطلقون عليها اسم الرئيس الأميركي (اوباما). الأمر الأشد مرارة هو مراوحة الحوار الوطني الفلسطيني عند حد معين ، والمطلوب أن ينهار أحد السقوف لكي تتم استعادة الوحدة الفلسطينية وربما على حساب حذف كلمة (الوطنية). فالحوارات في القاهرة مقتصرة على الفصيلين المتخاصمين فقط ، وعلمنا أن الفصائل الأخرى تزدرد ريقها الناشف وتضع اليد على القسم الأيسر من الصدر خشية أن تشهد الأيام القليلة القادمة انهيار سقف آخر من السقوف الفلسطينية خاصة في ظل انتظار تداعيات القنبلة التي فجرها فاروق القدومي أمين سر حركة فتح. أما ثالثة الأثافي فتتعلق بالموقف العربي من (المبادرة العربية للسلام ) التي رفض العرب منذ إعلانها أن تجرى عليها أي تعديلات .. وتحدثت الأمانة العامة العربية قبيل أسابيع فقط عن رفض العرب إعادة النظر في المبادرة أو البحث في إجراء تعديلات عليها (تخص حق العودة للاجئين الفلسطينيين) وبخاصة ذكر القرار الدولي 194. الإدارة الأميركية تريد من العرب البدء الفوري بالتطبيع مع المحتلين .. أما على أي أساس فذي ليست مهمة كلنتون ولا هي مهمة الرئيس اوباما ، إنها مهمة نتنياهو ليبرمان. ألم يقل الرجل على الأسماع عبارة (حل الدولتين) ؟ إذن الطريق سالكة لكن ، لكن على العرب أن يبادروا إلى التطبيع ، أي أن ينتقلوا فورا إلى منح الجائزة للغاصب الغازي وقبل أن يتخلى عن أي شيء مما سلبه واغتصبه. بأي الأعراف يكون هذا؟ وبأي منطق يطلب من الضحية أن تتوسل القاتل لكي يخفف عن رقبتها شيئا فشيئا علها تموت من غير ألم ؟ بل المطلوب من الضحية احتضان القاتل وفتح الصدر أمامه وهو لايؤمن بالمثل العربي القائل (من سلمك مذبحه لا تذبحه) والسبب بسيط جدا: إن القاتل ليس عربيا وبالتالي فهو لا يجب أن يتحلى بأخلاق العرب وليس مطلوبا منه ذلك على أية حال . السقوف إذن تتداعى وهي على طريقة (أحجار الدومينو) ، سقوط احدها يمكن أن يؤدي إلى سلسلة تنهي (وقوف) كل أحجار الدومينو الأخرى. ليس هذا من باب التشاؤم ، ولكنه توصيف قراءة صادقة متألمة لما يعتمل في قلوب الملايين من أبناء فلسطين الذين حرموا نعمة الأمن والأمان ، ونسمة الحرية في الأوطان ، والذين بذلوا ما لم يبذله شعب من شعوب الأرض في سبيل حقوقهم ، وما زالوا مستعدين لمزيد من البذل ولمزيد من الفداء والتضحية. هل يستحق شعبنا ما لاقاه وما ينتظره من تنكر ومن إدارة ظهر لحقوقه وتجاهل لآلامه وتضحياته ومكابداته ومن نفاق ومن ضغوط ومحاولات جادة مستمرة لإرغامه على التخلي عن حقوق له ثابتة ومشروعة وبسيطة جدا هي ذاتها حقوق الإنسان في شرعة السماء وفي شرائع البشر الوضعية كذلك ؟ ولنلاحظ أن انهيار السقف الفلسطيني لن يعفي ولن يحمي أو يمنع السقوف العربية الأخرى من ملاقاة المصير المؤلم ذاته.