بقلم: د. أحمد دراج : حاطب الليل هو الشخص الذي يجمع الحطب في الليل فيخلط كل شيء بنقيضه ويجمع بين الرديء والجيد وبين الخبيث والطيب من الكلام، فيتكلم بالغث قبل السمين، وحاطب الليل لفظ يطلق على كل من يطعن في السنة المطهرة( )، ويقصد بهم في هذا المقال تلك الفرقة التي تُستكتب في الصحف فتجمع الآراء أجهلها وتختار من التعصب والحمق ما يروجون به بضاعتهم الفاسدة. تابعت في الآونة الأخيرة باهتمام خاص ما تناقلته الصحف المصرية الحكومية والحزبية والمستقلة ومن بينها صحيفة " المصريون " والغد والعربي الناصري لموضوعين متماسين فيما يشبه الكر والفر، حيث تناولت بعض المقالات موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في موقعة الجمل، كما تناول بعضها الآخر عددا من الصحابة ( رضوان الله عليهم جميعا ) بالذم والسب وتخصصت بعض الصحف في نقد الشيعة ، وفضح محاولتهم الحثيثة عبر بعض الأقلام المصرية المعروفة لاكتساب أنصار جدد ونشر المذهب الشيعي في مصر وغيرها من الدول الإسلامية. وطوال الفترة الماضية لم أحاول الخوض في أتون هذه الأزمة ورأيت أن خير العمل في مثل هذه الظروف هو الاقتداء بقول أشرف الخلق عندما طلب منه أعرابي وصية فقال عليه أفضل الصلاة والسلام( ) " عليك بتقوي الله، وإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه فيك فلا تعيره بشيء فيه يكن وباله عليه وأجره لك ولا تسبن شيئا " ، وفي حديث آخر قال عياض بن حمار قلت: يا رسول الله ، إن الرجل من قومي يسبني وهو دوني، هل على بأس أن أنتصر منه ؟ فقال: " المتسابان شيطانان يتكاذبان ويتهاتران " . لقد استمرت هذه الحملة أكثر من شهرين - وما زالت- وألقيت فيها العبوات الكلامية الناسفة وكان من توابع هذا القصف المنظم اجتذاب عدد من الصحفيين والكتاب بدافع الغيرة على آل البيت والصحابة- إلى ساحة النزال الصحفي في مقالات وأعمدة للكشف عن مصادر تمويل هؤلاء المتطاولين على صحابة رسول الله وإخوانه والجهات الأجنبية التي تدعم هذا التوجه الآثم بالشيكات العابرة للحدود وتورط بعض المثقفين في أداء دور الوكيل المشبوه بالتعاون مع كل من إيران وسوريا. ويبدو للمراقب لكل ما سبق أن سهام الفريقين غالبا ما تخطيء المخطط والفاعل الحقيقي لتأجيج الصراع الطائفي، وقد تزل بالأقدام الثابتة وتوشك أن تغوص في رمال الجدال العنيف المفضي إلى الفتنة رويدا رويدا خصوصا إذا كانت مواجهة سب بعض الصحابة بالسب المضاد مما يمنح المتطاولين على الصحابة شحنة إضافية لمداومة الفعل ورد الفعل، وتذكرت قول الحبيب المصطفي " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ومن ثم فليس من خلق أتباع الرسالة المحمدية التهجم على الصحابة لأن ذلك يؤذي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، وليس من فضائل الإسلام أيضا رد الأذي بالسب والقدح المضاد. وقد تبين لي بالبحث والتدقيق أن هناك قدرا كبيرا من التجنى والانفلات الأخلاقي في التهجم علي أم المسلمين وبعض الصحابة من قلة الصحفيين والكتاب المصريين والعرب إن عقلاء الأمة مدعوون إلى تدبر هذه المسألة بحيطة وحذر بالغين لما يكتنف أسبابها من غموض يثير الفضول لمعرفة الدوافع الحقيقية لنثر هذه المقالات ووصلها بمقالات وآراء فقهاء السلطة وأدعياء العلم في الفضائيات ضد النقاب والحجاب، مع أن العري والفجور في الشوارع وفي أجهزة الإعلام لم يستفز هؤلاء المدعين المتعالمين. ويظهر من الجدال الدائر أن الإطار الأمثل للرد على مثل هذه الفتن يتمثل في ذلك الخطاب الهاديء والمستنير الذي تتبناه رموز إسلامية مثل الفقيه الدكتور محمد سليم العوا والمستشار طارق البشري وغيرهما لردع المتطاولين على أصحاب رسول الله دون السقوط في شرك التناطح. وربما يكون في الإجابة عن بعض التساؤلات ما يكشف الخلل المنهجي الذي ارتكبه بعض الصحفيين والكتاب المتطاولين في تناول هذا الأمر الخطير بسطحية تهدم استنتاجاتهم وتدجض آراءهم، وأهم هذه الأخطاء المنهجية هي : 1. إغفال بعد الارتباط بين العمل والنية في تقييم فعل أم المؤمنين والصحابة ( رضي الله عنهم ) في هذه المقالات، وتجاهل ما يشير إليه حديث عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه " إنما الأعمال بالنيات ولكل امريء ما نوى " هذا الحديث يثبت أن هناك بعدا مهما غاب أو أهمل عن قصد في تلك المقالات التي هاجمت بجهل وسطحية أو سوء طوية أعمال بعض الصحابة، فالله أعلم بالنوايا الحقيقية وخفايا القلوب. 2. أن القاعدة الفقهية تنص : لا يصح الحكم على عصر بمعايير عصر آخر، فكيف يحكم الباحث أو الكاتب المعاصر أدواته المتغيرة على أحداث مر عليها أكثر من 1400 عام ؟. ومما لاشك فيه أننا أحوج ما نكون إلى رص الصفوف في هذا الوقت الذي يرتع فيه المحتلون في ديار المسلمين ويعيثون فيها فسادا من العراق إلى لبنان وفلسطين وأفغانستان وغيرها، ويعدون العدة لاستكمال السلب والنهب والاحتلال، فهلا أصغينا إلى صوت العقل ودعاة وحدة الصف ونزع فتيل الفرقة وكل ما يثير نزاعا أو ينشر فسادا بين الناس فكيف بأبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة ؟ وكم أتمني أن يعيد كل فريق ترتيب أولياته وفقا لمصلحة الوطن الواحد، وليس وفقا للمنفعة الفردية الزائلة، وعلينا جميعا البحث عن المستفيد بعد الإجابة عن التساؤلات الآتية : • من صاحب المصلحة الأولى حاليا في تقسيم العرب والمسلمين إلى طوائف وأعراق ؟ • هل يغيب مخطط المحافظين الجدد في المنطقة عما يدور من عراك صحفي وفضائي بين أبناء البيت العربي ؟ • لماذا اشتعلت نار الخلافات والسب واللعن في هذا التوقيت بالذات ؟ • ماذا جني الشتامون والسبابون من وراء الخوض في أعراض الصحابة رضي الله عنهم بدون علم ؟ إذا كانت الغنيمة مالا فبئس الغنيمة وبئس البيع !! • هل يمكن تعميم الآراء المسيئة في سب الصحابة ( رضوان الله عليهم ) على كل الفرق الشيعة المسلمة ؟ • لماذا يدمن مسلمو هذا العصر محاكمة الماضي البعيد للسلف الصالح مع أن سوء أحوال بلادهم الإسلامية وتخلفها وفسادها في جميع البلدان العربية أولي بالنقد في هذا الوقت ؟ • كيف يجرم مسلم معاصر سلوك صحابي جليل وهو غير ملم بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة بتلك الفترة الزمنية، بينما يتخاذل في الوقت نفسه عن رد حاكمه الظالم رغم معرفته بالظروف المحيطة ؟ • هل لانتصار حزب الله على ذراع أمريكا المتقدم " إسرائيل " علاقة بتحريك هذه المقالات وبهذه الكثافة المريبة حول الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة ومهاجمة المنقبات ؟ • ما علاقة هذه الحملات الصحفية على أم المؤمنين والصحابة والنقاب بأزمات أنظمة الحكم العربية وانسداد أفقها بسبب انتشار رائحة الفساد الذي قضي على الأخضر واليابس ؟ لقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم بنص الحديث الشريف سب صحابته بقوله " أيها الناس احفظوني في أصحابي وإخواني وأصهاري ولا تسبوهم، أيها الناس إذا مات الميت فاذكروا منه خيرا " فما بال بعضنا لايحفظ لرسول الله( صلى الله عليه وسلم ) في أهله وأصحابه إلا ولا ذمة ؟ كما نهى عليه أفضل السلام عن لعن المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حتى لو كان مدمنا للخمر فقال عليه السلام لأحد أصحابه " لا تكن عونا للشيطان على أخيك "( )، فهلا امتثل المسلمون بجناحيهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبذوا الخلاف بين الأمة الإسلامة وأوقفوا الاستقطاب المذهبي صونا لوحدة صف المسلمين في مواجهة عدو يتربص بالجميع في الداخل والخارج ؟؟ !!! زبدة القول : إن القضية الأساسية التي ينبغي أن تحشد لها كل القوي هي قضية الفساد والاستبداد لأنها مصدر كل الشرور والبلايا التي تحيط بالأمة العربية والإسلامية، أفيقوا يرحمنا ويرحمكم الله !!!