- يستطيع المتابع للتداعيات التي تعقب أغلب حوادث التوتر الطائفي أن يرصد ظاهرتين تتكرران بوضوح يصعب معه القول بأنها ظهورهما المتكرر هو وليد المصادفات. - أما الظاهرة الأولى التي تتلو كل حادثة طائفية فهي ظاهرة إخضاع الدولة للإبتزاز عبر آلية تسقط فيها بين المطرقة والسندان، حيث تتمثل المطرقة في بعض جمعيات أقباط المهجر مع الكثير من المنظمات الحقوقية الغربية والتي لا يخلو معظمها من الأغراض والأجندات الأجنبية التي لا يهمها من قريب أو بعيد صالح هذا الوطن، فيبدأ جميع هؤلاء في تناغم عجيب في الصياح والهياج واستعداء مؤسسات صنع القرار العالمية خاصة في الغرب ضد مصر، وفي ذات الوقت تبدأ بعض الجهات في مصر في ممارسة دور السندان الذي يكمل عملية الطرق في شكل مسالم فيوحي بطرف أن تقديم بعض التنازلات من قبل الدولة المصرية سيساهم في إمتصاص الغضب القبطي وسيخفف الضغط خارجياً على مصر !!، - وهكذا ما أن تحدث حادثة ذات طابع طائفي إلا وتجد في الخارج الصراخ والتهويل والتدخلات الغربية، وتجد تزامناً معها في الداخل مطالبات لا علاقة لها لا بالحادثة ولا بجذورها، وإلا فما علاقة حادثة نجع حمادي بالمطالبات التي تلتها بإصدار قانون بناء دور العبادة الموحد !!، وما علاقتها ببعض المطالبات بكوتة مسيحية في المجالس النيابية !!، هل ستساهم الإستجابة لهذه المطالبات -غير العادلة ولا النزيهة- في منع تكرار حادثة نجع حمادي إو الحد من أمثالها من الحوادث، الذين يقومون بدور السندان يقولون أن الإستجابة لهذه الطلبات سيساهم في تخفيف الإحتقان القبطي !!، مثل هذا المسلك هو عين الإبتزاز التي تسقط فيه الدولة المصرية بعد كل حادثة، وإذاً فكلما قام معتوه أو متعصب أو مأجور بحادثة لها شكل طائفي فعلى الدولة أن تقدم تنازلاً عاماً بدعوى تخفيف الإحتقان، دون أن يكون هذا التنازل بالضرورة له علاقة بالحادثة، وهذا لا يؤدي فقط إلى استمرار تلك الحوادث لعدم علاج اسبابها وجذورها الحقيقية، لا بل إنه يسهم في إزدياد تلك الحوادث عن طرق خلق إحتقان مضاد متعاظم، وهكذا تسقط البلاد في حلقات مفرغة من الإحتقان والإحتقان المضاد، وطريق التنازلات لا ينتهي، وسيظل دائماً شعار الطرف المبتز: هل من مزيد، والغريب أن بعض الأطرف المثقفة من المسلمين والمسيحيين تساهم في مثل هذه المطالبات عقب كل حادثة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. - والظاهرة الثانية التي يعاني منها المجتمع عقب تلك الحوادث هي ظاهرة خلط الأوراق، حيث تكثر الكتابات التي تحلل اسباب تلك الحوادث، وهذا طيب وهام، بل هو المطلوب حقاً لتجنب تكرارها، لكن الكثير من تلك الكتابات للأسف تجمع مالا علاقة له بالموضوع فتختلط الأوراق ويمتزج الحق بالباطل وتضيع الأسباب الحقيقية وسط ركام الأسباب التي تطرح على صفحات الجرائد !!، يحدث هذا من بعض الكتاب نتيجة للرغبة في ان تكون كتاباتهم موسوعية وجامعة فيكونون كما يقول العرب في أمثالهم (حاطب ليل) يريد أن يجمع الحطب في الظلام فيجمع كل شيئ تتلمسه يداه، فتجد تلك الكتابات وهي كثيرة للأسف تبدأ بذكر حادثة نجع حمادي مثلاً ثم تبدأ بعدها في سرد كل الظواهر الدينية في المجتمع دون أن تقدم ربطاً واضحاً بينها وبين الحادثة في خلط عجيب للأوراق، فيجد القارئ نفسه وقد مر عليه ذكر النقاب والحجاب والسلفيين والإخوان المسلمين والدعاة الجدد ومكبرات المساجد وباعة الأشرطة والعباءات !!. - وكتابات أخرى تستغل تلك الحوادث في تصفية الحسابات حيث لها سوق رائجة هنا، فتبدأ الكتابات بذكر الحادثة الطائفية ثم تنطلق فتلصقها بمن يراد أن يصفى معه الحساب، فالعلمانيون يصفون حساباتهم مع خصومهم، والمعارضة تصفي حساباتها مع الحكومة، وهكذا كل خصم يستغل الحادثة لإلصاق إسم خصمه بها، حتى وصل الحال على سبيل المثال أن حضرة الأنبا بيشوي ربط بين رواية عزازيل وبين حادثة نجع حمادي في مقاله بالأهرام يوم 18 فبراير مستكملاً موقفه المعروف من الرواية وكاتبها !!. - وأكبر ما يتبدى فيه الإبتزاز وخلط الأوراق حالياً هو في تلك الدعاوى الملحة بإصدار قانون بناء دور العبادة الموحد، وخلط يأتي من الفرق بين مفهوم المواطنة ذات الطابع الفردي وبين الأمور الجماعية، فالذين يتحدثون عن وجوب هذا القانون بدعوة المواطنة والتساوي يخلطون بين الفردي والجماعي في خلط خطير، فالمواطنة تستهدف تساوي جميع المواطنين أمام القانون، لا فرق بين مسلم ومسيحي، وهذا مفهوم، لكن المواطنة لا تتعارض مع حقيقة أن الإسلام هو دين الدولة، والدستور المصري صريح في مادته الثانية (الاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع)، فأغلب دول العالم لها دين رسمي لا تساوي بين متطلبات شعائره ومبانيه وبين غيره وهذا هو ما عليه العمل في أغلب دول العالم وعلى رأسها الدول الغربية، فهل هناك تساوي بين القدرة على بناء كنيسة والقدرة على بناء مسجد في سويسرا مثلاً، أو في فرنسا أو في إيطاليا ؟!!، وهل الإجراءات المطلوبة لبناء مسجد في الولاياتالمتحدة هي ذاتها المطلوبة لبناء كنيسة هناك !!، والعجيب أن تأتي هذه الضغوطات في الوقت الذي يمنع فيه المسلمين في سوسيرا المشهورة بأبراج كنائسها من بناء مآذن لمساجدهم، وهل طالب المسلمون الألمان مثلاً ببناء المزيد من المساجد أو بالمساواة مع بناء الكنائس كتعويض عن حادثة الشهيدة مروة الشربيني ؟!، من المفارقات أن يأتي الكلام على قانون البناء الموحد في الوقت الذي تمنع فيه بلدية مرسيليا بناء المسجد الكبير هناك إلا أذا تنازل المسلمون عن رفع الآذان وأسبدلوه في إظهار دخول وقت الصلاة بالأنوار !! [email protected]