الآن وبعد أن سكتت مدافع العدوان الصهيونى على غزة، وبعد أن انتصرت المقاومة الفلسطينية بأطيافها المختلفة (حماس – الجهاد- الشعبية- آلوية الناصر صلاح الدين.. الخ)، بعد أن انتصر السيف على الدم، آن لنا أن نحدد سيناريوهات المستقبل، ومطالبه، لأن هذا الدم الغالى الذى أريق فى غزة لا ينبغى أن يذهب هباء أو أن يتم قصره على مجرد مشاريع إعمار وعدة ملايين من أهل النفط الذين أضاعوا بعلاقاتهم الدافئة مع أمريكا كرامة العرب، ثم أموالهم فى بورصات الغرب؛ إن الدم الفلسطينى أغلى كثيرا مما أقر قادة العرب فى قمتيهما فى الدوحة أو الكويت من مصالحات واهية ، أغلبها جاء فى تقديرنا على حساب الدم الفلسطينى وليس بسبب فاعلية أو قوة هذا الدم فى اقناع هؤلاء العرب أن يبدأو من جديد. إن أنتصار الدم الفلسطينى على السيف الصهيونى فى حرب ال 23 يوما، تتطلب اليوم عربيا العمل فى ثلاثة ملفات رئيسية ، إذا كنا نريد فعلا ألا يضيع هذا الدم الطاهر سدى: أولا: ملف (إسقاط المبادرة العربية السلامية) التى أطلقت فى القمة العربية عام 2002 فى بيروت وكان ملك السعودية الحالى هو الذى أطلقها وقت أن كان وليا للعهد وقيل وقتها أن هذا (المبادرة) استخدمت طيلة السنوات السبع الماضية كغطاء للتوسع الاستيطانى وللعدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين واللبنانيين، واستخدمت كأداة لاختراق وتمزيق الصف العربى وليست كأداة لاختراق الصف الآخر المحيط بالعدو الصهيونى كما ادعى سعود الفيصل وزير خارجية السعودية الذى رفض اسقاطها بل ورفض استخدام سلاح النفط العربى كأداة ضغط على إسرائيل أثناء عدوانها الأخير، وهى أمور تعودناها على أية حال من آل سعود منذ الأب المؤسس (عبد العزيز) وحتى الأحفاد من خلال سياساتهم وعلاقاتهم الخاصة والدافئة ،العلنية والسرية مع الأمريكان والصهاينة. إن الدم الفلسطينى المراق إذا كنا بالفعل كعرب نقدر قيمته وأهميته، ولا نتاجر به، ينبغى أن يكافئ بالإعلان الصريح، عمليا وليس فحسب نظريا باسقاط المبادرة العربية للسلام وايقاف كافة ما ترتب عليها من ممارسات وسياسات إعلامية وسياسية لم تفد سوى العدو الصهيونى ان (قمة الكويت) بالتفافها الخبيث على هذا المطلب، وقصر الأمر على مصالحات تليفزيونية بين حكام الاعتدال وحكام الممانعة فأن ذلك لن يفيد سوى العدو الصيونى، ان تلك القمة بعد اتخاذها قرارا صريحا باسقاط المبادرة، والاكتفاء بتصريح هلامى لملك السعودية بشأنها، يعد إهانة للدم الفلسطينى، مطلوب فورا التراجع عنه إذا كان هؤلاء القادة يقدرون بالفعل، وليس بالادعاء ، قيمة هذا الدم وحجم التضحيات الكبير الذى دفعه الشعب الفلسطينى فى هذه الحرب العدوانية. ثانيا: ملف التطبيع مع العدو الصهيونى: حيث من المعلوم الآن أن ثمة علاقات تطبيعية اقتصادية وسياسية – للأسف- قائمة اليوم على قدم وساق بين 12 دولة عربية والكيان الصهيونى، وليس فحسب بين الأردن ومصر وهذا الكيان، والمطلوب اليوم احتراما لهذا الدم الذى هزم السيف الإيقاف الفورى وليس المؤقت لهذا التطبيع الذى أضر ولا يزال يضر بالحق العربى فى فلسطين، إذ أنه يعد بمثابة مكافأة مجانية للعدو الصهيونى تعطى له دونما مقابل يقدم للشعب الفلسطينى فى ملفات صراعه الممتد مع العدو وفى مقدمتها ملفات (القدس – اللاجئين- الاستيطان – الدولة المستقلة المنشودة) إن قفز قمة الكويت على ما قررته قمة الدوحة من (تجميد) للمبادرة العربية (وتعليق) للتطبيع، وهى مصطلحات رغم ضعفها إلا أنها لم ترد فى قمة الكويت، وتم القفز عليها وتجاوزها عن عمد وكأن ذلك مقصودا، وتم إلهاء الجميع فى لقاءات المصالحة التليفزيونية ولا ندرى لماذا صمت قادة (الممانعة) عن عدم تضمين رفض التطبيع مع الكيان الصهيونى فى البيان الختامى لقمة الكويت، هل تم ابلاعهم الطعم عن طريق الدهاء السعودى للمصالحة، لكى ينسوا ما جاء فى قمتهم أم أنهم لم يكونوا بالأصل متمسكين بمطالبهم بشأن (المبادرة والتطبيع) إلا على سبيل المناورة مع أهل الاعتدال، أسئلة تحتاج إلى إجابة، والتى ايا ما كانت فإن المطلوب وفورا هو ايقاف هذا المسار العبثى للتطبيع مع العدو الصهيونى احتراما للدم الفلسطينى الذى أريق فى غزة وتقديرا لصمود شعبها وأهلها أمام الآلة الوحشية العسكرية للعدو الصهيونى التى للأسف تتحرك و تعمل بهذا النفظ والغاز العربى القادمين من بوابة هذا التطبيع اللعين!! ثالثا: ملف احتضان المقاومة: لا يستطيع أى مراقب محايد لما جرى فى حرب ال 23 يوما إلا أن يعلن – كما أعلن- قادة الكيان الصهيونى أنفسهم أن المقاومة الفلسطينية قد انتصرت على العدو الصهيونى، وأن الأخير لم يحقق أجندة مطالبه التى أعلنها منذ اليوم الأول لعدوانه (ايقاف الصواريخ- القضاء على حماس والجهاد وباقى قوى المقاومة الباسلة – حصار قطاع غزة وخنقه بالأيدى العربية وخلق حالة من عدم التعاطف معه) الشاهد أن كل ذلك لم يتم والعكس هو الذى جرى على الأرض، وانتصرت المقاومة وصمدت من خلال تضحيات بنيتها التحتية الحقيقية: الشعب الفلسطينى، والسؤال الذى تفرضه هذه النتائج الواضحة للحرب/ ألا يجدر بالعرب أن يبادروا اليوم بالاحتضان الحقيقى والواسع لهذه المقاومة بدلا من هذا النفور القائم منهم تجاهها وترحيبهم بالمقابل برئيس فاقد لشرعيته مثل محمود عباس وطاقمه الفاسد المفرط فى أبسط الحقوق الفلسطينية؟ ألم يحن الوقت كى يلتقى الرئيس مبارك وغيره من رؤساء العرب مباشرة بقادة حماس والجهاد الإسلامى وأن يعتبروا ذلك شرفا لهم قبل أن يكون شرفا لهذه المقاومة التى لم تكن تحمى فحسب غزة أو فلسطين بل كانت تحمى أمنهم القومى العربى!! إن المطلوب الآن عربيا، وتحديدا من تلك الدولة المسماة بدول الاعتدال العربى هو المبادرة باحتضان تلك المقاومة الفلسطينية واسقاط طريق أو خيار أبو مازن والمفاوضات والتسويات العبثية مع إسرائيل وهو الطريق أو الخيار الذى أوصلنا إلى مذابح غزة، وليست المقاومة كما ادعى (أبو الغيط) وغيره من صبية الإعلام الرسمى المصرى، إن الدم الفلسطينى الذكى والطاهر الذى أريق فى غزة، وذلك الصمود الاسطورى لشعبها ومقاومتها يتطلب فورا التمسك بتلك المقاومة واحتضانها والرجاء منها أن تغفر لتلك الأنظمة بإعلامها المريض خطاياهم فى حقها وأن يتم تزويدها علانية بالسلاح فهذا شرف وواجب، وأن يتم اسقاط الاتفاقات التى تحول دون ذلك، ان هذاهو اقل تقدير حقيقى يقدم للدم الذى هزم السيف. تلك هى الملفات العاجلة التى آن للعرب (سواء من دول الممانعة أو الاعتدال) أن يبادروا بفتحها وبقوة وإلا، فإن مصالحاتهم ومصافحاتهم وابتساماتهم أمام الفضائيات، وخطاباتهم ستصبح بلا قيمة حقيقية، ولن تنفع الناس فى فلسطين لأنها لن تمكث فى ارضهم: أرض الرباط والمقاومة.. والله أعلم.