بعد سنة على إطلاقها، ثريدز تسجل 175 مليون مستخدم نشط شهريا    سعر الذهب اليوم الخميس 4-7-2024 في الصاغة صباحًا والمعدن الأصفر عالميًا (مستهل التعاملات)    في فيديو مثير، ترامب يعلن انسحاب بايدن من سباق الرئاسة وينتقد خليفته    أحمد ياسر ريان: أنا أفضل من كهربا وزيزو    درجات الحرارة اليوم الخميس 04- 07- 2024 في مصر    أبرزها دواء الضغط.. زيادة أسعار 3 أدوية في الصيدليات    مواعيد مواجهات ربع نهائي أمم أوروبا يورو 2024 والقنوات الناقلة    جيش الاحتلال يعلن مقتل ضابط في كتيبة تابعة للواء جفعاتي خلال معارك شمال غزة    ناقد رياضي: متفائل بالتشكيل الوزاري وأدعم استمرارية أشرف صبحي في وزارة الرياضة    اشتباكات وقصف مدفعي إسرائيلي على مخيمي «الشابورة» و«دوار النجمة» في رفح الفلسطينية    موعد إجازة رأس السنة الهجرية واستطلاع هلال شهر المحرم    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: كريم عبد العزيز ل عمرو أديب أنا أهلاوي مجنون بحضور تركي آل الشيخ .. مفاجأة من وزير التموين للمواطنين بشأن الدعم على البطاقات التموينية    وزير السياحة والآثار: نستهدف الوصول ل 30 مليون سائح بحلول 2030    انهيار عقار مكون من 5 طوابق بالمنوفية، والعناية الإلهية تنقذ السكان من الموت    حرب شوارع، قوات أمن مركزي ودعم سريع للسيطرة على مشاجرة بالأسلحة النارية بين عائلتين بأسيوط    محافظ الدقهلية: العمل الميداني سر نجاح أي مسئول وقيادة.. ونعمل على حل مشاكل المواطنين ومحدوي الدخل    تراجع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الخميس 4 يوليو 2024    دراسة: أغلب الأوربيين يساورهم الشك في قدرة أوكرانيا على هزيمة روسيا    فرنسا تسحب نوع "كوكاكولا" بسبب مخاطر صحية: لا تشربوه    أول تعليق من توفيق عبدالحميد بعد تعرضه لوعكة صحية..ماذا قال؟    مع تصاعد الحرب في غزة ولبنان.. الشرق الأوسط يجلس على برميل بارود    6 نصائح للعناية بالأسنان والحفاظ عليها من التسوس    عبدالرحيم علي يهنئ المحافظين الجدد ونوابهم    مصرع طفلين شقيقين غرقا في كفر الشيخ    العثور على شاب مصاب بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    فولكس ڤاجن تقدم أقوى Golf R فى التاريخ    عمرو أديب الزمالك «نمبر وان».. وكريم عبدالعزيز يرد: أنا اهلاوي مجنون (فيديو)    حظك اليوم برج الثور الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا.. احذر ضغوط العمل    قصواء الخلالي: الحكومة الجديدة تضم خبرات دولية ونريد وزراء أصحاب فكر    ميمي جمال: أنا متصالحة مع شكلي وأرفض عمليات التجميل    حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا    ملف يلا كورة.. قائمة الأهلي.. تعثر الزمالك.. وموقف بيراميدز من المنتخب الأولمبي    دعاء استفتاح الصلاة.. «الإفتاء» توضح الحكم والصيغة    أول ظهور لحمادة هلال بعد أزمته الصحية    التشكيل الوزاري الجديد، مدبولي يعقد اليوم مؤتمرا صحفيا بالعاصمة الإدارية    لجنة تحقيق إسرائيلية: تفجير صور عام 1982 عملية انتحارية وليس حادثا عرضيا    عبد الرحيم علي يشكر الوزراء والمحافظين الذين غادروا مواقعهم    ميسي مهدد بالغياب عن مباراة الأرجنتين ضد الإكوادور في كوبا أمريكا 2024    وزراء خارجية روسيا والصين ومنغوليا يناقشون التعاون في المجالات الاقتصادية    أول رد سمي من موردن سبوت بشأن انتقال «نجويم» ل الزمالك    حر وقطع للكهرباء وأخطاء بالأسئلة.. دموع وشموع في امتحانات الثانوية!    ميدو: المنتخب الأولمبي «بيشحت» لاعبيه من الأندية    "مين كبر ناو".. شيكو يحتفل بعيد ميلاده    لميس حمدي مديرا لمستشفى طلخا المركزي    أبرز مشروعات وزير البترول الجديد بالقطاع الحكومي.. تعرف عليها    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    الكويت تعلن اعتقال مواطنين بتهمة الانضمام لتنظيم محظور    في أول تصريح صحفي له، محافظ بورسعيد الجديد يوجه رسالة إلى اللواء عادل الغضبان    حدث ليلًا| موعد إجازة رأس السنة الهجرية وحالة طقس الخميس    مفاجأة من وزير التموين بشأن الدعم على البطاقات التموينية    رئيس مجلس الوزراء يعلن موعد إجازة رأس السنة الهجرية    عمرو خليل: اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة على أساس الكفاءات والقدرة    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    اتحاد الصناعات: وزارة الصناعة تحتاج لنوعية كامل الوزير.. واختياره قائم على الكفاءة    والدة شاب تعدى عليه بلطجي بالمرج تكشف تفاصيل الحادث    أستاذ استثمار عن التغيير الوزاري: ليس كل من رحل عن منصبه مقصر أو سيئ    هاني سعيد: نحاول فصل لاعبي بيراميدز عن الأحداث.. وينقصنا عامل الجمهور    تعيين عبلة الألفي نائبة لوزير الصحة والسكان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هبة زكريا تكبل أيدي الانقلاب.. وتروي تفاصيل أحداث مسجد الفتح
نشر في الشعب يوم 20 - 08 - 2013

نجحت الإعلامية هبة زكريا في تكبيل أيدي الانقلاب عن تنفيذ مخطط حرق مسجد الفتح وقتل من فيه، حيث نجحت وشيماء عوض في فضح الأكاذيب بأن المحاصرين معهم سلاح أو أنهم معتصمين بالمسجد، فأوضحوا الصورة علي حقيقتها بأنهم محاصرين، ولا يريدون سوي الخروج الآمن الذي يضمن عليهم حياتهم وكرامتهم.
وقد قضي الجميع – خاصة من أهالي المحاصرين- ليلة السبت الماضي في بالغ القلق والترقب؛ لما قد يلاقيه ذويهم وعدم معرفة ماذا سيكون مصيرهم في الدقائق المقبلة. ومع ذلك كانت هناك نماذج مشرفة من الثبات والصمود، ومن بينهم أهل الصحفية هبة زكريا، والتي أكدت والدتها في اتصال لنا معها في تلك الأوقات الحرجة :"أنها "هبة" وقد وهبتها لله"، وهو بالطبع أمر بالغ الشدة والألم علي قلوب الأمهات، خاصة وهي تشاهد بالبث المباشر، واحدي المحاصرات مع ابنتها تكتب لها اسمها علي جسدها، حتي إذا تمكنت ميليشيات الانقلاب من قتلها، يعثر أهلها عليها.
في شهادتها علي تلك الأحداث، روت "هبة زكريا" الصحفية، ومراسلة وكالة أنباء الأناضول، تفاصيل تلك الساعات، وما قد عاينته فيها بالضبط فيها من خطوب وصعاب.
مسرح الأحداث
بداية وحول سبب وجودها في مسجد الفتح يومها، تقول "هبة": كنت أقوم بتغطية مسيرة مدينة نصر، والتي خرجت من مسجد السلام في إطار تشييع عدد من الجنازات من بينهم جنازة "أسماء" نجلة الدكتور محمد البلتاجي القيادي بحزب الحرية والعدالة، وهي المسيرة التي كانت وجهتها ناحية رمسيس في إطار أحداث جمعة الغضب الثانية.
وتضيف هبة:" وعندما وصلنا بالقرب من مسجد التوحيد وذلك بعد وقت طويل لاضطرارنا السير في طرق متعددة لأن الطريق المباشر قطعه الجيش، وعند وصولنا وجدنا الناس تقول أن "التحالف الوطني لدعم الشرعية" اتخذ قرارا بتوقف الفعاليات عند هذا الحد، والانصراف من حدود المكان، ولذا كان لابد من الوصول لمسجد الفتح حتي نسمع البيان من التحالف بأنفسنا- خاصة أني في المكان للتغطية- وعند حدود المسجد وقريبا منه كان الميدان شبه خالٍ من كافة المتظاهرين، ومع ذلك كان هناك صوت مدوي لإطلاق الرصاص من كل جانب، في حين اصطف كثيرون في حدود محيط المسجد، مع وجود مدرعات جيش وشرطة بالخارج في إطار المكان".
وتابعت : "كنت حريصة علي دخول المسجد لأن د.صلاح سلطان-عضو التحالف الوطني لدعم الشرعية- كان يتحدث في حين لم أعرف بالضبط ماذا يقول، ولذا اقتربت حتي سمعت بنفسي قرار التحالف بإنهاء الفعاليات وردود أفعال المحتشدين في محيط المسجد حول ذلك، ورغبتهم في الاستمرار والمتابعة، وحين دخلت المسجد وجدت المستشفي الميداني في الصالة الأولي له، وقد كانت بسيطة للغاية وبلا إمكانيات تذكر تقريبا، بخلاف بعض أدوات التضميد البدائية، وبضع كراسي لاستراحة المصابين، وللأسف أيضا لم يكن بها أطباء أو مسعفين كافيين لمواجهة كثرة الإصابات، حتي أن البعض سألني إذا كنت أستطيع أن أساعد".
وأكملت هبة شهادتها :" بعد دخولي بوقت قليل وبعد أن كان دوي ضرب النار في الميدان فقط، انتقل الرصاص إلي محيط المسجد، في الحديقة الملحقة وعند الأبواب، وعندها اضطر جميع من كان بساحة المسجد -وعلي سلالمه- أن يدخلوا صحن المسجد نفسه ليحتموا فيه من طلقات الرصاص، وفي وقت قصير وبين نصف ساعة إلي ساعة فقط من هذا المشهد بدأ المصابون يسقطون سريعا، كما ارتقي خمسة شهداء، ومن بينهم طفل صغير كانت أحشاؤه جميعا للخارج من جراء القصف، بخلاف ما يقرب من 15 مصاب تقريبا، وبعضها إصابات خطيرة، وهذا فقط منذ أن بدأ الضرب داخل محيط المسجد نفسه، بخلاف الشهداء الذين ارتقوا طيلة اليوم.
وقالت هبة :" لم يكن داخل المسجد أي تنظيم أو قدرة علي استيعاب الموقف، فالجميع بدأ في الهروع إليه، متظاهرين، باعة جائلين، وحتي المصابين، وذوي الإصابات الخطيرة، وما كان معدا كي يعمل كمستشفي ميداني طيلة اليوم لم يستوعب ما يحدث، ولم يترك له المتدافعون فرصة إخلاء مساحة أو تطويقها لتلقي المصابين وإسعافهم. أو حتي للإحسان للشهداء الذين جاء بعضهم في حالة مزرية بعضهم اشلاؤه خرجت عن جسده، والبعض الآخر مخه أيضا خرج عن رأسه".
وأضافت:"حينها امتلأت ساحة المسجد وصحنه الأول بالدماء الكثيفة،والتي كنا نخوض فيها رغما عنا، وهنا-أتعجب-والحديث ل"هبة": ممن كانوا يقولون لنا عقب الاقتحام في اليوم الثاني- كيف تدخلون المسجد بالأحذية!!، وكأن الدماء وحدها وأشلاء الجثامين، ليس هذا من قبيل تدنيس المسجد في مقابل أحذية فارين مطاردين يخشون الرصاص من كل اتجاه.
وتستطرد "هبة" بعد برهة وجد من بالمسجد أنهم اصبحوا في مشكلة حقيقة فهم لا يستطيعون الخروج، وبدا الحصار علينا بشكل فعلي، لأن ضرب الرصاص كان مستمرا وبكثافة، ولا نستطيع الخروج إليه، ولذا فقد أغلقنا الأبواب، ووضعنا خلفها كل الأثاث المتاح في المسجد، وانشغلنا قليلا بالمصابين والشهداء، في حين أخذ الشباب في التأكد من غلق كافة الأبواب والنوافذ.
سيطرة الجيش
وتكمل "هبة" شهادتها علي ما حدث من حصار مسجد الفتح: "بعد حوالي ساعتين من هذا الوضع وبعد أن هدأ ضرب النار، طللنا من النوافذ فإذا بالجيش قد أحكم الحصار حول المسجد، وفي حدود الساعة الواحدة والنصف تقريبا من صباح السبت، عرض ضباط الجيش علي المحاصرين عن طريق الإعلامي شريف منصور الخروج الآمن للنساء والأطفال في عربات خاصة للجيش، وهنا رفض النساء بقوة هذا العرض، لأنه لم يكن هناك ما يضمن للنساء سلامتهن إذا خرجن في هذا التوقيت وأثناء حظر التجوال علي وعد لا يوجد ما يضمنه.
وتضيف : بعد ذلك فوجئنا بجموع البلطجية تملأ الساحة التي هي في الأساس تحت حصار الجيش، مما يعني الشك في الآلية التي دخل بها هؤلاء لمحيط المكان. ومنذ ذلك والبلطجية بدءوا في تكسير زجاج الأبواب والنوافذ، والصعود عليها، والتحدث إلينا في تهديد ووعيد، بالقتل أو الذبح، مع سيل عارم من الألفاظ النابية، وهو الأمر الذي استمر طويلا وعلي فترات متقطعة، مشمولا بالدق علي الأواب والنوافذ لإلقاء الرعب في قلوبنا، وهذا حتي قبيل الفجر بنصف ساعة تقريبا، حيث توالت في محيط المكان قوات الأمن المركزي مع البلطجية، ولم يعد الجيش ظاهرا في محيط الأحداث إلا قليلا، في حين كانت الغلبة للأمن المركزي والبلطجية، وهنا قال أحد ضباط الأمن المركزي إذا لم تخرجوا في غضون ربع ساعة فسوف نقتحم المسجد، أو نترك عليكم – من يسمونهم الأهالي- والبلطجية- ليحرقوكم ويحرقوا المسجد، وبالفعل وبعد ربع ساعة بدأ البلطجية في اقتحام المسجد، تحت غطاء كثيف من الغاز المسيل للدموع، وقبل ذلك بقليل كانت سيارات الإسعاف قد جاءت لتأخذ جثامين الشهداء، والمصابين إصابات خطيرة، وذلك ما عدا جثة واحدة، ظلت معنا بلا مبرر واضح لذلك، بخلاف المصابين بإصابات أقل خطورة. وبعد محاولة الاقتحام تلك اضطررنا للتراجع إلي صحن المسجد الثاني فقط، واحتل الصحن الأول البلطجية، ولم يعد يفصل بيننا وبينهم سوي بابين خشبيين. واستمرت -منذ ذلك وحتي طلوع الشمس- الحرب النفسية من البلطجية، تتمثل في المحاولة المستمرة لاقتحام الأبواب، والألفاظ النابية والتهديدات،وبالفعل نجحوا في تكسير جانبا خشبيا من إحدي البوابات.
شهيدة الحصار
وتقول "هبة": بعد الفجر بقليل ونتيجة لاختناقها بالدخان الكثيف للغاز المسيل للدموع، استشهدت "هبة أحمد عبد الفتاح"-من محافظة البحيرة 36 عاما- سقطت فجأة، وحاول الأطباء الموجودون اسعافها لما يقرب من ساعة ونصف أو ساعتين، ولكن مع قلة الإمكانيات، والأدوية، حتي أن الأطباء طلبوا من محتجزيهم دواء معينا بالحقن، ولكن قوات الحصار لم يأتوا به، وبالطبع لم يكن متاحا أجهزة الصدمات القلبية أو غيرها من الأجهزة، وهذا كله بالطبع قد أودي بحياتها.
وتشير إلى أنه بعد شروق الشمس بقليل سمعنا أن عرض التفاوض لخروج النساء تم تجديده ثانية، وهنا استجاب البعض، ولكن عند خروجهن طللنا عليهن من النوافذ فوجدناهن يتعرضن لتفتيش بالغ مهين، في حين أننا لم نعلم بالضبط إلي أين ذهبن.
أما رفضنا الخروج فقد كان بشروط حتي نضمن أن نذهب لبيوت أهلنا لا إلي المعتقلات، وهو ما علمنا أنه حدث بالفعل للمحاصرات داخل مسجد التوحيد في نفس الوقت، حيث قبلت النساء هناك الخروج الذي عرضه الجيش، في حين أنهن خرجن علي المعتقلات، ومن بينهن أخت إحدي الفتيات التي كانت محتجزة معنا، ولذا فقد طالب المحاصرين بوجود شخصيات يرضي بها كافة الأطراف تكون موجودة حين خروجنا، بخلاف أجهزة إعلامية لتسجل وتؤكد للعالم كله خلو المكان من الأسلحة ومن أية ادعاءات أخري. وكان مما بدا أن تلك المقترحات قد تم رفضها.
لحظات الاقتحام
وعن لحظات الاقتحام تقول هبة : بدأت قوات الشرطة باقتحام المسجد في حدود الساعة الواحدة والنصف تقريبا، حيث بدأت في إطلاق قنابل الغاز بكثافة، وقنابل الصوت، والطلقات النارية، حتي تم حصارنا في غرفة إدارية ملحقة، والرصاص يأتي علينا من نوافذها المرتفعة، فوق الرؤوس، حتي أن المحاصرين لم يكونوا يستطيعوا الوقوف ,وإنما ظللنا جالسين علي الأرض حتي لا يطالنا الرصاص الكثيف.
وتضيف : قد استمر ضرب الرصاص فوق الرؤوس من بداية الاقتحام حتي خروجنا تماما. وبالرغم من محاولة –أمن الانقلاب- اقناع المحاصرين بأنه يخشي عليهم من أسماهم-الأهالي- وفي الحقيقة هم "بلطجية"- إلا أنه من الواضح كذب ذلك الزعم علي الإطلاق، لأن الجيش والشرطة كانت مسيطرة علي ميدان رمسيس فمن أين أتي هؤلاء الناس، أيضا من سيخرج من بيته في ظل حظر التجوال لحصار بعض الناس في مسجد، كذلك كيف لكل تلك القوات ألا تتمكن من السيطرة علي بعض البلطجية أو –الأهالي- علي حد زعمهم رغم آلتهم الحربية الباطشة التي فضت اعتصامات رابعة والنهضة في بضع ساعات.
وتتابع "هبة" أنه ورغم محاولة –ميليشيات الانقلاب –تلك وقت الفض بأنهن رفاق بنا ويتعاملون بالذوق خاصة مع النساء وكبار السن، فهؤلاء كبار السن والضعفاء من الرجال هم أنفسهم من شاهدناهم مضروبين معذبين في معسكر طرة بعد أن ذهبنا إليه.
وبالعودة للحظة الاقتحام والتمهيد لاعتقالنا، فقد آثر المحتجزون رغم جلوسهم الاضطراري علي الأرض، ورغم المحاولات من قبل-قوات الانقلاب- بإظهارهم بمظهر الضعفاء الأسري المقبوض عليه، حيث أخذوا في تصوير المحتجزين وإلقاء بعض الطعام القليل عليهم من النوافذ وكأنهم في معسكر للاجئين، ولذا فقد آثروا الكرامة ولم يلتقفوا من هذا شيئا بل أعلنوا الاضراب عن الطعام، كما آثروا الظهور في التصوير بشكل يوحي بالعزة والقوة، مع إعطاء العلامات الموحية بذلك، والتكبير بتكبيرات العيد وبالهتاف المضاد للسيسي وللانقلاب، حتي يرفعوا من روح الجميع المعنوية، وهو ما حدث بالفعل حيث تبع الرجال مبادرات النساء تلك، واستجابوا لها وأخذوا في الهتاف بقوة، وبرفض الطعام الملقي عليهم. وربما كان سبب أن المبادرات من هذا النوع تأتي من النساء والفتيات، هو علم الرجال بأنه من ينبث ببنت شفة منهم سوف يلقي أشد العقاب، في حين أن النساء كان بداخلهم يقين باستبعاد أن تمتد أي يد إليهن بسوء.
وفي تلك الأثناء التي طالت بلا مبرر واضح، حتي رتبنا في الأمر، وجدنا بعض الضباط الكبار يتجولون في أنحاء المسجد المختلفة، وبدا لنا أنهم يدبرون أمرا للإيهام بأن المحاصرين كانوا يحملون أسلحة وأنهم كانوا معتصمين بالمسجد وليسوا محاصرين به.
وعقب ذلك شاهدت بعيني- والحديث ل"هبة"، أحد الضباط يقوم بتوزيع حبوب لا أعلم ما هي علي المجندين، وهو الأمر الذي أثار الريبة بالطبع بشكل ملحوظ.
ورغم أنه وحتي تلك اللحظة قد استمرت فكرة خروج النساء فقط، إلا أن المحاصرات ظللن علي ثباتهن ورفضهن لذلك مطلقا، حتي أن بعض الأهل كانوا يتوافدون علي المسجد من الخارج لينادوا علي بناتهن، اللاتي رفضن بدورهن الخروج إليهم مطلقا حتي يخرج الجميع سويا. وهو مع غيره من المواقف قد سجل بطولات نادرة للنساء في تلك المحنة، خاصة في ثباتهن وصمودهن طيلة تلك الفترة رغم ما بها من ضغط عصبي ونفسي وجسدي شديد.
عقب ذلك وقبل الخروج أيضا تم تفريق النساء عن الرجال داخل المسجد وتم تفتيش حقائبهن جميعها، وقامت قوات الانقلاب بمحاصرة الرجال بكاردون كبير، وعلمنا بعد ذلك أن الرجال جميعهم قد تم ضربهم داخل المسجد.
وفي حين استمرت تهديدات البلطجية من النوافذ إلا أن قوات الانقلاب قد اكتفت بالقول لهم:"يا رجالة وسعوا من هنا" في رد الفعل من قبلهم الذين يزعمون فيه أنهم يقدمون للمحتجزين الحماية والأمن.
وحين خروجنا وسط صفين من الجنود، إلا أن البلطجية كانوا كذلك بالمرصاد بلا دفع أو مقاومة من قوات الانقلاب، حيث أخذ البلطجية في ضربنا-نحن النساء- بشدة وغلظة، وبجنازير أو عصي أو حجارة وغيرها من الأشياء، في حين ساد المكان إطلاق نار كثيف جدا لكي نضطر أن نسير محنيين طوال الطريق، عن نفسي-هبة- حين رفضت تلك الإهانة ورفعت رأسي، عالجني أحد البلطجية بضربة يد قاسية في عيني. كل ذلك ومن المفترض أن الأمن المركزي كان حائلا بيننا وبين البلطجية، بل علي العكس بعض هؤلاء الجنود حاول التحرش بالنساء في ادعاء الانقاذ لهن.
عربة الترحيلات
تتابع –هبة- عندما وصلنا إلي الخارج كانت سيارة الترحيلات بانتظارنا، فانتظرت للنهاية ومعي سيدة أخري، نساعد بقية النساء في الصعود، وحين هممنا نحن بالصعود انطلقت السيارة مما أدي إلي سقوطنا من عليها وهي السيارة الضخمة المرتفعة، بعدها ساعدت السيدة علي الصعود مرة أخري، وحين بدأت أنا في الصعود انطلقت السيارة أيضا، فسقطت علي الأرض، وحينها تكالب عليّ البلطجية بالضرب وأنا ملقاة علي الأرض، واختطفوا حقيبة يدي بطريقة مريبة لأني كنت قد أحكمت وثاقها عليّ "كروس حول الرقبة"، وهي من أقمشة "الجينز" التي لا يفلح معها الشد في تمزيقها، مما يوحي بأن أحدهم قام بقصها، كما حاولوا نزع حجابي، ولكنهم لم يستطيعوا.
وفي موقف الحقيبة هذا تعجبت حين تذكرت قول الضابط حين خروجنا :"إذا حاول أحدهم جذب حقيبة أحداكن فاتركوها، فما يهمنا هو حمايتكن". بعدها بفترة جاء الجنود وكأنهم يحمونني من البلطجية، وساعدوني ومعهم رجل فاضل بزي مدني جاء ليساعدني، حتي ركبت سيارة الترحيلات.
وداخل العربة كان العدد كبيرا للغاية، وكان من ضمن المتواجدين معنا الإعلامي شريف منصور، ومراسل القناة التركية، وإمام مسجد الفتح، وثلاثة فتيات أخوات أيرلنديات من أصل مصري، وأيضا د.حنان أمين عضو مجلس الشعب السابق، وأستاذ طب الأطفال. بخلاف فتاة في الثالثة عشر من عمرها،وآخرون كُثر.
وهنا بدأت رحلة "التكدير" داخل السيارة، ومن ذلك السير بطريقة ملتوية تضر بالحشد الراكب، ويسقط بعضنا علي بعض، فضلا عن السير في مسافة طويلة في الحر الشديد، ثم الوقوف مدة طويلة في الطريق بحجة أن السيارة بها عطل، ومع ذلك لم يفتح لنا الباب حتي يتجدد الهواء في السيارة حتي أن بعض الناس قد بدأ يشعر بالاختناق، خاصة أن بينهم المريض بالسكر وبالأزمات القلبية، فضلا عن أنهم في شدة الوهن من عدم الطعام مدة 24 ساعة تقريبا بخلاف الضغط النفسي الشديد، ولم يكن مع الجميع زجاجة مياه واحدة لري العطش، ولم نجد سوي زجاجة "جلوكوز" كانت مع إحدي الطبيبات، وأخذ كل منا يرتشف منها رشفة كي يستطيع المواصلة. وهي المرة الأولي التي أتناول فيها "جلوكوز" عن طريق الشرب، وأظن الكثيرين مثلي. ثم أُنزلنا ووُضعنا في سيارات أخري بعد فترة طويلة. ومع هذا كله فمعنويات الجميع كانت مرتفعة ومشغولة داخل سيارة الترحيلات بالذكر والتسبيح.
معسكر طرة
بعد مدة وصلنا معسكر الأمن المركزي بطرة، وعندها لم نعد نعلم شيئا عن الرجال الذين كانوا معنا، وهنا بدأت بعضا من الأخلاق السيئة في الألفاظ والمعاملة تظهر، ومن ذلك التهديد إذا لم نقم جميعا بتسليم أي أجهزة لوحية أو هواتف معنا، وإلا من وجدنا معه شيئا في التفتيش-والكلام لأحد الضباط-:"نزعلها جامد، وانتوا عارفين نزعلها يعني ايه"، وجاء لنا الجندي بالمياه لنشرب من "دلو"، أيضا إغلاظ القول لمن لا تستطيع الجلوس علي الأرض. وبعد ذلك تم تسليمنا للمعسكر من الداخل، وهناك رأينا بعضا من الرجال الذين كانوا محتجزين معنا وخرجوا في الدفعة التي سبقتنا، وقد نالهم الضرب والتعذيب علي أشده. وفي غرفة مجاورة للتي أجلوسنا فيها، كان هناك مجموعة أخري من الرجال بدا أن هؤلاء ذوي الإصابات الخطيرة، بعضهم شج واضح بالرأس، وآخر كسر في الرباط الصلبيبي، وغيرها من الإصابات.
وفي الغرفة التي جلسنا بها، بعد أن تعرضنا للتحقيق الأولي والذي شمل البيانات الأساسية، كانت الغرفة التي قيل أنها للعساكر يعلو أرضيتها البلاط الأتربة من كل جانب، فضلا عن بقايا أطعمة علي الأرض، وبقايا زجاج مهشم. حتي كدنا نجد صعوبة في الجلوس علي الأرض. وكانت معنا سيدة كُسرت قدمها أيضا وهي تحاول ركوب سيارة الترحيلات، فوضعوا لها قدمها في الجبس.
وحين عرضوا علينا أن نذهب لدورات المياه، فقد كانت شيئا لا يتحمله بشر، فضلا عن عدم صلاحيتها للاستخدام ليس فقط لعدم النظافة، وإنما البعض منها بلا أبواب، أو بلا مياه، أو بلا صنبور..وهكذا. أما الطعام فقد كان خبزا ببعض الجبن.
بعدها تعرضنا للتحقيق مرة ثانية وهو ما اقتصر أيضا علي أخذ البيانات، ثم ما لبثنا أن ذهبنا للغرفة لكي ننام، فلم نتمكن، فقد نادوا علينا ثانية، للإفراج عنا، ولكنهم أخذوا في "تكدير" العد، فبحجة أن يعدنا ما يقرب من ساعة ونصف، يعيد ذلك أكثر من مرة، ومن غرفة لغرفة. وفي هذه الأثناء كان من أمامنا الرجال يتعرضون لتحقيق حقيقي، ولكن بعد أن نراهم يذهبوا للتعذيب ثم يأتوا وعليهم آثاره، وقواهم منهكة منه تماما. ومن اللفتات المؤلمة في ذلك أن من بين النساء التي كانت معنا، من كانت تري أخيها أو زوجها أو ابنها وسط هؤلاء الرجال المعذبون، وقلوبهن كادت تنفطر عليهم، في حين لم تملك أن تقدم لهم شيئا. وحين انصرافنا، وعندما هممنا باستلام متعلقاتنا، لم نجد خمسة من الهواتف، وهي من الأنواع مرتفعة الثمن، من بينهم هاتفي الشخصي، وحين شكونا ذلك، استنتج ضباط المعسكر أن ضباط المباحث هم الذين أخذوا تلك الهواتف، وأكدوا أنهم سيسألون لنا عليها لاحقا، في حين شددوا علي أنه من قبلهم كل ما استلموه موجود ولم يفقد.
ثم خرجنا في صحبة ثلاثة من مشايخ الأزهر حتي نذهب معهم للجامع الأزهر، وننتظر هناك حتي انتهاء موعد حظر التجول، فيأتي أهلنا لاستلامنا، وهذا بالفعل ما تم.
وما علمناه لاحقا –والحديث ل"هبة"-أن مشايخ الأزهر الثلاثة كانوا معنا من قبل ذلك ومن قبل اقتحام المسجد، حيث اتفقوا مع قوات الانقلاب بعدم الاقتحام وبخروج الجميع بأمان ودون اعتقال أو التعرض لأحد، حتي من الرجال، إلا من كانت عليه قضايا من قبل، وهو ما لم يحدث تماما وتم النكوص عن هذا التعهد بالكلية، فبمجرد دخول المشايخ المسجد تم الاقتحام، أيضا تعرض الرجال لهذا القدر الشديد من التعذيب والسحل، حتي رآهم مشايخ الأزهر داخل المعسكر والدماء قد أغرقت ملابسهم. وأعتقد أن ضمير هؤلاء المشايخ لابد أن يجعلهم يفضحون هذا الأمر، خاصة أنهم دخلوا المسجد بالفعل ورأوا أنه لا وجود لأسلحة تماما فيه، وشهدوا بأعينهم كذب الانقلابيين وقادة أمنهم.علي الأقل فهذا الفضح قد يحافظ علي حياة من جاءوا هم خصيصا وتعهدوا بالحفاظ علي حياتهم.
أهم الملامح
ما شهدته في هذا الإطار وعن قرب-تتابع هبة- هو وجود آيات من الإيثار من قبل الفتيات والسيدات بشكل كبير، فضلا عن الصمود والثبات الكبير، خاصة حين التعرض لمواقف منها الإغماء أو الدوار للبعض نتيجة ضرب البلطجية أثناء الخروج، وحينها تبادر الجميع بالمساندة لمن تعرضت لأذي حتي العبور بها وسط هؤلاء البلطجية، فضلا عن الإبتسامة الدائمة ونظرة التحدي. ورغم الشائعات التي كانت تروج ونسمع بها-عن طريق القنوات الفضائية التي كانت تتصل بنا- مثل حرق المسجد بما كان يمهد لإحراقه بالفعل، أو بالزعم بقبول المحاصرات لمبادرة الخروج التي كان يعرضها الجيش، إلا أنه من فضل الله لم تتسرب تلك المخاوف إلي نفوسنا ، بل علي العكس تمكنا من دحضها بالحجة وبالدليل أمام الرأي العام عبر القنوات الإعلامية المختلفة. أما أصعب المواقف فكان عجزنا عن إسعاف الأخت التي ارتقت روحها من أثر الاختناق بالغاز، وظللنا نري بأعيننا روحها وهي تفيض إلي خالقها، وحينها أمسكت إحدي الموجودات بالهاتف واتصلت بخطيبها، وقالت له:"هبة-الفتاة التي استشهدت- كانت بتقول إنك ستصبح زوجها، لكن هبة ماتت يا أحمد".
ومع كل ذلك –تضيف هبة زكريا- أن الجميع كان يشعر بالفخر لدحض ذلك الانقلاب عن طريق الإعلام، وغل أيديه عن إنفاذ مخططه عن طريق كشف الحقيقة أمام العالم كله، وهو ما جعله يهدد الإعلاميين بالاسم، ويبحث عن "هبة زكريا" و"شيماء عوض" علي وجه الخصوص، فضلا عن تعرض الإعلامي "شريف منصور" للتعذيب والتهديد بالقتل، وتصويب فوهة بندقية الليزر عليه لإخافته. كل ذلك يعني القدر الذي حققه لهم الإعلام من الذعر.
تتابع "هبة"- أننا كنا بالضبط 33 سيدة، في ذلك الفوج الأخير الذي خرج من المسجد في النهاية، بخلاف الرجال، وعندما وصلنا للجامع الأزهر كنا 27 فقط، لأن ثلاثة تسلمهم قريب لهم ضابط شرطة، لمعرفته بضابط هناك بمعسكر الأمن المركزي، ويبقي حتي الآن الثلاثة فتيات الأيرلنديات من أصل مصري، فلم يخرجوا معنا، ولا نعلم أين ذهبوا، ولذا فالجميع يحمل قوات أمن الانقلاب المسئولية عن هؤلاء الفتيات الثلاثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.