كانت من أسباب ثورة 25 يناير العظيمة و إنطلاقتها من الشعب المصرى بجميع أطيافه يطالبون بسقوط النظام و رموز الفساد فى الوطن ، و من وقتها و لم يهدأ لأحد بال فى النداء بسقوط و محاربة الفساد ، و لعل الفساد لا ينشأ من تلقاء نفسه ، إذ يوجد حيثما وجد المفسدين ، فالفساد بطبيعته مجموعة من الظروف البيئية غير السوية التى تسهم فى نمو المفسدين والفاسدين ، فحينما تغيب الرقابة عن الأداء يكثر الفاسدون ، و حينما توكل الرقابة للفاسدين تزداد سطوة المفسدون ، و يصبحون هم من يتبنى تأصيل و تنظيم و قيادة الفساد و إتساع رقعته . و الفاسدون قد يكونوا أقل ضررا من المفسدين لأنهم مرضى قد لا يؤذون الناس إلا حينما يلتصقون بهم ، أما و هم بعيدون فلا يؤذون إلا أنفسهم لأن أخلاقهم تدمرهم وحدهم ، و لا يتضرر بهلاكهم إلا من يمتون إليهم بالقرابة ، و هنا نجد أن الفاسد بحاجة إلى العلاج أو العزل عن المجتمع ، أما المفسد فهو بحاجة إلى بتر نهائى ، و من الجدير بالذكر بأن الفاسد مكشوف لأن سلوكه الغير سوى و السئ ظاهر للجميع ، بينما المفسدون فقد جمعوا بين الفساد و الإفساد ، و هؤلاء هم الخطر الذى يأتى على الاخضر و اليابس ، و الذى لا بد من مقاومته بكل الوسائل ، فهم سرطان التنمية ، لأنهم لا يكتفون بالعيش فى الفساد ولكنهم ينقلون فسادهم إلى كل مكان يتواجدون فيه و يوظفون كل أسلحتهم و إمكانياتهم لتجنيد الضعفاء للترويج لهم ومساندتهم ، المفسدون فى الأرض لا يحبون الفساد لذاته ، و لا يقتنعون بحياتهم فيه و الاستمتاع بعفونته ، بل إنهم يتنفسونه و يزفرون أنفاسهم المسمومه به فى أوساط الناس لتدمير المجتمع بكل ما فيه من منجزات ، فتراهم يتلونون بلون الموقف و يغيرون جلودهم حسب البيئة التى يتواجدون فيها . إن الفساد قد إستطاعت البيروقراطية أن تبقى عليه نهجا و مذهبا بل و أصبح نمطا معيشيا نحيا فيه ، لأنه حين يعم الفساد لا يعود بوسع أحد التحدث عنه أو الإعتراض عليه ، طالما أن دائرته اتسعت فشملت شبكة واسعة من مصلحتها غض النظر أو السكوت عما يدور ، إذ يلجأ المفسدون إلى إشاعة نهجهم الخاص على أوسع نطاق ممكن بين ضعاف النفوس ، بحيث لا يعود بوسع أى أحد الأعتراض أو الاحتجاج ضده ، إعمالا بالقاعدة القائلة – أنه إذا اراد الفاسد حماية نفسه فإن عليه أن يفسد سواه أيضا - فما أن يعم الفساد و يتورط فيه الكل حتى تتكون آليه تضامنية تلقائية بين المفسدين ويتستر فيها الكل على الكل ، فلا ترى بعدها من هم عناصر الفساد أو الفساد نفسه . و من الجدير بالذكر أن الفساد أصبح من أقوى مؤسسة إن جاز لى أن أعبر عنه بمؤسسة الفساد ، لقد وصل لكافة المجالات و النواحى فى المجتمع لدرجة يطلق عليه ما يعرف بالفساد المتبجح لوضوحة وضوح الشمس ، هذا لأن فساد الفاسد لا يقتصر على ذاته أو من هم فى دائرته ، إنه فاسد مجهز دوماً ليكون على استعداد أن يتحالف مع الشيطان ليدمر من يسعى إلى النيل منه و من إمبراطورية فساده . أما الفاسد بالرغم كونه لص يعرف كيف يجعل من الآخرين الشرفاء لصوصا فى أحاديثه وحتى و لو بالتزوير على الورق الرسمى ، و يظهر فى لباس الوطنية و الشرف و المسئولية ، خاصة بعدما يوظف جوقة من الفاسدين الذين يرضعون من ثديي فساده ، فيصبح حينها أشرف الشرفاء ، و لا مانع لديه من أن يحاول من خلال امتيازاته و سلطاته أن يشترى كل ما هب و دب ليعملوا رصيداً يضخ فى صالحه ولا مانع لديه أن يشترى مستلزمات التدين و أن يطبع على جبهته ختماً ، يبدو بمظهر أهل الدين ، حتى لا يتم التعرف عليه عندما نقرر محاربة هذا الفاسد الأفاق . هذا وعندما تأتى بوادر التغيير تحدث حالة من الفزع والهلع بين صفوف الفاسدين و المفسدين و يعدون العدة ليسرعوا بالهرب ، أو إتباع الوسائل الملتوية بحيث أن تكون أصواتهم هي أعلى الأصوات المطالبة بالتغيير رغم أن صورهم و قصصهم معروفة و واضحة ومستقرة فى مخيلة و وجدان كل مواطن فلم يعودوا أشباحا، و إن الحرب عليهم ليست بالسهلة أو الهينة كما يظن البعض ، أن المعركة على الفساد تحتاج بتضحيات و فهم و نعلم أنهم ليسوا شخصيات وهمية أو خرافية أنهم يعيشون بيننا ، و يمتلكون لساناً أفصح من ألسنتنا ، و لديهم لغة مقنعة و بإمكانهم تخريب بلدا بكاملها ، ومن ثم مطلوب من كل مسئول فى موقع عمله أن يكون على قدر من الوعى و الفهم و الادراك لطبيعة الفساد و المفسدين ، ربما يأتى حين و تنجح محاولتنا للقضاء على هذا اللعين المسمى بالفساد و المفسدين . [email protected]