أبكي ويبكي معي كل عاقل في مصر علي حال هذا البلد الذي نراه ينهار أمام أعيننا ونقف مكتوفي الأيدي ولا نستطيع أن نفعل أي شيء ينتشله من هذه المأساة التي لم يعرف مثيلاً لها في تاريخه. وبكائي ليس بكاء الدموع التي تذرفها العيون. فما أسهل أن تنهمر هذه الدموع ليستريح الإنسان بعدها نفسيا.. ولكنه بكاء القلب والحسرة علي انهيار بلد عاش في وئام آلاف السنين. وللأسف الشديد بدأ أبناؤه يهدمونه بأيديهم في وقت هو أحوج ما يكون فيه إلي التوحد والتآلف. لم نهنأ بنجاح الثورة التي اقتلعت النظام الفاسد.. كنا نظن أن الأمر قد انتهي وأن مصر دخلت عهداً جديداً تسترد فيه نفسها ويسترد شعبها كرامته وحريته.. ولكن يبدو أننا كنا مغرقين في الخيال.. وأن النظام باق بالمؤامرات والدسائس والفتن من خلال أذناب له يعيثون في ربوع الوطن فساداً بأموال سبق أن نهبوها بغير حق. ويستأجرون بها عملاء باعوا ضمائرهم للشيطان. أخذنا موضوع "اللهو الخفي" بسخرية واستهزاء. ولم نفطن إلي أنه موجود فعلاً بيننا يلازمنا كما يلازم الشيطان الإنسان ويغويه لارتكاب كل الشرور والموبقات. "اللهو الخفي" موجود علي وجه التأكيد.. وإلا ما الذي حول مباراة كرة قدم انتصر فيها صاحب الأرض علي المنافس اللدود إلي مجزرة تسيل فيها الدماء أنهاراً.. أهل بورسعيد يؤكدون براءتهم مما حدث وأنهم وإن كانوا علي طرفي نقيض مع "الأهلي" وجمهوره إلا أن الأمور لم تكن لتتعدي علي أقصي تقدير بعض الهتافات المعادية أو طوبة تلقي من هنا أو هنا.. لكن أن يصل الأمر إلي أسلحة بيضاء وربما إطلاق رصاص. فهذا ما لم يخطر للبورسعيديين علي بال. قال لي قارئ صديق في بورسعيد إنه يوجد أحد الرأسماليين في المدينة ممن استفادوا كثيراً من النظام السابق.. وكان هذ الشخص بمثابة خادم لأحمد عز الذي كان له دور رئيسي في إفساد الحياة السياسية في مصر. وهو أي القارئ لا يستبعد أن يكون هذا الرأسمالي قد دبر وخطط لهذه المجزرة مع بعض من هم علي شاكلته ممن نطلق عليهم فلول النظام السابق. للأسف الشديد ليس لدينا في وزارة الداخلية من يتمتع بالحس الأمني ويتوقع ويتنبأ بمثل هذه الأحداث المأساوية. وليس لدي الوزارة أو أي جهة أخري جهاز استخباراتي يستطيع أن يكشف المؤامرات قبل وقوعها ويتحسِب لها ويقبض علي مدبريها ومخططيها. لو كان لدينا مثل هذه الأجهزة. لما حدث ما حدث.. وحتي أبسط الإجراءات الأمنية كان من الممكن أن تمنع حدوث ما حدث لو خضع جمهور المتفرجين للمباراة للتفتيش الدقيق. وعدم فتح الأبواب علي مصاريعها لدخول الأعداد الزائدة عن الحد.. فهل هذا تم بغفلة أو عن قصد؟ الأمر الغريب أن جماهير النادي الأهلي ومن يطلقون علي أنفسهم اسم "الألتراس" قد أعلنوا أنهم لم يتوجهوا إلي وزارة الداخلية لمحاصرتها وليس لديهم أي أفراد في شارع محمد محمود أو غيره من الشوارع المحيطة بالوزارة.. إذن ما هي نوعية الجماهير التي أرادت اقتحام الوزارة؟ وما هدفها؟ ثم.. لماذا يتأزم الموقف في السويس للدرجة التي يحاول فيها المتظاهرون اقتحام أقسام الشرطة ومديرية الأمن والاعتداء عليها بالقنابل الحارقة؟ ما صلة هذه المظاهرات بما حدث في بورسعيد أو في محيط الداخلية بالقاهرة؟ الفتنة تجتاح مصر.. ولا هدف لها إلا إسقاط الدولة بعد أن تم بنجاح إسقاط النظام.. وكأنها عملية انتقام مدبرة ويتم تنفيذها بإحكام!! الفاعلون الحقيقيون يضربون ضرباتهم الواحدة تلو الأخري. ثم يتفرجون علينا ونحن نتهم بعضنا البعض ونخون بعضنا البعض.. ولا ندري ما هو المصير.