إنها حقاً معادلة صعبة جداً ومستحيلة بالنظم الحالية. ماذا حدث؟ سؤال يغالبني وأنا كطبيب في مستشفي حكومي أناظر مرضي كثيرين منهم الفقراء وميسورو الحال لكن فجأة تجد المريض ميسور الحال تحول إلي فقير بسبب المرض وأعباء العلاج لكن في منظور الناس أنه مبسوط ويمتلك الآلاف ولا يستحق أن ينضم إلي غير القادرين وهذا خطأ فادح. نحن علي وشك إصدار قانون للتأمين الصحي شامل وقد أثيرت مناقشات حول الفقر والفئات محدودة الدخل التي سوف تكفلها الدولة. ودراسات اكتوارية وتصريحات وغير ذلك. لن أدخل في تفاصيل هذا ولكني أعرض في هذا المقال جزءاً حيوياً وهاماً لابد أن يكون أمام أصحاب القرار لأنه أمانة في أعناقهم أمام الله قبل أي شيء. الفقر في تعريف المنظمات العالمية والعالم والدولة له تعريف خاص وهو "من له دخل أقل من مبلغ معين" هذا تعريف الفقر مطلق عند الاقتصاديين والسيايين والاجتماعيين ولكن عند الطب التعريف مختلف ولابد أن يراعي هذا البعد وتعريف "فقر المرض". إن واقع عملي كطبيب في مستشفيات عامة حكومية مفترض فيها المجانية حتي وقت قريب وعملي الإداري في التعامل مع الناس وأعتقد أنه ليس خافياً علي أحد أننا نجد أفراداً لا يدخلون في تعريف الفقير أو محدودي الدخل. بل يدخل في فئة ميسوري الدخل وفوق الطبقة المتوسطة. يملك أملاكاً عديدة ودخله عال من عمله ويحتل مكانة جيدة في المجتمع. ثم يعانون أمراضاً مزمنة كالسرطان والقلب والرئة والكلي والكبد إلخ. أولاً يتوقف عن العمل وبالتالي دخله يقل بل وينعدم لأنه يعتمد عليه في الحفاظ علي تصنيفه من الناس كقادر. ثم في نفس الوقت تنفتح حنفية المصاريف الضارية المتوحشة تلتهم دخله ورصيده وتحويشة عمره مهما كانت فيتحول هذا الشخص إلي فقير بفعل المرض والأمثلة عديدة. أيها السادة الفقر شيء وفقر المرض شيء آخر.. لهذا يكون القانون قاصراً حتي لو كان متكمل الجوانب "وأنا واثق من ذلك" خذوا بالكم عند الحديث والتصنيف وحساب التكلفة. كفاكم الله شر المرض والحاجة والفقر فهما كارثتان ندعو الله للجميع النجاة والصحة. المشكلة أنه لأي فئة أو شريحة العلاج أصبح حالياً علاجاً بالواسطة وليس حقاً طبيعياً للمواطن لأن الواسطة رغم اعتراضنا عليها يمكن أن تطبق في مجال الوظيفة أو التعليم أو العقارات أو الأراضي أو السفر أو حتي الحج والعمرة ولكن لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال في الطلب والعلاج طالما أن هناك واسطة في العلاج فهذه كارثة.. المشكلة أن الظاهرة ليس سببها القانون أو الحكومة ولكن سببها غياب الضمير الطبي واستغلال البعض لظروف المرضي واحتياجهم للكشف عند طبيب بعينه قد يكون ذات شهرة واسعة وأرجو أن نتعامل مع المريض بعين العطف ونفرق بين فقر المرض وفقر الحياة ولا نحرج المريض في مرضه وندعو الله للجميع بالصحة والصبر علي البلاء.